ندعو جميع المؤسسات والمنظمات المدنية والحكومية، المتخصصة في مجال تطوير مواهب ومهارات الشباب بشكل خاص، أن تبادر وتستمر في عطائها، وأن تسعى لاستقطابهم وتقديم كل ما يمكن أن يجعلهم من المتميزين، ومن المهم أن نفهم جميعا أن مثل هذه المبادرات يمكن أن تسهم بفاعلية كبيرة على تطوير المجتمع برمته، مع أهمية أن تقدَّم هذه التعزيزات بإخلاص تام...
ليس هناك كفاءة عالية أو حتى متوسطة تظهر إلى ميدان الفعل لوحدها، أو من دون تدريب ومراس يصقل هذه الكفاءة التي تبدأ بذرة صغيرة كأية نبتة لا يكفي أن نزرعها ونتركها لذاتها، بل سيعقبُ ذلك مداراة متعددة لها تبدأ بالسقي والإرواء ولا تنتهي بالتسميد ورش المبيدات وسواها من خطوات تساعد الكفاءة أو الموهبة على النماء، من هذا التفكير المنطقي انطلقت الدورات التدريبية للمواهب والكفاءات البدائية التي تُظهِر استعدادا للتطور والإتقان.
توجد لدينا مشكلة خصوصا في المجتمعات متوسطة الوعي والثقافة، إنها مشكلة الاعتداد بالذات التي تفوق السقف أو الحد المطلوب، فهناك من تأخذهُ العزّة بنفسه ليقول أنه صُنِعَ هكذا مقتدرا متميزا ولم يساعدهُ أحد في تشذيب وصقل كفاءته!!، ولكن ليس هناك كفاءة على الأرض كلها وُلدت بذاتها، من هذه النقطة بالذات تأتي أهمية الدورات التدريبية، فالتدريب بحسب مختصين (تشير دائماً إلى اكتساب المعرفَة والكفاءَةِ والخبرات، والدورات التدريبيّة عبارة عن مهارات عمليّة والمعرفة التي تتّصل مَع بعضها البعض لتفيد الشّخص المتدرّب، وتعقد هذه الدورات التدريبيّة في معاهد فنيّة أو كليّات تقنيّة تَقوم على توفير بيئة مناسبَة لاكتساب المهارات والخبرات على يد مدربين مختصين فَقَط فِي مَجال معيّن، وهذِهِ البيئة التي تقوم بتوفِيرها المَعاهِد غَير مَوجودة فِي الجامعات والكليّات فهِي أقوى مِنَ المعرفة والمعلومات التي تقدِمها الجامعات، وذلك بسبب التدريب العملي وتهيئة المتدرب للعمل والقدرة على مواكبة الحياة العمليّة بعيداً عن المعرفة التي لا فائدة منها في الحياة الواقعيّة، لذلك سنقوم بالتعرّف على أهميّة الدورات التدريبيّة وأيضاً التعرّف على التطوير الذاتي وأهميته إذ يعتبر أهم من الدّورات التَدريبيّة).
الجامعة لا تعطي المعرفة الواسعة
إن أي نشاط بشري فكري أو فعلي وفي أيّ مجال كان، يحتاج إلى التطوّر وقد يستمر هذا الاحتياج طوال الحياة، أي يحتاج الإنسان إلى التعلّم والتدريب بصورة مستدامة، لذلك قد توفّر لك جماعة معينة الفرصة بالتخصّص في مجال معيّن ولكن في الحقيقة الجامعات لا تعطي المعرفة الواسعة في أمر محدّد، لأنّ الجامعات وللأسف هدفها المادّة فقط وليس إكساب الطالب معرفة تفيده في الحياة العملية، إذاً فأهميّة الدورات التدريبيّة هي: إعداد كفاءات قوية، لذلك أصبح التدريب في الوقت الحالي عبارة عن علم مستقل بنفسه وله طرقه الخاصّة في جمع المعلومات والأفكار وكتابتها بطرق منهجيّة يسهل على المتدرب تعلّمها، فبالتالي هذه الطريقة يتم بناء أشخاص قادرين على الاستجابة السّريعة للتغيّرات والقدرة على مواكبة التطوّرات في بيئة العمل، فعندما يأخذ المتدرب خبرات جيدة عن العمل الذي يريد أن يتقنه جيدا من خلال التدريب سيكون من السّهل عليه أن يبدع ويكون أفضل من الآخرين غير المتدربين، وسوف يظهر ذلك بقوة في ساحة العمل أو الإنتاج، فالمتدرب سيكون أسرع في إنتاجه وأكثر إتقانا، يقابله غير المتدرب بالتلكؤ والبطء في العمل، فضلا عن أن منتَجه الفكري أو العملي غالبا ما يفتقد للإتقان، وهي السمة التي يتم الاعتماد عليها في عالم اليوم لبلوغ منصة الإبداع والتطور المتميز عن سواه.
