يعد اليوم الدولي للصداقة فرصة للتذكير بأهمية العلاقات الإنسانية القائمة على الاحترام المتبادل والثقة في عالم يعج بالصراعات والأزمات، تبرز قيمة الصداقة كركيزة أساسية لتحقيق السلام والتنمية المستدامة، فالصداقة ليست مجرد علاقة بين الأفراد، بل هي جسر يمتد بين الشعوب والأمم...

في الثلاثين من تموز من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي للصداقة، وهو مناسبة تعكس القيم الإنسانية العميقة التي تجمع بين البشر بمختلف ثقافاتهم وأديانهم، هذه المناسبة التي أطلقتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2011، تهدف إلى تعزيز التفاهم بين الشعوب وبناء جسور من التعاون والمحبة، بعيدًا عن النزاعات والاختلافات.

يعد اليوم الدولي للصداقة فرصة للتذكير بأهمية العلاقات الإنسانية القائمة على الاحترام المتبادل والثقة. في عالم يعج بالصراعات والأزمات، تبرز قيمة الصداقة كركيزة أساسية لتحقيق السلام والتنمية المستدامة. فالصداقة ليست مجرد علاقة بين الأفراد، بل هي جسر يمتد بين الشعوب والأمم، يربط بين القلوب والعقول، ويعزز من فهمنا وتقديرنا للآخر.

يمثل هذا اليوم دعوة مفتوحة لجميع الناس لإظهار مشاعر الود والتقدير لأصدقائهم، والتأكيد على أن الصداقة تتجاوز الحدود الجغرافية والحواجز الثقافية. إنها تعبير عن إنسانيتنا المشتركة، وعن قدرتنا على التآزر والتعاون من أجل مستقبل أفضل للجميع. تتجسد هذه القيم في الأنشطة والفعاليات التي تُنظم بهذه المناسبة حول العالم، والتي تشمل اللقاءات الثقافية، والحملات الاجتماعية، والمبادرات التعليمية التي تركز على تعزيز التفاهم والتسامح.

وعلى الرغم من التحديات التي تواجه البشرية، يظل الأمل قائمًا في قدرة الأفراد على بناء علاقات قوية ومستدامة تعزز من روح التضامن العالمي. فاليوم الدولي للصداقة ليس مجرد احتفال عابر، بل هو تذكير دائم بأهمية الحب والاحترام في بناء عالم أكثر سلامًا وعدلاً. وفي هذا اليوم، يتجدد العهد بأن الصداقة هي القوة الدافعة التي يمكنها تغيير العالم، وتحقيق السعادة والرفاهية لجميع سكان الأرض.

الصحة والعمر

قد تؤثر علاقاتك الاجتماعية على صحّتك بقدر ما تفعل التمارين الرياضية اليومية. الكاتب ديفيد روبسون يبحث في كتابه الجديد حول العلاقات، عن الأدلة والأسباب خلف هذا الرابط المُفاجئ.

إن كنت قد ألقيت نظرة على أحدث الأفكار حول الرفاهية وطول العمر، ستلاحظ التركيز المتصاعد حول وضع علاقاتنا. وقيل لنا إنّ الأشخاص الذين يتمتعون بشبكة علاقات مزدهرة، قد تكون صحتهم أفضل من أولئك الذين يشعرون بالعزلة.

وترتبط تفاعلاتنا مع الآخرين بشكل وثيق بطول أعمارنا. حتى أنّ منظمة الصحة العالمية أنشأت لجنة جديدة خاصة بالتواصل الاجتماعي ووصفتها بأنها "أولوية صحية عالمية".

قد تشكّك قليلاً بهذه المزاعم، وبالآليات الغامضة التي من المفترض أن تربط بين صحتنا الجسدية وقوة علاقاتنا.

لكن فهمنا للنموذج "البيولوجي النفسي الاجتماعي" المتعلّق بالصحة ظلّ ينمو لعقود. أثناء التحقيق العلمي في كتابي "قوانين الاتصال"، اكتشفت أن صداقاتنا يمكن أن تؤثر على كل شيء، بدءاً من قوة جهاز المناعة لدينا، وصولاً إلى فرص وفاتنا بسبب أمراض القلب.

كانت استنتاجات هذا البحث واضحة: إن أردنا أن نحيا حياة طويلة وصحية، يجب أن نبدأ بإعطاء أولوية للأشخاص حولنا، يمكن تتبع الجذور العلمية بالعودة إلى بداية الستينيات، عندما أرسى ليستر برسلو، من وزارة الصحة العامة في ولاية كاليفورنيا، مشروعاً طموحاً لتحديد العادات والسلوكيات التي تؤدي إلى عيش حياة أطول.

وقام برسلو بجمع سبعة آلاف مشارك من مقاطعة ألاميدا المجاورة، وبنى صورة مفصلة عنهم من خلال استبيانات شاملة، وتابع وضعهم الصحي لسنوات لاحقة.

وخلال عقد من الزمن، حدّد فريق بريسلو العديد من المكونات التي نعرف اليوم أنها ضرورية لصحة جيدة: لا تدخن، لا تسرف في تناول الكحوليات، سبع إلى ثماني ساعات نوم في الليلة، التمارين وتجنب الوجبات السريعة والحفاظ على وزن معتدل وتناول الفطور.

كانت الاكتشافات مذهلة، لدرجة أنّه حين قدم زملاؤه النتائج له، اعتقد أنهم يمارسون دعابة ما. لن تحتاج إلى تفسير تفاصيل هذه الإرشادات "ألاميدا 7"، لأنها تشكّل اليوم معظم إرشادات الصحة العامة.

