الحضارة هي الدرجة العليا من تباين الوجود الإنساني، وهي ذلك الشيء القادر على إلغاء التناقضات القائمة ما بين المجموعات البشرية ذات الانتماء العرقي والثقافي المختلف، وكذلك بين الشعوب المتطورة وغير المتطورة وبين ماهية السلطة والحاجة إلى نظام عام وهي تتضمن في داخلها الأبعاد التاريخية...
عند كل مرة اطالع احوال المجتمعات الاخرى والافضلية التي تمتلكها في جوانب عديدة تحاصر عقلي اسئلة عدة من اهمها: كيف تقدمت بلدان اوربا وامريكا وبعض البلدان المجاورة لنا في الطب والتربية والقانون والى غير ذلك من مظاهر الحضارة بينما نحن لازلنا متأخرين؟، لماذا هم يتقنون اعمالهم ونحن لا نفعل ذلك؟، ولماذا ينظمون ويستثمرون وقتهم بالطريقة المثلى على عكسنا نحن تماماً؟، لماذا هم منتجين للأفكار بينما نحن يصيبنا الخمول الفكري؟ وهل العرب فعلاً اصحاب حضارة واذا كانوا كذلك فأين علامات حضاراتهم؟، كل هذه الاسئلة توقد في نفسي شعلة من القلق عن واقعنا وسأبقى ابحث عن إجابات لهذه الأسئلة.
وتعرف الحضارة على انها" الدرجة العليا من تباين الوجود الإنساني، وهي ذلك الشيء القادر على إلغاء التناقضات القائمة ما بين المجموعات البشرية ذات الانتماء العرقي والثقافي المختلف، وكذلك بين الشعوب المتطورة وغير المتطورة وبين ماهية السلطة والحاجة إلى نظام عام وهي تتضمن في داخلها الأبعاد التاريخية للواقع وهي التي تعالج قضية الاستخلاف والتعاقب".
المفكر الجزائري مالك بن نبي يقول" أي أننا بحاجة إلى إقلاع حضاري من جديد"، ولعل كان يقصد ان يكون الانسان حضارياً ليحب الحياة ويخاطر من اجلها ويسلك طرق شتى من اجل التمتع بالحضارة ويستكشف ويبحث ويتأمل العالم، لقد بذلوا حياتهم في سبيل أن يقدموا علماً نافعاً.
والتحضر يعني ان يتطهر الانسان من البدوية السلبية والارتجال والفوضى والانانية كي ينظم علاقاته ومعاملاته في اطر ونظم وشرائع، لاكمال تسير حياتنا بمبدأ الغاب الغلبة للأقوى والاكثر شراً وليس الاكثر نضجا او عقلاً او تميزاً، وتغلب المحاباة على معظم مفاصل حياتنا.
من مظاهر الحضارة ان يعمر الانسان الارض بالغايات التي خلق الإنسان من أجلها، وسخر الله له كل ما ينتفع به ويتقدم في حياته، هذه الحضارة التي زهت لهم سلطان كامل على الفكر والعلم وهل يملكون من أسباب القوة لتحقيق هذا الهدف وهل يستفيدون من الوقت والمال كما يجب ام اننا نحن اليوم في مشكلة حضارية واضحة المعالم ولا يمكن ان تحجب بغربال.
مظاهر غياب الحضارة
العرب ليسوا حضاريين لانهم لم يعيروا اهمية للوقت ولم يستثمرونه، وبذا هم يهدرون اهم اجزاء الانجاز الحضاري، اذا انهم يسيرون الامور ببيروقراطية مؤذية جداً الى الحد الذي يجعلك تشعر ان الموظف يتلذذ بعذاب الناس وتأخير المواعيد مما يعني استهتار بالوقت وعدم إعطائه الأهمية، في هذا الاطار تقول الإحصاءات أن معدل زمن العمل الحقيقي للموظف في العالم العربي ساعة في اليوم وهو يتعدى عشر ساعات في بلاد أخرى.
ومن مظاهر غياب الحضارة لدى العرب ان المال بالنسبة اليهم اهم شيء في الحياة وهو غاية، ومن اجل الحصول عليه يسلكون جميع الطرق وحتى الملتوية وحين يحصلون على المال لا يضعونه في موضعه الصحيح وحتى ينتفع به أكبر عدد من الناس ويتحول إلى مشاريع نهضوية ومؤسسات عامة، وإلى حياة كريمة للمجتمع الانساني.
نحن ليسنا بحضاريين لكوننا اهلمنا التعليم وضعينا التربية من ايدينا فصرنا نقرأ للاختبار لا من اجل المعرفة وبذلك تحولنا الى كأية وسيلة للنقل من الكتب الى ورقة الاختبار والنتيجة واقعنا الذي نحن عليه الآن انهيار للوضع التعليمي والصحي، تدني مستويات الوعي وسيطرة الخرافات والجهل على اغلب ابناء المجتمع، محاربة اصحاب الفكر وابعادهم عن القيادة والادارة واحلال فاسدي العقول والضمائر محلهم.
كما اهتم العرب بالمظاهر الرنانة واهملوا جوهر الانسان، فالعربي يواصل ليله بنهاره من اجل شراء سيارة فخمة ومنزل فخم ووسائل راحة متطورة لكنه لا يعطي للتعلم اهمية ولم يخصص لها جزء من دخله لشراء الكتب مثلاً او اي شيء من شأنه ان يطور الذات.
والعرب لاي تقبلون النقد الذي يوجه اليهم ويرفضونه رفضاً قاطعاً رغم كونهم غير منتجين للأفكار ويبرعون في التقليد فقط وليتهم يقلدون الجيد، كما تدهور الاخلاق واحلالها خير دليل على تدني وغياب الحضارة، ثم ان الصراعات العشائرية والدينية والتناحر المذهبي دلائل واضحة على ان العرب ليسوا اصحاب حضارة في الوقت الراهن، كل هذا الادران تعلق بأطرافنا ولا زالنا ندعي اننا اصحاب حضارة بل ونهزئ بالمجتمعات الاخرى وننتقص منها ومن سلوكياتها.
اضف تعليق