q
مقارنةً مع ما كان عليه الوضع قبل 25 عامًا، يرجح أن يعيش الشخص العادي، اليوم، في اقتصاد يتسم بارتفاع معدلات عدم المساواة. وإلى جانب الدخل والثروة، لا تزال هناك تباينات كبيرة فيما يتعلق بالغذاء والتغذية، والرعاية الصحية، والتعليم، والأرض، والمياه النظيفة، وأشياء أخرى ضرورية لحياة كاملة وكريمة...
بقلم: محمود محي الدين/كارولينا سانشيز بارامو

نيويورك- إن العالم قد أنجز خطوات مهمة في مجال الحد من الفقر المدقع، لكن هذا التقدم تباطأ إلى حد كبير في السنوات الأخيرة. والمشكل واضح: إن القضاء على الفقر المدقع يقتضي التصدي لعدم المساواة.

والخبر السار هو أن مستوى عدم المساواة بين جميع الناس في جميع أنحاء العالم قد تراجع منذ عام 1990، مما يعكس تراجع نسبة الفقر. والأخبار السيئة هي أن عدم المساواة داخل البلدان قد ارتفع. إذ مقارنةً مع ما كان عليه الوضع قبل 25 عامًا، يرجح أن يعيش الشخص العادي، اليوم، في اقتصاد يتسم بارتفاع معدلات عدم المساواة. وإلى جانب الدخل والثروة، لا تزال هناك تباينات كبيرة- بين البلدان وداخلها - فيما يتعلق بالغذاء والتغذية، والرعاية الصحية، والتعليم، والأرض، والمياه النظيفة، وأشياء أخرى ضرورية لحياة كاملة وكريمة.

وليست ظاهرة اللامساواة شرا لابد منه، بل هي خيار سياسي. فقد أبدت الحكومات التي ترغب في تقليص الفجوات في الدخل، والثروة، وتحسين الحياة، والفرص المتاحة لأفقر مواطنيها، أنها تبذل جهودا من أجل ذلك، وأنها قد حققت بعض التقدم. ومنذ عام 2015، جذبت أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة- وتحديداً الهدف 10- اهتمامًا غير مسبوق.

ويقدم المنتدى السياسي الرفيع المستوى الذي سيعقد هذا الشهر، أول فرصة للمجتمع الدولي حتى يقيم التقدم المحرز في مكافحة اللامساواة، على كل من الصعيدين العالمي والوطني. ولتحقيق هذه الغاية، عقدت مجموعة البنك الدولي وإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة، في الآونة الأخيرة، اجتماعًا تحضيريًا لتسليط الضوء على كيف يمكن للحكومات تكثيف جهودها في هذا المجال. وأسفر الاجتماع عن العديد من الاستنتاجات والنتائج الرئيسية:

- وغالبًا ما تنتُج اللامساواة، وتتفاقم بسبب مجموعة من الظروف الاجتماعية، لاسيما تكوين الأسرة أو وضعها الاقتصادي، والموقع الجغرافي، والعرق، والجنس. ويمكن لهذه العوامل أن تساهم برمتها في عدم تكافؤ الفرص، وتتفاقم جميعها بسبب عدم المساواة في الدخل نفسه. ولأن عدم تكافؤ الفرص يقلل من الحراك الاجتماعي من جيل إلى آخر، فإنه يخلق مصائد عدم المساواة الدائمة.

- ولإزالة الحواجز أمام توفير الفرص، يجب على الحكومات معالجة الأسباب الجذرية لعدم المساواة، عن طريق تحديد القوانين التمييزية والقضاء عليها، خاصة تلك التي تجرم الحرمان بالفعل. وفضلا عن ذلك، نظرا لأن ظاهرة عدم المساواة تبدأ إلى حد كبير في مرحلة الطفولة، يجب على الحكومات أن تستثمر أكثر في الرعاية الصحية الشاملة العالية الجودة، وفي التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة. وفقط عن طريق دعم إنشاء رأس مال بشري يبدأ في سن مبكرة، يمكننا أن نضمن أن ظاهرة عدم المساواة في جيل واحد لن تنتقل إلى الجيل التالي.