استمر البحث، وفي عام 1979 اكتشف زميلان لبريسلو – ليزا بركمان وأس ليونارد سايم – عاملاً ثامناً يؤثر على طول عمر الأشخاص: التواصل الاجتماعي.

في المتوسط، كان الأشخاص الذين لديهم أكبر عدد من العلاقات أقل عرضة للوفاة بنحو النصف تقريباً، مقارنة بالأشخاص الذين لديهم شبكة علاقات أقلّ حجماً. وبقيت النتيجة ذاتها حتى بعد أن تحكموا بعوامل مثل الوضع الاجتماعي والاقتصادي وصحة الناس في بداية الدراسة، فضلاً عن استهلاك السجائر وممارسة الرياضة والنظام الغذائي.

ومع التعمّق أكثر، أصبح واضحاً أن جميع العلاقات مهمّة، لكن بعضها كان أهمّ من الآخر.

إن الشعور بالارتباط مع الأزواج والأصدقاء المقربين يوفر أكبر قدر من الحماية، ولكن حتى الأشخاص الذين تتعرف عليهم بشكل عرضي في الكنيسة أو في نادي البولينغ يساعدون في إبعاد شبح الموت.

قد يفسر إطلاق هذا الادعاء بجرأة مطلقة، سبب إهماله في البداية في إرشادات الصحة العامة. اعتاد العلماء على رؤية الجسد كنوع من الآلة، منفصلاً إلى حد كبير عن حالتنا العقلية وبيئتنا الاجتماعية. ولكن منذ ذلك الحين، أكدت الأبحاث المكثفة أن التواصل والشعور بالوحدة يؤثران على قابليتنا للإصابة بالعديد من الأمراض المتنوعة.

صلب المسألة 

على سبيل المثال، يمكن للتواصل الاجتماعي أن يعزّز نظام مناعتك وحمايتك من العدوى. في التسعينيات طلب الباحث شيلدون كوهين من جامعة كارنيغي ميلون من 276 مشاركاً، إعطاء تفاصيل كاملة عن روابطهم الاجتماعية.

خضع المشاركون لاختبار فحص عدوى موجودة، ووضعوا في حجر صحي وطلب منهم استنشاق قطرات الماء الملوثة بالفيروس الأنفي - وهو الفيروس الذي يسبب العديد من السعال والعطس.

على مدار الأيام الخمسة التالية، استمرت الأعراض في الظهور على العديد من المشاركين، لكن هذا كان أقل احتمالا بشكل ملحوظ لدى الذين يتمتعون بمجموعة كبيرة ومتنوعة من الروابط الاجتماعية.

في الواقع، كان أولئك الذين لديهم أدنى مستويات التواصل الاجتماعي أكثر عرضة للإصابة بنزلات البرد بثلاثة إلى أربعة أضعاف من أولئك الذين لديهم شبكات أكثر ثراء تضمّ العائلة والأصدقاء والزملاء والمعارف.

يجدر بأي عالِم جيّد، أن يفكر دائما في ما إذا كانت العوامل المربكة الأخرى قد تفسر النتيجة.

من المنطقي الافتراض أنّ الأشخاص الذين يعيشون بعزلة، يمكن أن يكونوا أقل لياقة ونشاطاً، إذا كانوا يقضون وقتا أقل في الخارج مع الأصدقاء والعائلة على سبيل المثال.

ومع ذلك، وبحسب اكتشاف بيركمان وسايم أيضا، ظلّ الارتباط قائماً حتى بعد أن أخذ الباحثون في الاعتبار جميع هذه العوامل. ويتجاوز حجم التأثير بشكل كبير فوائد تناول مكملات الفيتامينات، وهو إجراء آخر قد نتخذه لتعزيز نظام المناعة لدينا.

يطال أثر تعزيز الصحة الاجتماعية، حالات مزمنة وتصطحب معها تغيرات في ظروف الحياة مثل مرض السكّري النوع 2.

وتنمو هذه الحالة حين يتوقف البنكرياس عن إفراز الكمّ الكافي من الأنسولين، وتوقف خلايا الدم عن التجاوب مع الأنسولين الذي يتدفق في الدم – وكلاهما يمنع البنكرياس من خفض نسبة السكر في الدم إلى خلايا الطاقة.

يمكن لعوامل مثل السمنة أن تساهم في الإصابة بمرض السكري، لكن يبدو أن جودة علاقاتك تؤثر أيضاً.

كشفت دراسة أجريت على 4000 مشارك في الدراسة الطولية الإنجليزية حول الشيخوخة أن النتيجة الأعلى في مقياس الشعور بالوحدة في جامعة كاليفورنيا ــ وهو استبيان يستخدمه العلماء لقياس الارتباط الاجتماعي ــ تنبأت بظهور مرض السكري من النوع 2 على مدى العقد التالي. وهناك إشارات تدلّ على أن الأشخاص الذين يتمتعون بروابط اجتماعية أقوى لديهم خطر أقل للإصابة بمرض الزهايمر وأشكال أخرى من الخرف.

ومع ذلك، ترتبط أقوى الأدلة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

وسلطت دراسات كبيرة طالت عشرات آلاف من الأشخاص على مدى سنوات عديدة، الضوء على هذا الرابط.

ويمكن ملاحظة ذلك في المراحل المبكرة - فالأشخاص الذين يعانون من علاقات اجتماعية سيئة، هم أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم - وفي أسوأ النتائج، تزيد الوحدة من خطر الإصابة بنوبة قلبية أو ذبحة صدرية أو سكتة دماغية بنحو 30 في المئة.

وقامت جوليان هولت-لانستاند، عالمة نفس من جامعة بريغام يونغ في يوتاه، بجمع نتائج 148 دراسة، وذلك بهدف الحصول على قياس الأهمية الشاملة لتعزيز الصحة الاجتماعية.

