تتقلب الاحوال بمرور الاعوام وتعاقب السنين، ومع هذه التحولات تتغير عادات وتقاليد اعتدنا عليها لكنها لم تصمد بوجه الحداثة والتجديد وهكذا الحال حتى انطوت الذكريات القديمة بالنكهة الجميلة، فحدث بين عيد الامس وعيد اليوم فجوة كبيرة بحجم الفارق الزمني الفاصل بين الحقبتين...
تتقلب الاحوال بمرور الاعوام وتعاقب السنين، ومع هذه التحولات تتغير عادات وتقاليد اعتدنا عليها لكنها لم تصمد بوجه الحداثة والتجديد وهكذا الحال حتى انطوت الذكريات القديمة بالنكهة الجميلة، فحدث بين عيد الامس وعيد اليوم فجوة كبيرة بحجم الفارق الزمني الفاصل بين الحقبتين.
لا ادري لماذا اصبح العيد منزوع الفرحة والاهمية كالسابق، وهل للتطور الالكتروني اثر في تغير العادات الاجتماعية وتبديلها او تبددها، وهل يعني اننا الآن على خطأ ام اننا فقط نجاري واقعنا الذي فرض علينا، وهل ستستمر العادات المتعلقة بالعيد بالانحسار الى الحد الذي يجعل من العيد كأي يوم من ايام السنة؟
انا شخصيا اتحدث عن الحقبة التي عشت فيها ايام طفولتي، اذ كان الناس ينتظرون العيد ويعدون له العدة فكانت العوائل رغم الوضع الاقتصادي السيء تشتري مستلزمات (الكليجة) التي تعتبر احدى اهم معالم قدوم العيد وبدونها يكون العيد منقوصاً، وحين يقدم الضيف قريباً كان ام غريباً تقدم له مع الشاي، اما اليوم فقد غابت الكليجة من اغلب البيوت العراقية حل محلها معجنات من الاسواق لنفقد بذلك ثيمة اصيلة ودلالة رمزية للعيد سيما في العراق.
ومن بين التحضيرات للعيد في السابق كان الناس يشترون ملابس للعيد بما يتمكنون بل بحسب القدرة، فليس المهم نوع الملابس بقدر ما يكون ارتداء شيء جديد في العيد مهم وضروري، وكان الرجال يذهبون للحلاق وبعدها يذهب البعض الى (حمام السوق) للاستحمام وكأن الجميع يحضرون الى مناسبة فرح، اما اليوم فلم يعد للعيد تحضيرات كما الامس ولم نشتري ملابس للعيد كما كنا في السابق، فرغم كثرة الملابس الآن ووفرتها الا ان لملابس العيد روحية مختلفة.
ومع اول ايام العيد تتجمع العائلة في بيت الجد او العم الاكبر وزيارة الجيران لتبادل التهاني سيما اذا كان فيهم من السادة، ومن ثم يزورنا بعض الاقارب وكهذا يتم اليوم الاول وربما الثاني، اما اليوم فقد اصبح المعايدة تتم عبر التلفون او عبر احدى وسائل التواصل الاجتماعي التي تتصف بالنمطية وغياب صدق المشاعر والروتين، فرغم سهولتها وسرعتها وقلة الجهد فيها غير انها تتسم بالبرودة ويغطيها طابع الملل وربما هذه المعايدة الباردة افضل عدم مصادفة الجيران والاقارب وعدم معايدته بالمرة.
ومن جماليات عيد الماضي توزيع الهدايا (العيديات)، فعلى الرغم من عدم توفر المكنة المادية ما يحتم على الكبار اعطاء عيديات رمزية لكنها تبقى واحدة من اجمل لحظات العيد التي تمنح الانسان وراحة نفسية بهجة طيلة ايام العيد، وبالتالي يقوم الاطفال بتجميع هذه المبالغ البسيطة ليشتروا بها العاب او ملابس او غيرها من الاحتياجات، اما اليوم فقد غابت او ربما انحسرت هذه الجزئية الجميلة لكون ان التواصل بين الناس انحسر هو الاخر واصبح التواصل الكترونياً للمجاملة او اسقاط فرض فقط للأسف، ويمكننا القول ان نفوس الناس تغيرت نحو الاسوء فأصبحنا لا نفضل هذه التجمعات التي يسودها النفاق والغيبة والتباهي الفارغ بين الحضور.
وانا اتذكر في تلك القرية الفقيرة جداً كنا نتجمع لنعلب كرة القدم وبملعب بسيط جدا من التراب وبعدها نذهب للسباحة في النهر القريب اذا كان العيد في الصيف وفي تلك الساعات نعيش متعة ما بعدها متعة، اما اليوم بسبب الكثير من الاسباب غابت تلك التجمعات واصبح الاصدقاء يفضلون الذهاب الى المولات والمطاعم وغيرها من الاماكن التي ليس فيها روح الامس وحلاوته وبسطاته.
وانا اختتم مقارنتي بين العيد في الماضي والعيد في وقتنا الحاضر اوجه دعوتي بضرورة ان تبقى بعض التقاليد قائمة وان اخذت الحياة وتعقيداتها وسرعتها مأخذها الا ان مواصلة الاقارب ومعايدتهم يجب ان تكون اولوية وقيمة ثابتة يغيبها زمن ولم تموحها صعوبات.
اضف تعليق