سياسة الجشع والطمع والجمع ومجرد الربح والاستحواذ بالأسلوب الميكيافيلي "الغاية تبرر الوسيلة" وبلهفة لا تجدي نفعا ما لم تكن هنالك قيم وضمائر تردع الناس من فعل الشرور وتحثهم على فعل الخيرات والتراحم فيما بينهم، وننتهي الى مجتمع سعيد يحتكم الى القيم الدينية الصحيحة والمبادئ الأخلاقية التي دعا اليها السلام...
في مقالي هذا لا ادعوا الى الرجوع نحو الماضي بما يحمل من إيجابيات وسلبيات والتخلي عن التقدم التكنولوجي الحاصل في المجالات الحياتية، لكن أحاول قدر الإمكان الاهتداء الى أسباب التعاسة التي يعيشها الافراد وعدم الشعور بالسعادة رغم توفر كل ما يحتاجه من مستلزمات الحياة العصرية.
وفي هذا السياق هنالك أسئلة عالقة ليس في ذهني فقط، بكل ربما في اذهان الكثير ممن لا يجدون تفسيرات لما يدور في عصرنا الحالي، ويأتي في المرتبة الأولى بالأهمية، هو لماذا تتضاءل السعادة في الوقت الذي تذهب فيه الحياة البشرية باتجاه اكتشاف المزيد من أساليب الراحة التي توفر على الفرد الجهد والمال والوقت؟
كان البشر في السابق وتحديدا في المناطق الريفية يستضلون بأوراق بعض النباتات لوقايتهم من حر الصيف اللاهب، وبرد الشتاء القارص، لكنهم وعلى مدار الوقت متعايشين مع الضحكة والطرافة، ولا يوجد أي عائق يعكر صفو اجوائهم، حتى إذا نظرت إليهم تشعر وكأنهم يملكون كنوز الدنيا بأجمعها!
ولا يختلف الامر بالنسبة للمناطق الأكثر تحضرا ذات الطابع المدني، وعلى الرغم من ان مستلزمات الحياة تختلف جذريا عن الصنف الأول من المناطق، (الريفية)، فهي تعيش بنفس الانفاس وتشترك مع الأماكن الأخرى بعامل البساطة في العيش وعدم التكلف والانجرار وراء الحياة المادية الخالية من الروح.
ولم يهتدي أحد لغاية الآن الى السبب الحقيقي الذي تسبب بكل ذلك، فهل يعقل ان التقدم التكنولوجي لم يتمكن من ردم الفجوة الحاصلة بين كمية المكتسبات العصرية والمفقودات المعنوية من الأشخاص؟، فلا توجد لحين الوقت معادلة نسبية بين الجانبين، وهذا ما تحاول الوصول اليه الدراسات الحديثة الجارية في هذا المجال.
من الأشياء الغريبة التي تحدث على المعمورة، عقد الاجتماعات والمؤتمرات الدولية الهادفة الى تحسين أوضاع الناس واشعارهم بالسعادة، حتى وصل الامر ببعض الدول تخصيص وزارة لهذا الغرض، والخروج بلائحة توصيات تركز اغلبها على توفير عنصر السعادة المفقود لكن لا جدوى من كل ذلك، ولا توجد مصداقية وفاعلية حقيقة للالتزام بالنقاط المطروحة.
ولكي يكون الانصاف حاضرا فان الامر لا يتعلق بالشعوب المضطهدة سياسيا وامنيا، فقد يروي لنا الكثير من الأصدقاء ممن اختار العيش في بلاد المهجر، يروي وجود الكثير من حالات الانتحار بين صفوف الافراد المتمكنين من توفير مستلزمات حياتهم، وينعمون بمنزل متكامل وصحة جيدة، وسيارة فارهة وغيرها من الضروريات، لكنهم يفتقدون الى الأمان والراحة النفسية.
قد من أسباب عدم الشعور بالسعادة في وقتنا الحالي هو الانغماس بالحياة المادية، وتحول الانسان الى آلة منتجة فاقدة للأنسنة، وجميع التعاملات الحاصلة بين افراد المجتمع قائمة على مبدأ الربح والخسارة، والتعامل المادي البحت، الى جانب ذلك ظهور مفاسد الحياة الحديثة وأمراض العصر، ومنها الأمراض النفسية من كآبة وقلق وخواء روحي، والأمراض الجسدية كالسرطانات الخبيثة والفيروسات المباغتة التي اهلكت الانسان ودمرت حياته بالكامل.
فسياسة الجشع والطمع والجمع ومجرد الربح والاستحواذ بالأسلوب الميكيافيلي "الغاية تبرر الوسيلة" وبلهفة لا تجدي نفعا ما لم تكن هنالك قيم وضمائر تردع الناس من فعل الشرور وتحثهم على فعل الخيرات والتراحم فيما بينهم، وننتهي الى مجتمع سعيد يحتكم الى القيم الدينية الصحيحة والمبادئ الأخلاقية التي دعا اليها السلام.
ويصح ان نذكر بهذا الخصوص بروز مشكلة الامراض الأخلاقية، فالمجتمع اليوم يقف عاجزا امام تفشي الكثير من الظواهر كفنون التحايل على الآخرين والغش والخداع المزمن وعدم الثقة في التعاملات التجارية وغيرها، وكثيرا ما يعزى ذلك الى تغير الزمن، وهذا بحد ذاته اتهام غير منصف، فالعيب يمكن بنا نحن الافراد ولا تغير يذكر بالزمن.
سرعة الإيقاع الذي سارت عليه الحياة العصرية لم تتمكن من تحقيق السعادة الكاملة للأفراد، وهذا الكلام ليس هذا تحاملا أو تطاولا منا على الحضارة العلمية، والحق يقال، ففي عصرنا الحالي الكثير من الاكتشافات التي وقفت الى جانب الانسان وجمّلت حياته ونقلتها الى مرحلة أكثر تماشيا مع الحضارة الإنسانية، والخلل الوحيد الذي لا زلنا نعاني منه هو عدم الشعور بالسعادة!
اضف تعليق