هل يستطيع الخبراء حقًا توقع سمات شخصيتك بمجرد النظر إلى حساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي؟ الغريب، الجواب نعم. على الرغم من أن الأمر كله يبدو عشوائيًا، إلا أن ما يعجبك وما تنشره يقول عنك أكثر مما تعتقد. فالمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي ليست مجرد تعبير عن اهتماماتك الشخصية...
ثرثرة الكلام بألوان البديع السجع لا ينفع الناس إلا إذا اقترن بالعلم، فلا جمال في جرس موسيقى اللغة، والقوافي والأجناس والتورية والإطناب والفاصلات والفقرات، إلا إذا كان المحتوى مليئاً بعطر المنهج العلمي، وخوارزميات التجارب والبحوث، والا تحولت الرسالة الإعلامية إلى خزعبلات وصنعة لفظية متكلفة، ومفسدة فكرية.
الرسالة الإعلامية محتوى علمي، قبل أن تكون ثرثرة لفظية، ودغدغة للغرائز واستمالات عاطفية، وهي تعكس شخصية المؤسسة أو صانع الرسالة بالمفهوم العلمي، وهي انعكاس للمعارف والمدركات الفكرية والاستجابات التوافقية والاتجاهات والميول التي تتكون بفعل المكونات البيولوجية أو العقلية المعرفية أو الانفعالية أو الاجتماعية. لذلك يمكن دراسة الشخصية، ومعرفة أسرارها من خلال جوانب متعددة، وأبرزها في الوقت الحاضر من خلال التواصل الاجتماعي.
كَثر الحديث اليوم عن الاستخدام الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي؛ حديث الناس في المُطلقات العامة للأفكار والاجتهادات، وهذيان عن شر هذه الوسائل وخيرها، وتخوف من أعاصيرها، وهناك جبهة العلم تصارع الأفكار بالمنهج للوصول إلى حقيقة ما يجري داخل هذه الأقبية المفتوحة؛ أسرار كثيرة مليئة بمفاجآت الصور والوقائع والأحداث، وأشخاص يتجولون وهم مندهشون لما يحدث؛ أشخاص مرضى بهوس الاتصال وإسراره، وثرثارات مصابة بالتلوث العقلي، وشخصيات نرجسية مريضة تنشر مرض داء العظمة وهناك القلة من يستثمرها للخير والفكر.
ومثلما العلم يبحث دائماً في “زواغير” الحياة، فقد وجد رجال النفس والاجتماع زاغوراُ جديداً لدراسة الشخصية الإنسانية من خلال ما يكتبه الناس في مواقع التواصل الاجتماعي، وتحليلها لاكتشاف سماتها وطريقة سلوكها وتفكيرها. لذلك كان السؤال المطروح دائماً: هل يستطيع الخبراء حقًا توقع سمات شخصيتك بمجرد النظر إلى حساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي؟
الغريب، الجواب نعم. على الرغم من أن الأمر كله يبدو عشوائيًا، إلا أن ما يعجبك وما تنشره يقول عنك أكثر مما تعتقد. فالمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي ليست مجرد تعبير عن اهتماماتك الشخصية أو عن نفسك المثالية؛ إنها نافذة على شخصيتك.
ما أظهرته الدراسات الحديثة هو أن نشاطنا على وسائل التواصل الاجتماعي هو مؤشر موثوق إلى حد ما لشخصياتنا الحقيقية، وفقًا لنموذج الشخصية الخمسة الكبار حيث يستخدم لتصنيف الأشخاص بناءً على خمسة أبعاد مميزة للشخصية، وفقاً لنظرية السمات، وهي: الانبساط: الشعور بالحيوية من خلال التفاعل مع الآخرين، والقبول حيث الدفء والتعاون والرغبة في التوافق مع الآخرين، والضمير حيث تكون عمليًا ومنظمًا ومجتهدًا، والانفتاح بهدف الإبداع والفكر والانفتاح على التجارب الجديدة، وأخيراً العصابية، التي تشير إلى مستويات أو ميل المرء نحو القلق والتهيج وتقلب المزاج والحزن وعدم الاستقرار العاطفي.