الدراسات غطّت 300 ألف مشارك، وفحصت فوائد الانخراط الاجتماعي ومخاطر الانفصال الاجتماعي.

بعدها قارنت جوليان آثار الوحدة مع مخاطر عوامل أخرى في الحياة، من بينها التدخين وشرب الكحول والتمارين والنشاط الجسدي، ومؤشر قياس السمنة، وتلوث الهواء وتناول دواء التحكم بضغط الدم.

النتائج التي صدرت عام 2010 كانت مذهلة، وجدت هولت- لونستاد أن حجم وكمية علاقات الأشخاص الاجتماعية يساويان أو يتخطيان جميع العوامل الأخرى تقريبا، في تحديد الوفيات.

كلما شعر المزيد من الناس بدعم الأشخاص من حولهم، كلما تحسنت صحتهم وقلّ احتمال وفاتهم. بشكل عام، لعب التواصل الاجتماعي - أو غيابه - دورا أكبر في صحة الناس، من استهلاك الكحول وممارسة الرياضة ومؤشر السمنة وتلوث الهواء. النتائج المتعلقة فقط بآثار التدخين كانت قريبة.

علاقة أم سببية

تعرّض هذا البحث للانتقادات. للحصول على دليل قاطع على وجود علاقة سببية بين أحد عوامل نمط الحياة وطول العمر الإجمالي، ستحتاج إلى إجراء تجربة مضبوطة، حيث تقوم بتعريض الأشخاص بشكل عشوائي لظروف مختلفة. هذه هي الطريقة التي يجري بها اختبار الأدوية الجديدة – البعض يتناول حبوب منع الحمل والبعض الآخر يتناول علاجاً وهمياً، ثم تقوم بتسجيل النتائج المختلفة.

في هذه الحالة، سيتعين عليك تخصيص بعض الأشخاص لحالة الوحدة، وحرمانهم من الصداقات، بينما يُمنح الآخرون شبكة اجتماعية جاهزة مليئة بالأشخاص المحبين.

ومن الواضح أن هذا أمر يثير الشكّ أخلاقياً ومن المستحيل القيام به عملياً ــ وهي الحقيقة التي دفعت بعض الناس إلى التساؤل عما إذا كانت التأثيرات الواضحة للتواصل الاجتماعي حقيقية ومهمة. وهم يشيرون إلى أن العلماء ربما فاتتهم بعض العوامل المربكة التي تعطي الوهم بوجود صلة بين حياتنا الاجتماعية وصحتنا وطول أعمارنا، على الرغم من بذل قصارى جهدهم.

ومع ذلك، فإن هذه الحجة ليست دامغة تماماً كما تبدو، كما قالت هولت- لونستاد مؤخرا في مراجعة للبحث. ففي نهاية المطاف، لا نستطيع إجراء تجارب عشوائية على البشر لإثبات مخاطر التدخين التي تقصر الحياة ــ وسوف تكون الأخلاقيات أكثر إشكالية ــ ولكن قِلة من العلماء اليوم قد ينكرون حقيقة مفادها أن أحد الأمرين يسبب الآخر. وذلك لأن لدى العلماء معايير أخرى - تُعرف باسم إرشادات "برادفورد هيل" - لإثبات وجود علاقة سببية بين نمط الحياة والمرض.

وأشارت هولت – لانستاد إلى أنه في الدراسات طويلة المدى مثل "ألاميدا"، يُمكن للعلماء البحث فيما إذا كان اختيار نمط حياة شخص ما يسبق تطور المرض أم لا.

التسلسل في هذه الحالة، واضح للغاية: أبلغ الناس عن شعورهم بالوحدة قبل فترة طويلة من ظهور اعتلال صحتهم. يمكن للعلماء أيضًا البحث عن "العلاقة بين الجرعة والاستجابة" - أي ما إذا كان التعرض أكثر لعامل نمط الحياة المشار إليه يؤدي إلى خطر أكبر.

مرة أخرى، هناك نمط واضح - من المرجح أن يعاني الشخص المنعزل تماما، من صحة أسوأ من الشخص الذي يشعر بالوحدة أحياناً، والذي بدوره يعاني من مرض أكثر من الشخص الذي لديه دائرة اجتماعية نابضة بالحياة.

يمكنك كذلك التحقق مما إذا كانت النتائج متسقة، عبر مجموعات سكانية مختلفة وباستخدام أنواع قياس مختلفة، إذا تم تحديد التأثيرات في عينة صغيرة واحدة فقط، فمن حقك أن تثير الشكوك. لكنّ الأمر ليس كذلك هنا.

تقول هولت - لونستاد إنه جرى الآن توثيق تعزيز الصحة الاجتماعية في جميع أنحاء العالم، وذلك باستخدام طرق متعددة لقياس الروابط الاجتماعية بين الناس. سواء كنت تسأل عن مشاعر شخصية أو تفكر في حقائق موضوعية، مثل الحالة الاجتماعية لشخص ما، أو العدد الدقيق للمرات التي يرى الناس فيها معارفهم كل شهر، فإن النمط يظلّ كما هو. ويمكننا أن نلاحظ تأثيرات موازية في أنواع اجتماعية أخرى متنوعة مثل الدلافين، وقردة البابون، وقرود المكاك ريسوس: فكلما كان الفرد أكثر اندماجاً داخل مجموعته، زاد طول عمره.

