لماذا تشعر المرأة العراقية بالغبن؟، هكذا وبلا مقدمات، ما أن تسأل المرأة عن أوضاعها في العراق، حتى تبادر على الفور بطرح مئات المشاكل الشخصية والعائلية والعملية وسواها الكثير، المشاكل الشخصية تبدأ من البيت لتعبر الى العمل، ثم مشاكل الشارع والتحرش والمضايقات، ثم طغيان المجتمع الذكوري والهيمنة على مقدرات النساء، والتعامل معهن بتعالي وقسوة، وعدم مراعاة الحقوق والمشاعر.
كل هذا يحدث على نحو دائم أمام مرأى الجميع، ليس هناك خطوات تقلل من معاناة المرأة، حتى لو أنها أثبتت قدرتها على الابداع، فهناك الكثير من النساء العراقيات، ابدعن في مجالات عملهن، وتميزن وتفوقن حتى على بعض الرجال، ولكن مع ذلك لم يتم التعامل معها على أساس انها جديرة بالثقة، هذه النظرة الفوقية من الرجل للمرأة، هي السبب في ضياع فرص حقيقية لتقدم المجتمع، خاصة أن المرأة أثبتت قدرتها على النجاح والصبر والتطور.
ان الخلل في هذا المجل، أي في نظرة الرجل للمرأة، وطريقة تعامله معها، هو السبب الأول في تضييع فرص تقدم المجتمع، لاسيما أن المرأة في العراق اليوم تحتل وظائف ادارية وتعليمية وصحية كثيرة وكبيرة تصل الى حد قيادة الوزارات كما هو الحال مع وزيرة الصحة في العراق، فهذا المرفق الحيوي الذي يتعلق بحياة الناس أنيط بالمرأة، وهذا دليل على أنها يمكن أن تتصدى لهذا النوع من المسؤوليات الكبيرة، لذلك لو أراد المعنيون بالاسهام في بناء المجتمع وفقا للضوابط التي تجعل منه مجتمعا معاصرا، فإن ذلك يستدعي منهم العمل بإخلاص وجد للوصول الى درجة النجاح المطلوبة، من خلال المحافظة على دور المرأة في المجتمع وعدم النظر إليها على أنها ليست محط ثقة.
على العكس من ذلك، حيث دلّت الشواهد خارج العراق على تميز المرأة العراقية عندما تتاح لها الفرصة للتفوق كما حدق مع زها حديد، لذا ينبغي مراعاة المرأة وتشجيعها والوقوف الى جانبها حتى تكون قادرة على العطاء، وتؤدي دورها في المجتمع على أفضل وجه، وهذا الهدف الكبير، لن يتحقق من دون حفظ كرامة المرأة ودعم شخصيتها، وجعلها كيانا قويا له كامل الثقة بنفسه وقدراته التربوية، ودوره في الحياة عموما، لأن المرأة الضعيفة المهانة من لدن الرجل المتعصب، لا يمكن أن تربي طفلا ناجحا واثقا من نفسه، بل سيكون طفلا ضعيفا ويكبر الضعف وانعدام الثقة معه فيكون عنصر معيق للتطور بدلا من أن يكون منتج له.
فاقد الشيء لا يعطيه
لا يصح مطلقا التعامل بعدم احترام وثقة مع المرأة، لأن النتائج ستكون وخيمة على المجتمع كله، وبالتالي فإن إهانة المرأة وسلبها حقوقها والاعتداء عليها واهانتها وتحجيمها واقصائها، كل هذه الامور تجعل منها كائنا مشلولا ومركونا في الهامش، لذا فإن المرأة الفاشلة المقصية ستفشل قطعا بتربية النشء وفقا لضوابط المعاصرة والنجاح، ومجاراة التطور العالمي السريع.
الجميع يفهم أن المرأة الضعيفة لا يمكن أن تسهم في تطوير العائلة والمجتمع، كما هو الحال مع أي إنسان يفقد الثقة بنفسه، فسوف يكون مشلولا وغير قادر على المساهمة في بناء الدولة والمجتمع، بل غير قادر على بناء نفسه، فكيف يكون قادرا على التميز والعطاء؟؟ إننا نتفق على أن (فاقد الشيء لا يعطيه)، فإذا كانت المرأة الواقعة تحت السلطة الذكورية، فاقدة لكرامتها وشخصيتها وثقتها بنفسها، فمن المحال أن تربي إنسانا ناجحا يمكن أن يخدم المجتمع، ومن هذا المنطلق، ينبغي للرجل وللمعنيين جميعا، من الرجال والنساء من اصحاب القرار، او من مؤسسي وقادة المنظمات الرسمية والاهلية، المعنية برعاية المرأة وحمايتها، أن يتنبّهوا جميعا الى خطورة النتائج التربوية، التي يجنيها المجتمع نتيجة لاهانة المرأة والتجاوز على حقوقها، والتعامل معها على أنها كائن غير قادر على الانتاج والابداع.
