إن حالة الجمود التي نعيشها ليست قدراً محتوماً، بل هو اختيار خاطئ، ومالم نواجه هذا الواقع بشجاعة ونكسر حاجز الخوف من التغيير، فإننا سنظل عالقين في هامش الحياة، نشاهد العالم يتقدم من حولنا، فالحضارة تُبنى بالعقل والعمل، ولابد أن ندرك أن الماضي العظيم لا يغني عن واجبنا في الحاضر والمستقبل...

في عالم متسارع الأحداث ومليء بالتحولات اليومية والاكتشافات الجديدة، نجد مجتمعاتنا تقف على هامش هذا العالم، متعلقة بالماضي، تتغنى بأمجاده، وتعيش على وقع هواجس الخوف من كل ما هو جديد، الحضارة في تغير دائم، والعالم يتطور بوتيرة متسارعة، بينما نحن عالقون في قوقعة الماضي، نردد شعارات قديمة بأننا أصل الحضارة ومنبعها، متناسين أن الحضارة ليست حالة ثابتة، بل حركة دائمة تتطلب التجدد والعمل المستمر.

(منطقة الراحة) ليست حالة فردية يعيشها الإنسان فحسب، بل هي أيضاً حالة تسري على المجتمعات، ومجتمعنا واحد من تلك المجتمعات التي لا تزال عالقة في تلك المنطقة، متأخراً قروناً عن ركب التطور العلمي والمعرفي، ففي الوقت الذي يتسابق فيه العالم نحو التفوق التكنولوجي والمعرفي، تتزايد لدينا نسب الأمية التقليدية (من لا يقرأ ولا يكتب)، بينما يوجه الآخرون جهودهم لتجاوز الأمية الإلكترونية وتعليم استخدام التكنولوجيا في كل مجالات الحياة.

أما نحن، فما زلنا نعامل أبناءنا كصناديق تُعبأ بالمعلومات دون أن نعطيهم فرصة التفكير أو التساؤل، فتتحول هذه الأفكار إلى مسلمات غير قابلة للنقاش. لقد فضّلنا البقاء في منطقة الراحة على مواجهة تحديات التغيير، وهذا الخيار قتل الإبداع في نفوسنا ومنعنا من إنتاج مفكرين ومبدعين جدد، لنكتفي بإنجازات من سبقونا ونعيش على ذكراهم دون فخر حقيقي، لأننا لم نساهم في صناعتهم.

حياتنا أصبحت مرهونة بما نصدره من نفط، الذي يعتمده اقتصادنا بالكامل، دون أن نساهم نحن حتى في إنتاجه، غياب الطموح والرؤية المحدودة جعل مجتمعنا في حالة من الركود في كل المجالات فلا صناعة تنهض بنا، ولا زراعة تكفينا، ولا سياحة تُحسن من وضعنا الاقتصادي.

الخوف من التغيير والمجازفة أصبح جزءاً من هويتنا، إذ نرى في التغيير خطراً يهدد وجودنا، بينما الحقيقة هي أن هذا الخوف نابع من عجزنا عن الثقة بأنفسنا فلا يمكن أن نُبدع أو ننتج إذا كان حاجز الخوف يسيطر علينا، ونتائج ذلك واضحة في الأزمات التي نعيشها يوماً بعد يوم، دون أن نحاول حلها أو حتى الاعتراف بجذورها.

الخروج من منطقة الراحة يبدأ بالمصالحة مع النفس والاعتراف بحاجتنا للتغيير علينا أن نُعيد بناء الأجيال على أسس صحيحة تُشجع التفكير النقدي والإبداع، بدلاً من أن نُربيهم على التلقين والخضوع بل تعليمهم أن يسألوا، وأن يُبدعوا، وأن يستفيدوا من الموارد التي وهبها الله لهم هو البداية الحقيقية للتطور.

خليفة الله في الأرض لا يمكن أن يكون كسولاً، أو خائفاً من الأفكار والتفكير فقد منحه الله العقل ليفكر ويعمل ويُبدع، فالعقل هو مفتاح بناء الأمم والحضارات فلا هوية حقيقية دون تأمل وتفكر، ولا مستقبل مشرق دون أن نُوقظ العقول ونُطلق طاقاتها.

إن حالة الجمود التي نعيشها ليست قدراً محتوماً، بل هو اختيار خاطئ، ومالم نواجه هذا الواقع بشجاعة ونكسر حاجز الخوف من التغيير، فإننا سنظل عالقين في هامش الحياة، نشاهد العالم يتقدم من حولنا، فالحضارة تُبنى بالعقل والعمل، ولابد أن ندرك أن الماضي العظيم لا يغني عن واجبنا في الحاضر والمستقبل.

اضف تعليق