وقد اكتشف الباحثون أن كل سمة من سمات الشخصية الخمس الكبرى لها تأثير ملحوظ على كيفية استخدام الناس لوسائل التواصل الاجتماعي والتفاعل معها. كما وجدوا إن الطريقة التي تصنع بها المنشورات وتحديثات الحالة والكلمات المستخدمة قد توفر أيضًا رؤى موثوقة حول الشخصية، وتحديداً في مجالات الانفتاح. فالكلمات التي نستخدمها على الإنترنت تمثل عالمنا الشخصي ووجهة نظرنا وحتى شخصياتنا الفطرية.
فيما يتعلق بالانفتاح، يميل أولئك الذين يسجلون درجات عالية للانفتاح إلى التحدث أو الإشارة إلى الأحلام والكون والثقافة والفنون، في حين تميل المنشورات والتحديثات الخاصة بأقرانهم المنخفضين للانفتاح إلى التقلصات والأخطاء الإملائية والانقباضات والاختصارات.
في مجال دراسي رائع، استخدم الباحثون برامج برمجية متخصصة لتحليل اللغة التي يستخدمها الأشخاص في منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. ففي إحدى هذه الدراسات، استخدم الباحثون خوارزمية حاسوبية لتحديد الكلمات التي ترتبط ارتباطًا فريدًا بسمات الشخصية المختلفة. تضمنت الكلمات التي تنبأت بمستويات عالية من الانبساط تعكس النشاط الاجتماعي أو العلاقات. من ناحية أخرى، كان الأشخاص ذوو المستويات المنخفضة من الانبساط هم أكثر عرضة لاستخدام كلمات “أنا” و“لا أفعل”، مما يعكس تركيزًا أكبر على الذات.
وهناك نظريتين متنافستين لوصف العلاقة بين السلوك خارج الإنترنت والسلوك عبر الإنترنت. تجادل نظرية “الثراء” بأن الأفراد الذين لديهم شخصيات متكيفة اجتماعيًا سيجنون فوائد اجتماعية أكبر من استخدام الإنترنت، وسيستخدمون الإنترنت للتواصل الاجتماعي أكثر من الأفراد الأقل مهارة اجتماعيًا. بينما ترى نظرية “التعويض الاجتماعي” بأن الأفراد الذين يكافحون من أجل إقامة روابط اجتماعية في تفاعلات وجهًا لوجه سيستخدمون الإنترنت كمكان لتحسين حياتهم الشخصية من خلال إقامة علاقات اجتماعية عبر الإنترنت.
وجدت دراسة أجراها باحثو جامعة ولاية أوهايو أن الرجال الذين قاموا بتحميل المزيد من الصور الشخصية المعدلة لديهم ميول أكثر نرجسية ومضطربة نفسيا. وليس من الضروري أن يكون من يقوم بتحميل العديد من صور السيلفي نرجسيًا أو مريضاً نفسيًا، ولكن سمات شخصيتهم تميل أكثر نحو السلوك المعادي للمجتمع.
وبالمثل، فإن مشاركات التفاخر هي علامة أخرى على النرجسية. حيث يتم نشر مواضيع مثل الإنجازات الشخصية والبطولات العاطفية وما إلى ذلك بشكل أكبر بواسطة الأشخاص الذين لديهم ميول نرجسية أعلى. هناك استثناءات بالطبع، ولكن بشكل عام قد يكون سلوك البحث عن الاهتمام هذا علامة على النرجسية.
وعلى الرغم من أن هذه الدراسات قد لا تعكس عادات الجميع على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها توفر نظرة ثاقبة لسمات شخصية الأشخاص، ومع ذلك يجب الحذر من تعميم الأفكار بشكل مطلق، فالحكم على الآخرين ينبغي أن يستند إلى حقيقة مهمة وهي أن رصدنا للواقع يتم بأدوات الواقع الافتراضي الذي يكون في كثير من الأحيان مجرد إسقاطات عقلية افتراضية.
هناك غزو للشخصيات المتنافرة المريضة بالسلوك والأفكار؛ شخصيات تعاني من الانفصام. شخصيات في شخصية واحدة، بعضها مغايرة تماماً عن الشخصية الحقيقية. إنسان لا يعرف من هو بالضبط، في أي شخصية هو اليوم؛ ضياع في الزمن، وتشتت في الأفكار والرؤى، وضبابية في المستقبل.
والحل، يقول “ديل كارنجي” أحد كتاب التنمية البشرية: أوقف أي شخصيّة افتراضية لديك وكن أنت. ابحث عن نفسك جيداً ستجد أشياء جميلة بالتأكيد. نظف عالمك الرقمي. لا انفصام بعد الآن. أهلاً ومرحباً بالمستقبل.
اضف تعليق