السلامة في الكثرة

لفهم كيف يمكن لقوة علاقاتنا الاجتماعية أن تؤثر في صحتنا إلى هذه الدرجة، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار مسألة تطوّرنا. فعندما تكيّف البشر الأوائل مع العيش في مجموعات أكبر، كان كل شيء يعتمد على علاقاتهم، بدءا من الإمدادات الغذائية وحتى الحماية من الحيوانات المفترسة. وكان فقدان مكانتهم بين رفاقهم، يعرضهم لخطر المجاعة والمرض والإصابة.

نتيجة لذلك، من المحتمل أنّ الدماغ والجسد تطوّرا لتصنيف العزلة الاجتماعية على أنها تهديد خطير.

قد يكون هذا السبب خلف شعورنا بالمعاناة حين نكون وحيدين وغير متصلين بالآخرين. بالطريقة ذاتها التي يحذرنا بها الألم الجسدي للبحث عن الأمان ومعالجة جروحنا، ربما تطوّر الألم الاجتماعي لإقناعنا بتجنب الأطراف المعادية وإعادة تأسيس علاقاتنا الإيجابية.

تؤدي مشاعر الرفض أو العزلة أيضاً إلى إطلاق سلسلة من ردود الفعل الوظائفية (الفيزيولوجية). في ماضينا التطوري، كان من المفترض أن تحمي هذه المشاعر البشر الأوائل من الخطر المباشر الذي تشكله العزلة، مثل هجمات الحيوانات المفترسة أو الأعداء.

يحفز الدماغ إطلاق هرمونات النوربينفرين والكورتيزول، وهي الهرمونات التي تبقي العقل في حالة تأهب للتهديدات وتهيئ الجسد للعدوان.

وفي الوقت نفسه، يبدأ جهاز المناعة في زيادة إنتاج الجزيئات الالتهابية للدفاع ضد مسببات الأمراض.

في زمن البشر الأوائل، كان من شأن ذلك أن يقلّل من خطر العدوى إذا تعرضوا لإصابة نتيجة هجوم. يمكن أن يؤدي الشعور بالعزلة والضغط الاجتماعي أيضا إلى زيادة إنتاج الفيبرينوجين، فيعزز تخثر الدم ويساعد على شفاء الجروح.

وبينما قد تزيد هذه الاستجابة من فرص بقائنا على قيد الحياة على المدى القصير، إلا أنها قد تسبب ضرراً على المدى الطويل. عندما يكون الجسم مستعداً باستمرار للعداء والعدوان، فإنه يضع ضغطاً إضافياً على نظام القلب والأوعية الدموية.

وقد يمنع ذلك في الوقت نفسه التهاب الجرح، لكن الاستجابة المناعية المصاحبة له تكون أقلّ مهارة في الاستجابة للفيروسات، مما قد يزيد من فرص الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، على سبيل المثال.

وقد يؤدي الالتهاب المزمن إلى تآكل خلايانا، مما قد يرفع خطر الإصابة بأمراض السكري والزهايمر والقلب.

ويمكن أن تتسبب المستويات المرتفعة من عامل التخثر الفيبرينوجين بتجلّط الدم، مما قد يؤدي إلى نوبة قلبية أو سكتة دماغية.

إذا أمضينا عقوداً في الوحدة والعزلة، فإنّ هذه التغييرات يمكن أن تزيد بشكل كبير من خطر المرض والوفاة المبكرة. ومع ذلك، عندما يستمتع الناس بالتواصل والدعم الاجتماعي، فإن أجسادهم ستمنع عمليات مثل الالتهاب. ونتيجة لذلك، سيكون لديهم مستوى صحي أفضل بكثير مما يجعلهم أقل عرضة للإصابة بالأمراض.

باعتباري شخصا عانى من الخجل، وجدت ذات مرة هذه النتائج مقلقة بعض الشيء. كيف يمكننا جني فوائد الاتصال العميق إذا لم نكن اجتماعيين ومنفتحين بشكل طبيعي؟ ولكن عندما بحثت في الأدلة، اكتشفت أن مهاراتنا الاجتماعية تشبه عضلاتنا، فكلما استخدمناها أكثر، أصبحت أقوى.

حتى الأشخاص الذين أعلنوا عن أنفسهم أنهم انطوائيون، يمكنهم أن يتعلموا أن يكونوا اجتماعيين أكثر، إذا رغبوا في ذلك.

بنفس الطريقة التي نخطط بها لنظام اللياقة البدنية لتعزيز نشاطنا الجسدي، يمكننا جميعا إيجاد طرق لدمج تفاعل اجتماعي أكثر أهمية في حياتنا، ورعاية الروابط القديمة وبناء روابط جديدة. لدينا إمكانيات التواصل، فقط إذا وفرنا لأنفسنا الفرص المناسبة. بحسب موقع “BBC”.

في زمن مواقع التواصل زاد عدد الأصدقاء وبات الهدف تجميع أكبر عدد من الصداقات أو المتابعين، وهذا يختلف عن تمضية الوقت مع أصدقاء حقيقيين مقربين والذي بدوره ينعكس على مدى رضا الإنسان عن حياته الاجتماعية.

الأصدقاء يدخلون حياة الإنسان ويخرجون منها، لكن هناك عدد محدود يستمر بالعلاقة لفترة طويلة، فهم يتغيرون بين الحين والآخر، وتلعب الظروف دورا في ذلك، ولا يمكن الاستخفاف بأثر الصداقة على شعور المرء بالسعادة والراحة والرضا.

أكثر سعادة

تقول اختصاصية الطب النفسي الدكتورة جنا علي زعبلاوي إن "كلمة صديق تعطى فقط للصديق الحقيقي، أما غير الحقيقي فهو لا يندرج تحت كلمة الصداقة، قد يكون زميل عمل أو زميل دراسة أو غيرها، لكن ليس صديقا، فالصداقة مأخوذة من الصدق".

