أنشأت المجتمعات آليات مختلفة لتشجيع الابتكار، وتتمثل إحداها في نظام السوق: تدفع الشركات مقابل البحث والتطوير على أمل بيع الابتكارات مع تحقيق الأرباح؛ ويدعم المستثمرون الشركات إذا اعتقدوا أن منتجاتهم أو خدماتهم ستحقق مبيعات. ويشجع نظام براءات الاختراع البحث والتطوير عن طريق حماية الاختراعات الأصلية من النَّسْخ. ويدعم...
بقلم: إستر دوفلو، مايكل كريمر
باريس/شيكاغو- يمكن أن يكون للابتكار أثر عميق على حياتنا. إذ بفضل التقدم التكنولوجي الذي خفض سعر الطاقة الشمسية بنسبة 90 في المئة تقريبا بين عامي 2009 و2019، أصبح التحول إلى الطاقة الخضراء قريب المنال. كذلك، ساعد الابتكار الزراعي على مضاعفة كمية الغذاء المزروعة لكل هكتار بمعدل ثلاث مرات منذ عام 1960، مما أدى إلى الحد من الجوع بمعدلات كبيرة حتى مع زيادة عدد سكان العالم إلى أكثر من الضعف. وقد أنقذت تقنية اللقاح القائم على الحمض النووي الريبوزي المرسال mRNA حياة عدد لا يحصى من الأشخاص خلال جائحة كوفيد-19.
وقد أنشأت المجتمعات آليات مختلفة لتشجيع الابتكار، وتتمثل إحداها في نظام السوق: تدفع الشركات مقابل البحث والتطوير على أمل بيع الابتكارات مع تحقيق الأرباح؛ ويدعم المستثمرون الشركات إذا اعتقدوا أن منتجاتهم أو خدماتهم ستحقق مبيعات. ويشجع نظام براءات الاختراع البحث والتطوير عن طريق حماية الاختراعات الأصلية من النَّسْخ. ويدعم التمويل الحكومي العلوم الأساسية التي تعد حاسمة في الدفع قدما بالابتكار، ولكن صعبة من حيث الحصول على براءات اختراع بشأنها.
ومع أن هذه الآليات تعزز الابتكار، إلا أنها لا تخلو من قصور. إذ في بعض المناطق، تقل حوافز الاستثمار التجاري بكثير عما هو مطلوب، وغالبًا ما تتجاهل احتياجات الفقراء. فبعض الابتكارات، مثل تكنولوجيات الحد من الانبعاثات، تفيد الجميع إلا العملاء. وهذا يعني أن سعرها لا يعكس بصورة كاملة قيمتها بالنسبة للمجتمع، مما يقلل من حوافز الشركات الخاصة لتطويرها. وهناك ابتكارات أخرى يصعب الحصول على براءات اختراعها ويسهل نسخها، مما يحد من المكافآت المحتملة للمطورين.
كذلك، هناك حاجة إلى ابتكارات تحسن من كيفية تقديم الحكومات للخدمات الأساسية، مثل تعليم الأطفال الرياضيات، أو حماية الأفراد، والمجتمعات الضعيفة من تغير المناخ. ولكن غالبًا ما يكون من الصعب تحويل مثل هذه الابتكارات إلى نقود.
ونتيجة لذلك، كثيرا ما يتم التغاضي عن الابتكارات التي تهدف إلى خدمة شرائح المجتمع الأشد فقرا. ولتعبئة الاستثمارات في المشاريع المصممة لمساعدة الأشخاص الذين يعيشون في حالة فقر، ساعدنا في إنشاء صناديق الابتكار الاجتماعي في الولايات المتحدة وفرنسا. ويتَّبع كل من برنامج Development Innovation Ventures ) مشاريع التطوير والابتكار( في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وThe Fund for Innnovation in Develepment (صندوق الابتكار في التنمية) في الوكالة الفرنسية للتنمية، نموذج شركة رأس المال الاستثماري، لكنهما يركزان على المناطق التي لا تتمتع بخدمات كافية.
وتحدد هذه الصناديق الابتكارات التي يمكن توسيع نطاقها، إما من جانب الوكالات التي تستضيفها أو الحكومات الأخرى، أو المنظمات غير الحكومية، أو الشركات الخاصة. فعلى سبيل المثال، أثبتت الاستثمارات المبكرة والمتواضعة نسبيًا لبرنامج مشاريع التطوير والابتكار في التعليم المستهدف في الهند جدوى هذه الفكرة، مما سهّل على الحكومة الزامبية مهمة توسيع نطاق هذا النموذج على الصعيد الدولي تقريبًا، بدعم من حكومة الولايات المتحدة. وأثبتت فعاليتها في تأمين 25 مليون دولار من الدعم الخيري التكميلي للمساعدة في توسيع نطاق هذا الابتكار. والآن، يحصد الملايين من الأطفال في اثنتي عشرة دولة أفريقية فوائد هذه البرامج التربوية الفعالة للغاية.
لقد كان هذا النهج ناجحًا للغاية. إذ قمنا في الآونة الأخيرة بتحليل تأثير أول عامين من استثمارات برنامج مشاريع التطوير والابتكار، التي تضمنت برنامجًا لدعم العاملين في مجال الصحة المجتمعية فيما يتعلق بتقديم الخدمات الأساسية، وموزعات معالجة المياه، والنظارات المخصصة لمعالجة قصر النظر الشيخوخي بأسعار معقولة. لقد تركت الابتكارات التي مولها هذا البرنامج خلال هذه الفترة أثرا على أكثر من 100 مليون شخص، وحققت ما لا يقل عن 17 دولارًا من المزايا الاجتماعية لكل دولار يُستثمر. ويمثل هذا معدل عائد اجتماعي يتجاوز 143 في المئة، أي ما يقرب من عشرة أضعاف الهدف الأولي الذي حدده برنامج مشاريع التطوير والابتكار في 15 في المئة منذ إنشائها.