من المهم أن يتنبه المجتمع، وخاصة فئة الرجال، الى أهمية أن تشعر المرأة بأهميتها وقدراتها وتميزها، حتى تكون واثقة من نفسها، وحتى تكون قادرة على تربية الأجيال بالطرق التربوية السليمة التي تمنح الاطفال شخصيات قوية واثقة، فإذا سلبنا من المرأة الثقة بها، فهذا سوف ينعكس على الاطفال، وكأننا نسلب الثقة من أطفالنا وأنفسنا، ونسهم في تدمير المجتمع من حيث لا نعلم، لذا على الآباء والرجال عموما أن يحرصوا على التعامل بثقة تامة مع المرأة.
لذلك يجب أن تكون خطورة التجاوز على المرأة وتهميشها ذكوريا، حافزا لتجنب مثل هذه الاساليب، حفاظا على الدور الهام للمرأة في صناعة المجتمع، ولابد أن تصبح آليات حماية حقوق المرأة والحد من السلطة الذكورية التي تتحكم بها، نهجا سلوكيا عاما ومعتادا في المجتمع عموما، بمعنى ينبغي العمل من لدن الجميع، لا سيما المعنيين بهذا الامر، على إشاعة ثقافة احترام المرأة، وصيانة حقوقها، والحفاظ على مكانتها، وشخصيتها، ودورها في الاسهام بصناعة المجتمع المعاصر، من خلال مساندة المرأة للقيام بدورها التربوي اولا، ومن ثم قيامها بالانشطة الاخرى التي تناسبها، والتي تسهم في بناء المجتمع بصورة عامة.
مبادرات لترسيخ دور المرأة
هناك خطوات مهمة على الجهات المعنية الشروع بها، من اجل تشجيع المرأة على الابداع والتفاعل والانتاج الجيد في المجال الذي تنشط فيه، بالاصافة الى المهمة الاساسية المنوطة بها وهي المهمة التربوية السليمة على القيم الاسلامية والانسانية، ومع أننا ينبغي أن نمنح المرأة فرص كافية لاثبات قدراتها والاستفادة منها، إلا أن الاطراء وزرع الثقة في نفوس النساء، والتعامل مع المرأة بعدالة وانسانية يبقى هو العامل الأهم في منح الثقة دورا مهما في بناء المجتمع والدولة، لذلك فان تحقيق مثل هذه الأهداف المجتمعية ليست مستحيلة، بل هي محكومة بمنح المرأة دورها الحقيقي في المجتمع، وهذا الامر كفيل بنجاحها وامكانية الاستفادة منها في مضاعفة فرص النجاح ليس للمرأة على نحو الخصوص وانما للجميع.
اذن فإن الدور الصحيح للمرأة العراقية، ينطوي على جوانب أهمها الدور التربوي، والوظيفي، على أن يتعامل معها الرجل بما يسندها ويساعدها على اداء دورها وليس العكس، ويتطلب تحقيق هذا الهدف مساعٍ متواصلة ينبغي أن تبادر بها الجهات ذات العلاقة، او المعنية بهذا الامر ومن هذه المبادرات على سبيل المثال:
- تأسيس المنظمات التثقيفية التي تعمل على نشر الوعي المطلوب بين شرائح المجتمع عموما حول احترام حقوق المرأة وأهمية دورها في المجتمع.
- أن تقوم الجهات المعنية لاسيما الرسمية منها على تأسيس وتطوير المؤسسات والمنظمات التي تختص بالتأهيل الصحي والنفسي والاجتماعي في مجال التثقيف على اهمية المرأة ودورها الاجتماعي الحيوي.
- أن توضع الخطط المطلوبة لمعالجة العنف الذكوري ضد المرأة وتحويل هذه الخطط الى برامج عمل ملموسة ومطبقة على ارض الواقع.
- أن تُسن القوانين والضوابط التي تسند أخلاقيات وسلوكيات حماية المرأة من مظاهر العنف الذكوري.
- أن يسهم الاعلام عموما في بث وترسيخ سلوكيات مساندة المرأة وحمايتها وتفعيل دورها في المجتمع، وأن يقوم بمحاربة العنف ضد المرأة.
واخيرا ان اتخاذ الاجراءات الصحيحة من لدن الجهات المعنية بخصوص تحييد العنف الذكوري ضد المرأة، وتطبيق ذلك بصورة فعلية وجادة، من شأنه أن يبني شخصية فاعلة للمرأة، الامر الذي يعود بنتائج ايجابية ليس للمرأة وحدها بل لعموم المجتمع، من خلال ضمان الدور الصحيح لها، بما يجعل منها عنصر منتج ومبدع في وقت واحد.
اضف تعليق