وتتابع أن "الصديق شخص تسعد وأنت تقضي وقتك معه وتعرف أن حبك له وحبه لك ليسا مشروطين، تثق به ويثق بك، تجده ويجدك وقت الحاجة، وتعذره وتسامحه ويعذرك ويسامحك على تقصيرك، يقدرك ويتفهم اختلافك ويساعدك على تطوير نفسك، ويمكنك أن تكون على طبيعتك دون تكلف أمامه، فإن لم تكن العلاقة بهذه المواصفات فهي ليست صداقة حقيقية".

وتوضح الدكتورة زعبلاوي أن "الصداقة ليست بالكم بل بالنوع، إذا كانت هذه الصداقات بالصفات التي ذكرت سابقا فإن أثرها يكون إيجابيا على الشخص، وبالتالي وجودها يحسّن إنتاجيته، أما إن لم تكن صداقة حقيقية فالتقليل منها أفضل".

دور الأصدقاء الحقيقيين

وتقول زعبلاوي إن "وجود أصدقاء حقيقيين يؤدي إلى وجود عنصر داعم دائم يخفف صعوبة ما قد يمر به المرء ويجعله أسهل وقعا عليه، كما أن وجوده قد يكون مكان الناصح فيخفف وقع ما قد يحصل دون تلك النصيحة، إضافة إلى أن الصديق الحقيقي يشجع صديقه في جميع نواحي حياته، الاجتماعية منها والنفسية والعملية".

وتختم بأن الصداقة بين الزوجين "من أجمل ما قد يكون، وهي علاقة الصداقة الحقيقية، والمنتصر الحقيقي في العلاقة هو من يصادق زوجته وتكون بالنسبة له بئر أسراره وملجأه والسند الذي يحتاجه والداعم المستمر ومنبع الحب الذي لا ينطفئ ومصدر التقدير والتشجيع".

من جهته، يقول استشاري الاجتماع الأسري مفيد سرحان إن "تكوين الصداقات حاجة للإنسان في جميع المراحل العمرية وفي جميع الظروف وفي الرخاء والشدة وفي الغنى والفقر، وبغض النظر عن طبيعة العمل أو المستوى الاجتماعي".

ويلفت إلى أن "كثيرا من الناس يتباهون بكثرة أصدقائهم وتنوعهم وهم يشعرون بالسعادة والراحة، فأينما يذهبون لهم صداقات حتى أن بعض الأشخاص ممن تقتضي طبيعة عملهم كثرة السفر والتنقل يحرصون على تكوين صداقات في أكثر من دولة، وهم لا يشعرون بالغربة".

ويذكر سرحان أن "تعدد الصداقات مفيد للإنسان، لأن الصداقة حاجة ضرورية له شريطة أن تكون صداقات حقيقية قائمة على أسس سليمة، لأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بلا أصدقاء، فالصديق ملاذ يلجأ إليه الإنسان وقت الشدة، وهي تحتاج إلى عطاء".

لا يأتي صدفة

ويؤكد الاستشاري سرحان أن الحرص على زيادة عدد الأصدقاء لا يعني التساهل في مواصفات الصديق، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- إن "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"، ويقول أيضا "يُحشر المرء مع من أحب".

ويلفت إلى أن المعارف غير الأصدقاء، فبعض الأشخاص لديهم كثير من المعارف في العمل والحي وممن يتعاملون معهم، لكن ليس بالضرورة أنهم جميعا أصدقاء.

ويتابع أنه من الحكمة أن يميز الشخص من هو الصديق الحقيقي الذي يلجأ إليه، وهذا لا يعيب الآخرين أو يقلل من أهميتهم، فالصديق الذي يجلب السعادة لصديقه ويفرج عنه همومه لا يأتي بالصدفة أو لأنه مرتبط معه بعلاقة عمل أو جيرة أو قرابة فقط، بل هو نتيجة اختيار وتجربة، فلا يجوز أن تترك الصداقة للصدفة حتى لا يندم الإنسان على صداقاته بعد فوات الأوان لأن الصديق رفيق للشخص في الدنيا.

تؤثر على زواجك وعملك وصحتك

يرى إريك باركر مؤلف كتاب "اللعب جيدا مع الآخرين.. العلم المفاجئ وراء سبب كل ما تعرفه عن العلاقات، في الأغلب خاطئ" أن الصداقات تؤثر على زواجك وعملك وحتى صحتك على النحو التالي:

ـ الصداقة العميقة مع زوجتك تزيد الرضا الزوجي: إذا كنت تريد زواجا سعيدا فإن إنشاء صداقة متينة أولا أمر بالغ الأهمية، وكتب باركر أن 70% من رضا الزوجين يرجع إلى صداقتهما، وفقا لأبحاث غالوب.

ـ وأولئك الذين يعتبرون أن زوجاتهم هن أفضل صديق لهم يحصلون على ما يقارب ضعف الرضا عن الحياة من الزواج من أولئك الذين لا يفعلون ذلك، وفقا لبحث من المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.

ـ الصداقة مع رئيسك في العمل: هذه الصداقة تجعل العمل أكثر متعة، ويلاحظ باركر أن أولئك الذين يرون أن مديرهم "صديق مقرب" هم أكثر عرضة بمقدار 2.5 مرة للاستمتاع بعملهم.

ـ الصداقات مع زملاء العمل: هذه الصداقات لها القدرة على تغيير نظرتك للحياة، اسأل نفسك: هل لديك 3 أصدقاء في العمل؟ يقول باركر "من المرجح أن تشعر بالسعادة بنسبة 96% في حياتك".

ـ الصداقات الهادفة تساعدك على العيش لفترة أطول: كتب باركر أن الوحدة يمكن أن تكون قاتلة، ومع ذلك فإن الشريك الرومانسي ليس هو الحل دائما.