- وسوف تتطلب هذه الاستثمارات مواردا محلية إضافية. وبشكل عام، تعد سياسة فرض الضرائب التدريجية أمرًا حاسمًا لزيادة الإيرادات الحكومية، شأنها في ذلك شأن توسيع القدرة الإدارية، حتى تتمكن الحكومات من منع التهرب الضريبي، ومن الحد من التدفقات غير المشروعة للموارد عبر الحدود. وعن طريق تحسين تعبئة الموارد، يمكن أن تصبح التحويلات الاجتماعية، والحماية الاجتماعية، أدوات قوية للحد من أوجه التفاوت في الدخل والثروة.

- ويتعين على الحكومات ضمان أن تعود السياسات التقدمية بالنفع على أولئك الذين هم في أمس الحاجة إلى ذلك. ولتحقيق هذه الغاية، يجب على صناع السياسات التماس وجهات نظر المواطنين المحرومين، أثناء صياغة تدابير جديدة وتنفيذها للحد من الفقر وعدم المساواة. إن إعطاء صوت للفقراء سيعطي تحليلات أكثر واقعية للتحديات الحالية، مع ضمان توجيه الموارد إلى حيث تشتد الحاجة إليها.

- وأخيرا، يشكل نقص البيانات عائقًا أمام تصميم السياسات بفعالية. ولتخطيط عدم المساواة بشكل شامل، يجب أن يكون صناع القرار قادرين على الإجابة عن السؤال حول من المستفيد من أي سياسة، أو قانون، أو هيكل سياسي، أو قاعدة ثقافية معينة. إن التعليم، والمناخ، والصحة، والأمن الغذائي، والبنية التحتية، ليست سوى جزء من المجالات الكثيرة التي تحتاج فيها الحكومات إلى بيانات أكثر وأفضل. ومع أن جمع البيانات عملية مكلفة، وتتطلب مهارات مكثفة، فإن الابتكارات الحديثة قد وسعت، إلى حد كبير، الخيارات المتاحة للحكومات.

- فعلى سبيل المثال، تُستكمل الآن مصادر البيانات التقليدية، مثل الدراسات الاستقصائية للأسر المعيشية، والتي لا تتمكن عموماً من الحصول على دخل الشريحة العليا (بما في ذلك 1٪ العليا)، ببيانات إدارية وضريبية، لسد الفجوات المعرفية الطويلة الأمد. ومع ذلك، سوف نحتاج إلى تطوير مقاييس أكثر وأفضل، تجسد مظاهر عدم المساواة المختلفة، حتى يتسنى لجميع الجهات الفاعلة- بما في ذلك الحكومات وحملة الأسهم، والمؤسسات المتعددة الأطراف، ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام- تقييم التقدم المحرز صوب تحقيق هدف التنمية المستدامة 10 مباشرة.

وغالبًا ما تعكس الحواجز التي تحول دون وضع سياسات الحد من عدم المساواة، افتقارًا إلى الإرادة السياسية لإزالتها. ويجب على صناع السياسة أن يدركوا أن التباينات الكبيرة والمستمرة بين المجموعات ليست مضرة بالاقتصاد فحسب، بل بالاستقرار السياسي والاجتماعي أيضًا. ولا يمكن الحفاظ على التماسك الاجتماعي والثقة العامة في المؤسسات في غياب تكافؤ الفرص والسياسات التي تعكس السرد الموحد.

سيقيم قادة العالم التقدم الذي أحرز نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة في قمة ستعقد في سبتمبر. ويجب أن يؤكدوا مجددًا التزامهم بالأهداف العالمية، وبالتحديد الهدف 10 من أهداف التنمية المستدامة. وستستثمر مجموعة البنك الدولي طاقتها، ومواردها لمواصلة جهودها من الآن حتى عام 2030. ولكن هذا لن يكون كافياً. إن الحد من عدم المساواة داخل البلدان وعلى المستوى الدولي سيقتضي خلق قرية عالمية.

* محمود محي الدين، نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لخطة التنمية لعام 2030/كارولينا سانشيز بارامو، المديرة العالمية للممارسات العالمية للفقر والإنصاف في البنك الدولي
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق