نتوقع أن تكون الجلسات الخاصة مرآة للواقع الاجتماعي، لا أن تكون مرآة لثقافات البلاد الأخرى، فتكون هذه الجلسات الخاصة والمغلقة بمنزلة بؤر تآمر للانقلاب على النظام الاجتماعي وعلى هوية المجتمع، وهو ربما يكون أخطر بكثير من الانقلاب العسكري ضد النظام السياسي...

يغمر الانسان شعور بالزهو والاعتداد اذا دُعي الى اجتماع خاص لتداول افكار ومقترحات في قضية يجد لنفسه حيزاً للظهور فيقدم ما لديه، ويسمع ما يحظى به من افكار من المتحدثين اليه، فهو يسمع ما لم يسمعه الآخرون.

هذا يكون ضمن علاقات الصداقة او الزمالة في العمل، كما يكون على شكل دعوات خاصة توجه للبعض بناءً على اعتبارات علمية او فنية او ثقافية، وتأخذ المنحى الايجابي احياناً والسلبي احياناً أخرى في صياغة افكار لتكون ثقافة عامة في الشارع، او معالجة ظواهر معينة، فضلاً عن مناقشة قضايا سياسية واقتصادية في مراكز الدراسات والمؤسسات الثقافية. 

على الصعيد الاجتماعي؛ أي ظاهرة سلوكية؛ ايجابية كانت أم سلبية، لن يسود قبل ان تسبقها جلسات خاصة تُبحث فيها أسرع السبل وصولاً الى افراد المجتمع، وأكثرها مقبولية وتأثيراً، مثل الفعاليات الثقافية او البرامج المدرسية او انتاج المواد الاعلامية على مواقع الانترنت التي باتت أقرب الى المخاطب من الشاشة الصغيرة، "فهناك أمور كثيرة لا يجهر بها الانسان في الجلسات العامة، اذ يجب عليه مراعاة الشؤون الاجتماعية، بينما في الجلسات الخاصة التي تجمعه مع أصدقائه وخلانه والخلقة المقربة اليه، فربما يصرّح بها، ومثل هذا التصريح يؤثر في قناعة الانسان وفكره"، (بحوث أخلاقية- السيد جعفر الشيرازي). 

وعلى الصعيد السياسي فان الجلسات الخاصة من شأنها البتّ في اجراءات، او التحضير لسنّ قوانين تتعلق بالأمن والاقتصاد والخدمات، وايضاً؛ القضاء. 

ولأن للجلسات الخاصة آثارها البالغة على الواقع الخارجي للحياة الاجتماعية والسياسية، فان ثمة ضوابط وضعت لتكون مفيدة لافراد المجتمع على طول الخط، وقد سلط عليها الضوء، القرآن الكريم في سياق النظم والقوانين الاجتماعية الرائعة التي وضعها، ووصفها بـ "المناجاة"، بما يشبه أن يسرّ شخصٌ بحديث خاص الى شخص قريب عليه دون أن يسمعه شخصٌ ثالث، ودعى الى أن تكون هذه الطريقة من الحديث ناظرة الى البناء والإصلاح، لا الى الهدم والإفساد؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى}.

بتحكيم القيم يمكننا الامساك بناصية الاحاديث الخاصة وتوجيهها نحو ما يخدم مصالح عامة الناس، وليست المصالح الخاصة بالمجتمعين، من خلال الأخذ باعتبارات عدّة منها: 

1- المشاورة وتبادل الآراء والافكار لبلورة الفكرة المطلوبة لمعالجة ظاهرة ما، او لطرح مشروع يُراد أن يكون للمجتمع يد الشراكة فيه، بينما الاستبداد بالرأي وفرض رؤى معينة على الآخرين، او ربما تغرير الموجودين لتسويقها وتطبيقها، فانه يجعل من هذه الجلسات الخاصة مواطن لتنشئة الديكتاتورية السياسية والفكرية ايضاً. 

2- أن تكون هذه الجلسات مرآة للواقع الاجتماعي، وتفرعاته النفسية والأخلاقية والثقافية، لا أن يكون مرآة لثقافات البلاد الأخرى، فتكون الجلسات الخاصة والمغلقة بمنزلة بؤر تآمر للانقلاب على النظام الاجتماعي وعلى هوية المجتمع، وهو ربما يكون أخطر بكثير من الانقلاب العسكري ضد النظام السياسي. 

3- إفساح المجال للنقد والتجريح لما من شأنه الإضرار بالصالح العام، والانحراف عن الثوابت، لتكون هذه الجلسات مصداقاً للآية الكريمة بأن تكون القاعدة؛ {البرّ والتقوى}، وليس {الإثم والعدوان}.

 فكرة المناجاة، او الجلسات الخاصة، أو الإسرار بفكرة معينة، كل هذا اذا خرج من الغرف المغلقة والأطر الفئوية الضيقة، حتى وإن كان الجالسين من فئة يعتدون بانفسهم ثقافياً وعلمياً وسياسياً، وصارت لها مخرجات حضارية تبني الانسان والمجتمع فان الناس ستشعر بأن ثمة جهود مضنية تبذل لحل المشاكل والازمات نظرياً، ثم تطبيق الافكار على الواقع العملي بدعم وتفاعل من الناس انفسهم. 

اضف تعليق