ويختم باركر "قارنت دراسة أجريت عام 2006 لمريضات سرطان الثدي اللواتي لديهن 10 صديقات مقربات بأولئك اللاتي لم يكن لديهن هذا العدد من الصديقات، وكانت النتيجة أنه في المجموعة الأولى تضاعفت لدى المرأة فرصة للبقاء 4 مرات، ولكن الأكثر إثارة للدهشة أن الزوج لم يكن له أي تأثير". بحسب موقع “الجزيرة نت”.

صناعة الأصدقاء

دائماً ما يحاول الإنسان الفكاك من شعور الوحدة، وصناعة الأصدقاء بشكل دائم حتى وإن كان الأمر غير سهل، خصوصاً في عصرنا الحالي، الذي تراجعت فيه فرص الصداقة التقليدية على أرض الواقع، وتحولت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي تلعب دوراً رئيسياً في القضاء على الصداقة بشكلها القديم.

ومن أجل التخلص من طريقة إنشاء الصداقات عبر نطاق "الأونلاين"، تم إنشاء مجموعة من الفعاليات سواء كانت فردية أو جماعية، لتحقيق ذلك.

وحسب تقرير أوردته مجلة فوربس، صارت الروابط المشتركة للمجتمع المدني تتلاشى لدرجة أن التواصل الوحيد المتاح هو الاحتجاج، والعواطف التي تصعد إلى القمة هي الإحباط والغضب، ولكن هل حقاً تنجح تلك المحاولات؟!

في الغالب تنطوي الصداقة على تبادل شيء ما، إذ كانت البداية قبل ستة آلاف عام، كان الصيادين وجامعو الثمار عبر شمال شرق أوروبا يتبادلون حلقات من الإردواز، وهو نوع من الصخر الصفائحي المرقق، كرمز للصداقة والتواصل الأبدي، ويبدو أنها كانت ذات قيمة كبيرة لدرجة أن تلك الحلقات بقيت في أيدي أصحابها حتى وفاتهم.

لكن هذا ليس كل شيء، فقبل خمسة آلاف عام أيضاً، كان الأصدقاء يتبادلون قشور بيض النعام، كعلامة على الصداقة الوطيدة، حسب دراسة رصدت كيف كان الصيادون والقطافون في العصر الحجري، بمنطقة جنوب الصحراء الكبرى في قارة إفريقيا، يستخدمون حبات قشر بيض النعام، كعلامة واضحة على الصداقة، والتأكيد على أواصرها، بل والإعلان عنها للآخرين، كان هذا يتضمن تبادل الحلي المصنوعة من قشر بيض النعام.

ومن هنا يمكن الإشارة إلى أن محاولات صنع الأصدقاء مرت بمراحل عديدة عبر الزمن، بدءاً من العصر الحجري، مروراً بمحاولات صنع الأصدقاء عبر تبادل الطوابع البريدية، و"بريد الأصدقاء" على صفحات الصحف والمجلات وتبادل الخطابات عن بعد، وصولاً إلى عصر مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث يمكن للمرء على موقع "فيسبوك" وحده أن يمتلك 5 آلاف صديق على قائمته.

يفرق أرسطو بين ثلاثة أنواع من الصداقة، هي: صداقة المنفعة، وصداقة اللذة، وصداقة الفضيلة، لكن تلك التقسيمات لم تبد ذات قيمة في ذلك التعريف الذي أوردته دائرة معارف ستانفورد، التي أشارت إلى أن الصداقة عبارة عن "علاقة شخصية مميزة، ترتكز على اهتمام كل صديق برفاهية الآخر، وهذا ينطوي على درجة معينة من الحميمية".

وذلك لأن الأصدقاء يساعدون في تشكيل هويتنا، وفي نفس الوقت الصداقة تبرز في غالبية الأحيان أسئلة حول إمكانية التوفيق بين متطلباتها، والمتطلبات الأخلاقية، مما يظهر تعارضاً، في بعض الأحيان، بين الأمرين.

وفي كتاب لها بعنوان "صداقة" تتبعت الأستاذة الجامعية الأسترالية باربرا كين تاريخ الصداقة في أوروبا، والطرق التي تغيرت بها بمرور الوقت، بداية من الفترة الهلنستية وحتى اليوم، بما في ذلك لغة الصداقة، وأخلاقياتها، وكيف لعبت دوراً في الفلسفة الغربية.

وهذا ليس هو الكتاب الوحيد الذي حاول البحث عن جذور الصداقة، سواء كانت بين البشر، أو البشر والحيوانات، أو الدول وبعضها البعض!

ويجب الإشارة إلى أن الصداقة عبارة عن "احتياج" عصبي، قبل أن تكون احتياجاً نفسياً، فبحسب دراسة بعنوان "علم أعصاب الصداقة"، تبين وجود روابط عصبية مهمة ترتبط بتكوين الصداقات، يؤدي تعطيلها إلى مشاكل صحية.

كما أن الصعوبات في تكوين صداقات أو الحفاظ عليها، يمكن أن يصاحب اضطرابات عصبية ونفسية مثل التوحد والاكتئاب، ربما لهذا حتى الحيوانات لديها أصدقاء، ذلك لأن الصداقة ليست اختراعاً بشرياً، ولكنها سمة تطورية، حيث تشير الدراسات الصادرة عن أكاديمية نيويورك للعلوم إلى وجود مجموعة مشتركة من الدوائر العصبية ترتبط بتكوين الصداقات لدى كل من البشر والحيوانات.

