q
ضجت وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي قبل يومين بفيديو مروع لأب وهو يمارس ساديته ويُفرغ غضبه في أبنه الصغير الذي كان جسمه النحيل يتلوى تحت تأثير الضرب وصوته البريء يرجو ابيه كي يخفف عنه العذاب ويعده بأنه سيحسن من علاماته المدرسية كي يخفف العذاب والضرب عنه...

ضجت وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي قبل يومين بفيديو مروع لأب وهو يمارس ساديته ويُفرغ غضبه في أبنه الصغير الذي كان جسمه النحيل يتلوى تحت تأثير الضرب وصوته البريء يرجو ابيه كي يخفف عنه العذاب ويعده بأنه سيحسن من علاماته المدرسية كي يخفف العذاب والضرب عنه.

وقد بلغ العنف الممارس على الولد الصغير حداً دفع منصة التواصل تويتر تغلق حسابي لنشري ذلك الفيديو الذي أعتبرته ترويجاً للعنف ولم تتفهم اني كنت أحاول التحريض لايقاف مثل هذه الممارسات من خلال جهد منظّم تشترك فيه كل مؤسسات الدولة والمجتمع المعنية بتربية الطفل. وللأسف لم يكن هذا الفيديو هو الأول ولن يكون الأخير في سلسلة الجرائم التي ترتكب ضد الطفولة والابناء.

لقد بات العنف ضد الاطفال في العراق سواء من قبل آبائهم أو أمهاتهم أو الكبار الآخرين في المجتمع ظاهرة منتشرة يساعد عليها ثقافة التبرير لهذه الممارسة بحجة التأديب والتربية، أو ظروف الآباء والأمهات التي تدفعهم لضرب أبنائهم بهذه الوحشية الحيوانية!

في تقريرها المثير والمستند الى مسح شامل أجراه الجهاز المركزي للاحصاء في العراق عام 2018 أفادت منظمة اليونسيف بأن 88% من أطفال العراق تحت سن 15 سنة قد تعرضوا لتجربة العقاب الجسدي أو النفسي من آبائهم!! وأن 31% من هؤلاء قد تعرضوا لعنف جسدي شديد، حيث تزداد النسبة قليلاً بين الذكور مقارنة بالاطفال الأناث. وتزداد نسبة المعنفين جسدياً في فئة 5-9 سنوات مقارنة بباقي الفئات العمرية.

عقاب جسدي

والغريب، بل والمقزز، أن واحد من كل 5 أطفال عراقيين بين سن السنة والسنتين، وواحد من كل ثلاث اطفال بين 3-4 سنوات قد تعرض لعقاب جسدي عنيف!! ولا أعلم أي شيء يمكن ان يبرر ضرب او تعنيف طفل عمره سنة او سنتين! في نفس الوقت فأن حوالي 80% من أطفال العراق تحت سن 15 سنة قد تعرضوا لاحد أنواع العقاب النفسي والذي لا يقل بل أحياناً يزيد في أثره السلبي عن العقاب الجسدي!!

قد يعتقد البعض ان الظرف الاقتصادي أو الاجتماعي هو الذي يدفع الآباء الى هذا السلوك الإجرامي مع أبنائهم. هنا تشير ذات الدراسة أن 75% من العوائل التي تصنف أنها غنية تمارس العنف ضد أبنائها! كما أنه في الوقت الذي تمارس فيه 83% من العوائل الريفية هذا السلوك الا ان 80% من العوائل الحضرية تمارس ايضاً ذات السلوك!

والواضح بالنسبة لي أن سلوك العنف ضد الاطفال هذا، وأن كان يرتبط جزئياً بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية الا انه بات ظاهرة شائعة ومنتشرة ومبررة بالثقافة المحلية التي لا تنظر لهذا السلوك بأنه محرم أو أجرامي، بل وتبرره بإعتبار أن معظمنا مارسه أو مورس عليه دون أن يحصل لنا شيء. وفي الوقت الذي أؤيد فيه أن معظمنا (بما فيهم كاتب هذه السطور) قد مارس أو مورس العنف ضده في الطفولة، فأن من الصحيح القول أن من يبرر هذا الفعل الاجرامي بكون انه لم يحصل لنا شيء نتيجته هو مخطىء تماماً بدليل معدلات العنف المرتفعة في المجتمع وطبيعة الشخصية العراقية التي تعاني من كثير من المشاكل.

عينة ممثلة

للتدليل على مدى انتشار الاسباب التبريرية لهذا الاستقواء على الابناء فقد جرى سؤال عينة ممثلة لكل العراقيين بمختلف المحافظات والمناطق والشرائح الاجتماعية، وعبر منهجية مسح القيم العالمي التي شرحتها سابقاً عما أذا كانوا يعتقدون أن ضرب أبنائهم مبرر في ظرف معين، أو دائماً مبرر أو غير مبرر أطلاقاً.

أوضحت النتائج ان من يرفضون هذا الفعل أطلاقاً كانوا 41% تقريباً عام 2014 وقفزوا الى 46% تقريباً عام 2019 وهي زيادة بسيطة لكنها ايجابية في نسبة الرافضين. لكن المشكلة كانت في نسبة المبررين للضرب دائماً أو احياناً فقد قفزت من 30% الى 33% خلال نفس المدة. بمعنى أن ثلث العراقيين يبررون علناً ودون مواربة ضرب الاطفال.

وإذا عدنا لذات الموضوع الذي نبهت له في أكثر من مكان بأن هذا السؤال هو من أسئلة المرغوبية الاجتماعية التي يخجل البعض من الاجابة عنها بصراحة أو يحاول إظهار نفسه بغير طبيعتها، فأننا حينذاك ندرك أن العدد الفعلي لمن يبررون ضرب الاطفال في العراق هو أكبر من هذا الرقم حتماً.

أخيراً، أعلم ان الغالبية ستقول ان بعض الضرب او التعنيف ضروري لـ(تربية)الاولاد، لكن السؤال ماهو معيار ومقدار هذا الضرب والتعنيف؟ وهل قوتنا وسلطتنا الابوية تبرر الاستقواء على أولادنا بحجة التربية؟ أعلم انها أسئلة تثير الكثير من النقاش والآراء وهذا بالضبط ما اقصده من هذه السلسلة التي اتناول فيها التغيرات القيمية الحاصلة في المجتمع العراقي.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق