تمكن البراعة في قدرتنا على التفريق بين الفخر الممزوج بالعجرفة والتغطرس الذي يؤدي الى العدوانية وتدني الثقة بالنفس او الخلل في تقدير الذات وعدم الانصهار في المجتمع على اعتبار صاحب الفخر يرى نفسه اعلى من الناس، وبين الفخر الموضوعي الصادق الذي ينتج عن تحقيق اهداف حياتية مهمة...
من المنطقي ان يفخر الانسان بما يفضله عمن سواه كالعقل والذكاء والجمال والانجاز العلمي كالحصول على براءة اختراع او تصدر اقرانه في فصل دراسي معين والى غير ذلك، كما ينزع للابتعاد عن كل ما يشعره بالخزي من العيوب وان لم يلام عليها، فالخفر والخزي سمتان متضادتان يصنعهما المجتمع ويسوقهما للتنفيذ في الواقع.
الفطرة الانسانية فرضت الفخر كأحد صفات الفرد الاساسية يستدعيها عندما يبرع في أي موهبة او ابداع لا يأتي به انسان اخر، فالطفل يشعر بالفخر حين يجيب على سؤال او حين يجيد ما يطلب منه من عمل مدرسي او منزلي في فيعجب به والداه او معلميه او حينما يجد التمجيد من الآخرين.
مع شعورنا بالفخر تتداخل المتعة التي يمر بها المرء حسب ما تمليه عليه فطرته،
فالحالة المزاجية الجيّدة للفرد تمنحه متعة في حدِّ ذاتها وبالتالي تعطيه طاقة تدفعه باتجاه المزيد من الراحة النفسية كنتيجة لنتاج قد حصل.
الوعي الذي يملكه الانسان هو الذي يغير الحالة المزاجية او المعنوية له، على سبيل المثال لا الحصر يفتخر احدنا بأنه ذو عقلية منيرة وذات علمية، ومن يقدر ذلك في امتلاكه العلمية هم الناس الذين افصحوا له عن ذلك فشعر بالنشوة وبنى على ذلك قناعته بأنه كذلك فعلاً، فحصل لديه تداخل بين البهجة والفخر، فهل كل ما يتسبب في بهجتنا يجب ان يكون موضعاً للفخر؟
قد يفرحنا تمجيد لاسم عائلة او عشيرة من خلال ذكر فضائلها او شجاعتها او كرمها، لكننا نعيش في جلابيب السابقين دون ان نبذل أية جهود في صناعة حاضر ومستقبل يستدعي الفخر الدائم سيما مع جزمنا ان النجاح يولد نجاح وبالتالي يكون الفخر بمثابة الوقود الذي يسير عربة تطورنا ورقينا.
لنا الفخر كل الفخر بأن نفتخر بأننا ابناء حضارة عريقة واصحاب تاريخ يفوح شذاه على اعتبارنا اول من اخترع الالة واول من اكتشف الكتابة وطورها حتى صارت لغة الشعوب ووسيلة تواصلهم عبر التاريخ، ولنا الحق كله بأن نفتخر بما صنعه الاجداد الاقدمون لكن هل هذا الفخر كافي للوقوف مكتوفي الايدي من دون الايتان بجديد؟
ليس فخرنا بصنيع الماضون دون ان نصنع لأنفسنا والاجيال التي تلينا ارث فكري وعلمي وقيمي واخلاقي يعد فخراً اجوف لا داعي له؟، باعتبارنا لسنا مساهمين في ذلك المنجز بل اننا في كل يوم ندثره ونحط من قيمته، فالتاريخ الحسن والتميز والابداع من نعم الله على الانسان وحفظ النعمة في العمل على ديمومتها لا الاختباء خلفها ما يعكس حجم التقاعس الكبير في تزويقها وتلميعها بعد ان فقدت ذلك البريق بفعل الزمن.
الفخر صفة تلازم الانسان عبر الازمنة ولكل الشعوب باختلاف ثقافاتهم، لكن كل الحذر من يتحول هذا الفخر الى مصدراً الغطرسة والتكبر، فالشعور المبالغ فيه اسقط الكثير من الرياضين والفنانين والشعراء من عليائهم وافقدهم سمعتهم التي قضوا سنين طوال في صناعتها بعد ان اصابهم الكبر، وحين واعتقدوا انهم وصلوا الى مرحلة الكمال فأبتلعهم الغرور واضاعوا مجدهم بجهل وسذاجة.
في هذا الاطار اجاب الشاعر الايطالي (دانتي) حين سأل عن سبب ميله الى اخفاء الفخر بما يقدم من نتاجات فكرية رائعة في وقته واعتباره شيء طبيعي بقوله: "ان الفخر من الخطايا السبع المميتة"، يقصد المميتة القاتلة لروح التجديد والبحث عن المختلف مع كونه كان من برز شعراء عصره، لذا يجب ان يكون التقييم للمنجز موضوعياً بدل رؤية في اعين غير المتخصصين وبذلك يؤديان (الفخر والتكبر) إلى أن الفشل وانحطاط المستوى وظهوره في اسوء حالاته.
تمكن البراعة في قدرتنا على التفريق بين الفخر الممزوج بالعجرفة والتغطرس الذي يؤدي الى العدوانية وتدني الثقة بالنفس او الخلل في تقدير الذات وعدم الانصهار في المجتمع على اعتبار صاحب الفخر يرى نفسه اعلى من الناس، وبين الفخر الموضوعي الصادق الذي ينتج عن تحقيق اهداف حياتية مهمة او حينما يشعر بالاحترام والتقدير والتقبل من جانب محيطه الاجتماعي.
لكن المؤسف ان الكثير من الناس يفكرون في الجانب السيئ للفخر الذي يوصل الانسان الى العجب والاستعلاء فمن يشعرون بالفخر الحقيقي لا ينفرون من المجتمع بل يتفاعلون معه على نحوٍ رائع وجذاب، ولديهم سمات شخصية مثالية بالمقارنة بغيرهم من الفارغين.
الخلاصة ان ما يجدر ان نفتخر به علمنا وعطاءنا في خدمة انفسنا وخدمة انسانيتا ومجتمعاتنا عبر نجاحاتنا في مجلات عملنا المختلفة، والفخر في ما تركه الاسلاف يعد ضعف وهروب من الواقع.
اضف تعليق