مبادرة اصنع أصدقاء

"اصنع أصدقاء" كان هذا هو عنوان عدد من الفعاليات التي شهدتها محافظة الإسكندرية بمصر، والتي انطلقت من موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك على شكل "مناسبة"، إذ تبين بالبحث أنها تتبع حركة فريدة من نوعها لصناعة الأصدقاء حول العالم بعنوان يحمل نفس الاسم، تقام في دول عدة مثل أيرلندا والولايات المتحدة، وعشرات الدول الأخرى، وصولاً إلى مصر التي شهدت تنظيم عدة فعاليات للتعارف وتكوين الصداقات.

 لكن الانضمام إلى هذه الفعاليات المنطلقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وُضعت له شروط، بدت للبعض على أنها غريبة، ساقها المنظمون عبر الصفحة الخاصة بالفعالية مثل:

ـ أن يحتفظ المنظمون بالحق في رفض أي شخص دون مبرر.

ـ إذا أقيمت الفعاليات في مكان خاص مثل بار أو مطعم فستتم مطالبتك بطلب مشروب واحد على الأقل احتراماً لنا ولمجتمعنا.

ـ من يقرر الحضور مسؤول عن شؤونه الشخصية، وفي حالة الضياع أو السرقة لن يتمكن من الانقلاب على مجتمع "اصنع أصدقاء".  

ـ إذا صدر عن الشخص أي سلوك غير محترم فسوف يتم حظره من جميع الفعاليات اللاحقة.

ـ الحضور يعني الموافقة على أن يتم تصوير الشخص، وستتم مشاركة الصور ومقاطع الفيديو عبر الشبكات الاجتماعية، وعلى من يرغب أن يُعلم المنظمين بهذا.

هذه الشروط أثارت حفيظة الشابة سمر أشرف، التي لفتت نظرها الفعالية وتحمست لها قبل أن تتراجع قائلة: "الشروط التي وضعوها بدت غريبة جداً بالنسبة لي، والتأكيد على نقطة الأمان والسرقة أصابتني بالخوف، كيف يمكن صناعة الأصدقاء تحت التهديد المسبق؟ وما العائد الذي يمكن أن أجنيه من لقاء أذهب إليه بنية صناعة أصدقاء، خارج مواقع التواصل فأجدهم يعودون بي إلى ذات المواقع في هيئة صور أو مقاطع فيديو أظهر فيها!".

بعيداً عن هذا النوع من الفعاليات، فثمة العشرات من مجموعات "صناعة الأصدقاء" تحمل أسماء مختلفة، عربية وأجنبية، الهدف منها بالكامل ألا يبقى المرء وحيداً، خاصة في الأعمار الكبيرة، لعل أبرزها مجموعة بعنوان "أصدقاء فوق الستين"، تضم أكثر من ربع مليون شخص، يتبادلون حكايات ما بعد الستين وروتين اليوم والنصائح وكذلك الخبرات.

الصديق الصدوق

حسب الموقع الطبي "مايو كلينك"، فإن علاقة الصداقة تؤثر على الصحة بشكل بارز، وتساهم –إن كانت صحية- في زيادة الشعور بالانتماء، ووجود هدف في الحياة، وتحسين الثقة في النفس، وتقدير الذات، والمساعدة على التعايش مع الصدمات، وتقليل خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم.

يقول الدكتور جمال فرويز، طبيب استشاري في الصحة النفسية وأمراض المخ والأعصاب وعلاج الإدمان، لـ"عربي بوست" إن الصديق هو عبارة عن طبيب نفسي مجاني، ويضيف: "عند مرحلة معينة، يحتاج المرء لصديق، حتى وإن كانت جميع علاقاته الأخرى مثالية، سواء في البيت أو العمل، وذلك لأن الصديق الصدوق هو مخرج ومنفس عما يدور داخل المرء من أمور لا يمكن أن يعرفها أي أحد سواه".

بحسب فرويز، فإن أصدقاء الطفولة هم عادة الأكثر بقاء وصدقاً، ويقول: "عبر عملي في مجال الطب النفسي، تابعت كيف قام الكثيرون بإفشاء أسرارهم لأصدقاء افتراضيين، تحولوا لاحقاً لأعداء، أو مبتزين، بينما الصديق الصدوق يجب أن يكون شخصاً نثق فيه، ويفضل لو كان من معارف الطفولة، عندما لا تكون الصداقة مبنية على غرض أو مصلحة، وهو أمر نادر الوجود".

ينصح استشاري الطب النفسي بتقدير قيمة الصداقة والإبقاء على الأصدقاء: "لهذا دور في زيادة التركيز والسعادة، لن يستطيع المرء في كل مرة أن يذهب لطبيب نفسي حين يرغب في البوح عن شيء ما يضايقه، الطبيب يسمع ولا يمنح نصيحة، تلك هي القاعدة في الطب النفسي، أما الصديق، فهو يعرف صديقه وتاريخه وجوانب شخصيته جيداً، ومن ثم يمنحه النصيحة الأنسب والأكثر صدقاً". بحسب موقع “عربي بوست”.

الصداقة تبني الجسور بين المجتمعات

كثيراً ما نختار أصدقاء من محيطنا يشبهوننا ليسهل التفاهم والتواصل والتشارك في الذكريات، لكننا أيضاً قد نلجأ إلى أصدقاء تفصلنا عنهم المسافات ويختلفون عنا في اللغة والثقافات.

لعل البعض يتذكر صفحات المراسلة في مجلات الأطفال التي كانت توفر فرصاً للتعارف والتواصل العابر للحدود والقارات. لا يختلف الأمر اليوم سوى بأدوات التواصل التي تطورت فسهلت وسرعت وربما عمقت الصداقة بين الأفراد من دول وثقافات مختلفة.