ما مررنا عليه فيما سبق، هو أهمية التدريب عبر دورات تخصصية وحتى عامة، وما سينتج عنها من بناء رائع للمواهب والمهارات وصولا إلى بلوغ الكفاءة المبتغاة، ولكن ثمة سؤال غاية في الأهمية، هل الدورة التدريبية يمكن أن تحل محل الجهد المبذول في سياق التطوير الذاتي، بكلمة أخرى، هل الفرد أي فرد يمكن أن يكون ماهرا متميزا بمجرد دخوله إلى دورة تدريبية، ويمكن له أن يستغني عن طاقات ومساعيه الخاصة؟
لقد شاعت موجة لدى الشباب العراقي على وجه الخصوص سعيهم وراء الشهادات التي تمنحها هذه المنظمة أو تلك لغرض إثبات مهارة هذا الشاب أو ذاك، وهي ظاهرة صحية ولا اعتراض عليها، ولكن على الرغم من أهمية هذه الشهادات في إثبات دخول المتدرب في دورات تساعده وتطور عمله ومهارته، إلا أن الميدان الواقعي للعمل وطبيعته هو الذي يعطي شهادة النجاح أو الإخفاق لهذا الشخص أو ذاك، وهذا النجاح الفعلي لا يتحقق إلا إذا كان هناك مسعى حقيقي يبذله الإنسان في مدار (التطوير الذاتي)، إذا ما فائدة أن تتدرب في دورات عديدة ولا تسعى لتطوير قدراتك ذاتيا عبر مواكبة ما يستجد في العالم على مدار الساعة في جميع المجالات التي يسعى لها الشباب خصوصا وعامة الناس إلى التمايز فيها.
بعض واجبات المؤسسات الإعلامية
إذاً نحن نقف إزاء قطبين لهما فائدة كبيرة في تطوير المهارات وصقلها وترصين الكفاءات، الأول: الدورات التدريبية.
الثاني: التطوير الذاتي.
ويبقى اندفاع الشاب/ الشابة هو حجر الزاوية في مجال التطوير، ولكن هناك عوامل مساعدة ذات أهمية بالغة في دعمهم وتوفير الممكنات التي لا يمكن من دونها تطوير الطاقات والمهارات والمواهب والكفاءات، من هذه النقطة بالذات مطلوب من المنظمات والمؤسسات كل في المجال الذي تتخصص فيه أن تمد يد العون للشباب في مجال التدريب والتطوير الذاتي، ويشترك هنا الجهدان الحكومي والمدني في إنجاز هذه المهمة.
ونظرا لعملي في مؤسسة إعلامية، فقد رأيت بعيني وأسهمت بنفسي ومعي كادر المؤسسة من المبدعين، رأيتُ ما قدمته هذه المؤسسة من دورات تطويرية في مجال الإعلام للشباب من الجنسين في دورات متخصصة بالإعلام وفن الكتابة على مدار السنة، وتعدّت ذلك إلى مجالات وأشكال مهنية أخرى، ولكن نظرا لطبيعة عملها الفكري الإعلامي الثقافي، اهتمت مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في الدورات الإعلامية الثقافية المهنية، ولا تزال ماضية في استقطابها للشباب كي تساعدهم على تطوير قدراتهم ومواهبهم، وسعت لتوسيع الآفاق الفكرية للشباب وعموم المبدعين من مفكرين وكتاب ومثقفين، من خلال (مطابخها الفكرية الأسبوعية، وحلقاتها الشهرية عبر مراكز البحوث والدراسات المنبثقة عن هذه المؤسسة، مضافا إلى المؤتمرات المهمة التي يقيمها ملتقى النبأ للحوار بالتعاون مع الجامعات العراقية ومؤسسات الدولة الأخرى، يُضاف إلى ذلك ما تقدمه جمعية المودة والازدهار من دورات إعلامية ثقافية مهنية تقدم للمرأة كل ما تحتاجه من معاونات في مجال تخصصها، لكي تبقى فاعلة متميزة ومنتِجة في المجتمع).
لهذا ندعو جميع المؤسسات والمنظمات المدنية والحكومية، المتخصصة في مجال تطوير مواهب ومهارات الشباب بشكل خاص، أن تبادر وتستمر في عطائها، وأن تسعى لاستقطابهم وتقديم كل ما يمكن أن يجعلهم من المتميزين، ومن المهم أن نفهم جميعا أن مثل هذه المبادرات يمكن أن تسهم بفاعلية كبيرة على تطوير المجتمع برمته، مع أهمية أن تقدَّم هذه التعزيزات بإخلاص تام.
اضف تعليق