وتماما كما هو الأمر بالنسبة لشركة رأس المال الاستثماري، تمثل مجموعة من الابتكارات "الخارقة" الجزء الأكبر من الأرباح. ففيما يتعلق بشركة رأس المال الاستثماري وصندوق الابتكار الاجتماعي، فإن غالبية الابتكارات إما لها أثر بسيط أو منعدم، لكن بعض النجاحات الكبيرة يمكن أن تدر أرباحا على المحفظة الاستثمارية بأكملها وتحقق العوائد. إذ وصلت تسع ابتكارات من أصل 41 ابتكارًا من تمويل برنامج مشاريع التطوير والابتكار خلال أول عامين لها إلى أكثر من مليون شخص. وتمكَّنَّا من وضع قيمة بالدولار لخمسة منها. وبحلول عام 2019، ولدت هذه الابتكارات الخمسة 281 مليون دولار من الفوائد الاجتماعية، مما يمثل سبعة عشر أضعاف من العوائد على المحفظة بأكملها، بما في ذلك التكاليف الإدارية.
ونظرًا لمخاطر الاستثمار في الابتكار، دائمًا ما تكون هناك مخاوف بشأن فشل صندوق ما في تحديد المشاريع البارزة أو الإفراط في الالتزام بالمشاريع المتواضعة أو الفاشلة. ويتمتع برنامج مشاريع التطوير والابتكار وصندوق الابتكار في التنمية بأربع خصائص رئيسية مكنتهما من تجنب ذلك، وتحقيق عوائد قوية على استثماراتهما.
أولاً، يتسم برنامج مشاريع التطوير والابتكار وصندوق الابتكار في التنمية بالانفتاح. ولتحديد الابتكارات الواعدة، يجهل كلا البرنامجين المجالات حيث يمكن تحقيق النجاح، ويستثمران بصورة مكثفة في مختلف القطاعات والكيانات. ويرحبان بطلبات الباحثين وشركات القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية والحكومات. وهذا يشمل المتقدمين الذين غالبا ما يكافحون للفوز بعقود حكومية، مثل أولئك المنحدرين من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
ثانيًا، من أجل الحفاظ على الانضباط في قرارات الاستثمار، يتبع برنامج مشاريع التطوير والابتكار وصندوق الابتكار في التنمية نهج التمويل المتدرج. ففي البداية، يقدمان مبالغ صغيرة من التمويل لاختبار الأفكار الجديدة الواعدة. وحينها، تصبح الابتكارات التي خضعت لتقييم دقيق للأثر وأثبتت فعاليتها من حيث التكلفة، مؤهلة بعد ذلك للحصول على تمويل إضافي واسع النطاق. ويسمح هذا النهج بإجراء التجارب مع ضمان القيمة مقابل المال.
ثالثًا، يعتمد برنامج مشاريع التطوير والابتكار وصندوق الابتكار في التنمية على معايير صارمة قائمة على الأدلة لاختيار الابتكارات الأكثر ملاءمة للتوسع. وغالبًا ما يستخدمان التقييمات العشوائية- نفس المنهجية المستخدمة لاختبار اللقاحات الجديدة- لتقييم الإمكانات التي تتمتع بها المشاريع الواعدة. ويتيح ذلك للباحثين قياس تأثير هذه الابتكارات على الدخل، والصحة، ومحو الأمية، وغيرها من المؤشرات المهمة.
وختاما، يكمل برنامج مشاريع التطوير والابتكار وصندوق الابتكار في التنمية استثمارات البحث والتطوير التجارية. وغالبًا ما تستثمر الشركات الخاصة في الابتكارات التي تولد فوائد اجتماعية، ولكن عادةً ما تقوم بذلك فقط إذا كانت تتوقع عوائد تجارية أيضًا. وبالمقابل، يركز برنامج مشاريع التطوير والابتكار وصندوق الابتكار في التنمية على الابتكارات التي تحقق فوائد اجتماعية كبيرة ولكن جدواها التجارية محدودة. ويمكن لصناديق الابتكار الاجتماعي أيضًا أن تبعد المخاطر عن السكان أو المناطق الجغرافية التي تعاني من نقص في الخدمات، وتكثف استثماراتها الخاصة إلى جانب رأس المال الممنوح. وهذا يجعل استثماراتها "إضافية" حقًا: فهي تستثمر في المشاريع التي كانت ستظل بدون تمويل من القطاع الخاص.
وفي الوقت الذي تتعرض فيه ميزانيات المساعدات لضغوط متجددة، تتمثل إحدى الطرق لتعظيم تأثير الإنفاق في صناديق الابتكار الاجتماعية المنفتحة والمقسمة والقائمة على الأدلة، مثل برنامج مشاريع التطوير والابتكار وصندوق الابتكار في التنمية. وتشير الأدلة إلى أن مثل هذه الصناديق يمكن أن تحقق عوائد هائلة على الاستثمار وأن تجنب إهدار المال. وعن طريق تحديد أكثر الابتكارات الواعدة واختبارها وتوسيع نطاقها بسرعة، فهي توفر أداة قوية للحد من الفقر العالمي وتحقيق الأهداف الأخرى المستصوبة اجتماعيًا.
اضف تعليق