مثل هذا النوع من الصداقات قد يكون عاملاً ملهماً لجهود السلام في العالم، ويشكل فرصةً لبناء الجسور بين المُجتمعات، كما أنه يساعد على مُواجهة وتحدّي أي صور نمطيّة مغلُوطة، لذلك تحتفل الأمم المتحدة في الثلاثين من يوليو من كل عام باليوم العالمي للصداقة بين الشعوب والبلدان والثقافات. بحسب موقع “BBC”.

عدو أم صديق؟

تعتبر الصداقة جزءاً أساسياً من حياة الطفل، لكن ليست كل الصداقات جيدة ومتكافئة؛ إذ يمكن لبعض الصداقات أن تجعل الطفل يشعر بالقلق أو التوتر، بالإضافة إلى الارتباك، ومع ذلك غالباً ما يكافح الأطفال لرؤية الضرر الذي يمكن أن تسببه هذه العلاقات.

إذا كنت تشك في أن طفلك أو ابنك المراهق في علاقة صداقة غير صحية، فمن المهم أن تكون قادرًا على التعرف على العلامات ومعرفة كيفية التدخل.

الصداقات مهمة في حياة الطفل 

تساعد الصداقة الصحية طفلك على الشعور بالارتباط بالعالم، إذ أثبتت الدراسات أن الصداقات الصحية لها تأثير إيجابي على الصحة العامة، كما تساعد الصداقة الجيدة خلال الطفولة أو المراهقة في تطوير الكفاءات الاجتماعية، بالإضافة إلى تعزيز ثقتهم في الذات.

يمكن أن تكون الصداقة مصدراً للدعم العاطفي، لكن الأطفال الذين ليس لديهم أصدقاء في مرحلة الطفولة هم أكثر عرضة بثلاث مرات تقريباً لمستويات عالية من الاكتئاب والقلق، والشكاوى النفسية والجسدية، كما يزيد احتمال تعرضهم لمستويات عالية من العدوانية، وفرط النشاط، وعدم الانتباه.

كما أن الصداقات مهمة عندما يتعلق الأمر ببناء الشعور بالانتماء والدعم المعنوي، في الواقع الأطفال الذين لديهم دائرة قوية من الأصدقاء هم أقل عرضة لأن يصبحوا أهدافاً للتنمر من الأطفال المنعزلين اجتماعياً.

وجدت إحدى الدراسات أن قضاء المزيد من الوقت مع الأصدقاء خلال فترة المراهقة يمكن أن يحمي الأطفال من الشعور بلسعة الإقصاء الاجتماعي لاحقاً، وحسب نفس الدراسات هذه أهم خصائص الصداقة السليمة: 

ـ التعامل بالمساواة.

ـ الثقة المتبادلة بين الطرفين.

ـ احترم حدود بعضكما البعض.

ـ احتفل بنجاحات بعضنا البعض.

ـ دفاع كل واحد منهم عن الآخر.

علامات الصداقة غير الصحية

حسب "very well family" تنشأ المشاكل عندما تكون الصداقات غير صحية خلال المواقف الصعبة، إذ تصبح الصداقة أكثر ضرراً، مما هي مفيدة ويمكن أن تترك طفلك يعاني من عدد من المشاعر المتضاربة.

يقول "هيلي شافير" أخصائي الصحة النفسية: "يمكن أن تكون الصداقات غير الصحية ضارة جداً للأطفال، ولكنها غالباً ما تكون أكثر ضرراً للمراهقين"، إذ يبدأ المراهقون في تحديد أولويات صداقاتهم مع رفاقهم بشكل أكبر خلال المدرسة الإعدادية والثانوية؛ إذ يكونون أكثر عرضة للتنمر واختيار العادات والسلوكيات السلبية اعتماداً على من يقضون الوقت معهم.

حسب نفس الأخصائي، هذه بعض الدلائل والسلوكيات التي تدل على أن صداقة الطفل أو المراهق غير صحية:

1) لا يوجد توازن في القوة: تنبني الصداقة الحقيقية على التعاون، لكن هذه الخاصية تكون شبه منعدمة في الصداقة غير الصحية، بدلاً من ذلك، من المحتمل أن ترى صديقاً يحب أن يكون الشخص المسؤول ويتخذ جميع القرارات.

قد يلجأ هؤلاء الأصدقاء أيضاً إلى العدوان العلائقي من أجل تحقيق أهدافهم والحصول على ما يريدون، أو على النقيض من ذلك، قد يبذلون القليل من الجهد في الصداقة على الإطلاق، ويتوقعون أن يقوم الطرف الآخر بكل العمل.

2) سلوك غير لطيف أو لئيم: تتضمن الصداقات غير الصحية في بعض الأحيان سلوكاً لئيماَ أو غير لطيف، على سبيل المثال، قد يكون الصديق شديد الانتقاد أو يتحدث بشكل سيئ عن الآخرين، وقد تصل في بعض الأحيان إلى الاستهزاء واستغلال الطرف الثاني.

3) الغيرة المفرطة: غالباً ما تظهر الغيرة في الصداقات غير الصحية، سواء كان الحسد على لعبة جديدة أو الغيرة على صديق آخر، ونادراً ما تكون الصداقات غير الصحية داعمة ومشجعة، بدلاً من محاولة الاحتفال بنجاحات الآخر، غالباً ما يكون هناك خيط أساسي من القدرة التنافسية.

4) التحكم: قد يكون تحكم أحد الطرفين في الآخر دليلاً على عدم وجود صداقة سليمة، فغالباً ما تؤثر هذه التصرفات على شخصية الطفل الممارس عليه التحكم؛ ما يجعل شخصيته أضعف وغير قادر على اتخاذ قراراته الخاصة في المستقبل.

اضف تعليق