تحت ضوء القمر، والسماء المرصعة بالنجوم، رفعت عينيها ترمق النجوم المنيرة، سار ذات العشرين من عمرها، تغازل النجم، وتحاكي القمر، ترسم بالنجوم خطوطا هندسية تخطها بإصبعها، ليلة من العمر، فستان ابيض وإكليل من الورد، تفرش فستان زفافها على شرفة السماء لتزينها بزينة الكواكب.
احلامها لم تكن عجيبة، تنتظر اللحظات التي سوف تخرج فيها عروسا، حتى يتم زفافهما ويتوجها إلى منزلهما الجديد، برفقة شريك عمرها التي طالما انتظرته سنين عجاف، تنتظر سيارة زفافها بوردها، وزينتها، كعربة أحلام سندريلا.
يوم الخميس هو موعد زفافها بعد أربع سنوات مرت على خطبتهما، لم تمضي الايام سريعا كعادتها، بل كانت ثقيلة كثقل الجبال على صدرها، كانا يعدان الايام والليالي ليتحقق حلمهما الطويل، فقد نفذ صبرهما، ولان الفقر اتعب حالهما، جعل لقاءهما يتأخر ويتم تأجيله أكثر من سنة، فكانت سعادتها غامرة، بعد سنين عجاف مرت عليها من الصعاب والضيق.
تمكنت العروس التغلب على هذه المصائب.... والمصاعب والمشقة المادية والمعنوية، بتحديد موعد زفافها، واصلت ساعات الليل بالنهار لتجهيز حالها، وشراء المستلزمات المطلوبة للزينة في مثل هذه الليالي، نقشت الحنة على كفيها كنقش اللؤلؤ على الماء، جاءها فارس أحلامها مسرعا يوم الخميس، فلم تكد تصدق أن القدر سمع صوتها، وأجاب على نغم قلبها، تحقق الحلم وهمست الطيور، والعصافير راحت تغرد صباح يوم الخميس في أذنها، أفاقت تواكب سرعة الساعة لتجهز نفسها فالوقت يعاندها ويخرج منها مسرعا، شأنها شأن كل عروس مرتبكة خائفة تريد أن تظهر في أحسن صورة، وتتزين كأجمل امراة في الحفل بجمالها لكي تبهر الحاضرين.
ذهبت العروس الى الصالون، ساعات قضتها بين تسريح الشعر وتزين البشرة والعينين، أكملت زينتها ولبست فستان حلمها، فستان ابيض مرصع باللؤلؤ، وطرحة طويلة تفرش أذيالها الملكية فوق الارض، وصل زوجها وامسك يدها ليستقلا سيارة زفافهما المزخرفة بالبالونات والمحلّاة بالورود، أصوات الزغاريد والفرح تملأ المكان، الصالون لا يبعد عن قاعة حفل الزفاف كثيرا، وصل العروسان، ها هما قمران ينيران كل شيء، فرحتهما كانت تعكس أضواءها على الجميع، الاطفال والكبار يشاركون بهذا العرس، الكل يردد (هاي الرادها وهاي التنماها)، تسرق النظرات لترى ملامح زوجها، فهذه أول مرة تراه أمام الملأ، ألبسها عقدها وغيَّر الخاتم من يدها اليمنى الى اليسرى، ليعلن امام الجميع انها زوجته -أمينة في أمانيها مليحة في معانيها-، أنزل الطرحة على وجهها المنير خوفا عليها، امسك يدها وأخذها من القاعة بالصلوات والزغاريد... عند باب القاعة بدأ إطلاق الرصاص من المحبين والاقرباء، وما هي إلا برهة حتى تلبدت السماء المرصعة بغيمة دخانية، علا عويل من أفواه كانت تزغرد.
لم تتحرك العروس وقفت، إنها تنتظر أميرها وفارس أحلامها، يحملها ويطير بها الى القفص الذهبي، القدر أخفى لها في جعبته ما لم تكن تتخيله يوما من الايام، وسرعان ما تبدل العرس الى كابوس، الكل يسرع نحو السيارات، بقيت واقفة على باب القاعة تمسكها أمها، اختفى أميرها فجأة، الرصاصة كانت مستقرة في صدر أميرها، لطمت، صرخت، الآن صوت المصاب كان صامتا، حاولت التمسك بروحها الصاعدة إلى السماء.
لكن بلا جدوى، انتهى حلمها، سيارة زفافها تحمل جسد عريسها، جثة هامدة، وتحول فستان زفافها الابيض الى بقع دم حمراء، والابتسامة لم تدم طويلا، وكأن الحلم يأبى أن يتحقق، وقد انتهت حياة العريس، برصاصة أحد الاقرباء، والاحتفالات التي أعدتها أسرة العروسين اصبحت مجلسا للعزاء، وتبدلت الزغاريد بالصراخ والعويل، سيارة الزفاف تنقل العريس الى دار الموتى، دُهش الجميع، ولوّنت وجوههم علامات الحزن، حيث أخذت ترتسم في ملاح الحضور لتودع العريس الى مثواه الأخير....
ليتهم علموا ان الفرح ليس بإطلاق الرصاص، فهناك حقيقة واحدة هي أن العريس قتل يوم زفافه برصاصة فرح.
اضف تعليق