لماذا نجهد أنفسنا في البحث عن جماعة نشعر بالانتماء لها؟، ماذا لو اننا لا ننتمي هل سيؤثر هذا على بناء أنفسنا؟، هل باستطاعة أحدنا ان يعيش منفرداً ومؤدياً لجميع الأدوار التي يحتاجها لإتمام حاجاته؟، وهل تكونت المجتمعات البشرية على هذه الشاكلة بمحض الصدفة ام وراءها هذا التكوين دوافع؟...
لماذا نجهد أنفسنا في البحث عن جماعة نشعر بالانتماء لها؟، ماذا لو اننا لا ننتمي هل سيؤثر هذا على بناء أنفسنا؟، هل باستطاعة أحدنا ان يعيش منفرداً ومؤدياً لجميع الأدوار التي يحتاجها لإتمام حاجاته؟، وهل تكونت المجتمعات البشرية على هذه الشاكلة بمحض الصدفة ام وراءها هذا التكوين دوافع؟، اليس الكل يحتاج الى الكل هي واحدة من مسلمات الحياة البشرية؟
الانتماء هو مطلب لا شعوري للإنسان يشعر من خلاله بتقدير الذات في مجتمعه، وتعتبر الحاجة الى الانتماء احدى اهم الحاجات الاساسية التي يبني عليها الانسان حياته وفق تصنيف (ابراهام ماسلو) لحاجات الانسان، فالتكوين الانساني يبقى قاصراً عن النمو الطبيعي خارج أطار لجماعة، وبدون الانتماء يعيش الفرد حالة من الاغتراب وبالتالي يضعف مستوى انجازه في كل تفصيلاته.
يقول علم النفس ان حاجة الفرد الى الانتماء ضرورة لربط الانسان بجذور تحكم سير تفاعلاته ووفقا لـ(لإريك فروم) فالانتماء علاقة إيجابية ضرورية فيها معنى للحياة التي تحقق منفعةً مجدية للإنسان، فيصبح الإنسان راقياً إلى حد العطاء بلا حدود، ويتصف بالإيثار والتضحية،
وبهذا تطغى الصورة الجماعية على الصورة الفردية وبالتالي يتصدى الجميع لأي عارض يحصل للجماعة.
تتنوع الانتماءات بحسب الحاجة اليها فقد يتكون على اساس المواطنة او الديانة او العرق او الجنس او اللغة او التحصيل الأكاديمي او جماعة العمل، وجميع هذه الانتماءات تصقل شخصية الانسان وتقومها وتجعل منه متمكناً من انجاز الواجبات والحقوق التي يفرضها عليه انتماءه للجماعة.
تختلف دواعي الانتماء واساليبه وحتى اشكاله لكنه في الخلاصة هو مجموعة سلوكيات متسلسلة تعني بالضرورة ان الانتماء يوفر للإنسان قيمة اخلاقية توجه سلوك الإنسان وتضبط انفعالاته وتضمن له درجة جيدة من التوازن بين حقوقه وواجباته، والتواجد في جماعة معينة دون الاستشعار بدوره فيها وعدم وجود مشتركات مع افرادها يكون تواجداً غير ذي معنى ولا يمكن القول بانه انتماء لها.
من خصائص الانتماء انه شعورا ثابتاً أي انه يحدث بصورة مباشرة وحرة بمعنى للمنتمي حرية تحديد الجماعة التي يرى في الانتماء له تحقيق لذاته وبذلك هو غير قابل لتزعزع مما يجعل الانتماء واعياً ودقيقاً، فالإنسان يبذل جهده في بناء مجتمعه عندما ينتمي إليه انتماءاً نابعاً من القلب والوجدان، فيحرص على الحفاظ عليه ويحد من تفشي الظواهر السلبية لكونه حريص على اظهار مجتمعه بالصورة الانيقة.
الرغبة الى الانتماء تختلف بين فترة واخرى فهناك أوقات يرغب فيها الفرد أن يكون مع الآخرين وأوقات أخرى يرغب فيها أن يكون بمفرده، والمقياس الذي يمكن اعتماده هو درجة الخطر الذي يتعرض لها ، ففي دراسة اجروها كل من (شون أو كونور ولورن روسينبلاد) حيث عرضت مجموعة من الطلبة لأصوات صافرات انذار، ثم طلب من الطلبة تبيان موقفهم بعد سماع الصفارة هل يفضلون البقاء مع الجماعة او الانفراد في هذه اللحظة بالذات، عكست اجابتهم على سؤال الدراسة ان الازمات او الظروف الطارئة تجعل الفرد اكثر حاجة للجماعة وهذه الحاجة تتزايد وتتناقص تبعاً للظروف والتغيرات.
المبررات لحاجتنا للانتماء متأتية من كونه الخطوة الاولى في سبيل تماسك الاسرة وبالتالي تماسك المجموعة ومن ثم تماسك المجتمع بأجمعه، فالانتماء في بدايته ينشئ عن حاجة له وشعوراً به ثم يحول هذا الشعور الى سلوكاً وقيمةً تجعل الفرد يعمل من اجل اهداف الجماعة متعدياً حدود الانانية والتمركز حول ذاته.
ومن خلال الانتماء نعي ان ادوارنا في الحياة تعاضد بعضها لتأدية الغرض الجمعي وبذلك وفرنا حماية وضمان لأي عضو في المجموعة، كما ان الانتماء يمثل حاجة تستقر النفس في حالة اشبعاها فيحدث توازن في السلوك على العكس عدم الاشباع يحدث خلل في السلوك الانساني، وهي موازية لباقي الحاجات كالأكل والشرب والملبس والجنس وغيرها لكن لكل حاجة نسبة من الاهمية تختلف عن غيرها من باقي الحاجات.
ومن مبررات حاجتنا الى الانتماء ايضاً هو استثمار الطاقات التي وهبت لنا في الانسان الذي يعيش في وسط بشري فمن الطبيعي ان يسخر مهاراته وعلمه وامكاناته في خدمة جماعته التي يمارس نشاطه فيها، وبذلك يتمكن الفرد من اداء رسالته التي خلق من اجلها عبر قيامه بدور معين يتكامل مع عدة ادوار والنتيجة استمرار الحياة وديمومتها.
ولعل الشخص المثقف او الذي يحمل دراية او خبرات معينة هو اكثر الناس حاجة للانغماس في الجماعة لكونه يمتلك من الصفات ما قد يجعله قائداً وهو يجعل منه القدوة التي يتبنى تصحيح المفاهيم وتوضيح المغالطات لجماعته وتصحيحها بمعنى اخذ زمام القيادة فليس للاتباع ان يسروا من دون قائد.
كما يعطي الانتماء فرصة للفرد لتنمية وبناء الشعور بالمسؤولية وابراز قيمة الفرد وأهميته المعنوية وليس مجرد وجوده الجسدي الذي يعني شيء مادام الحضور النفسي غائب، وتمثل الهوية الاجتماعية التي يبحث عنها جميع الاسوياء ضرورة ملحة ودور في تحسين أداء الفرد النفسي وبالتالي يعزز احترام الذات الاجتماعي كنتيجة لكونه منتمي لجماعته.
وعن طريق الجماعة يمكن تغير السلوك غير الطبيعي على اعتبار ان الجماعة لها قيمها ومعايريها وعاداتها ومحدداتها التي تحتم على من يدخلها اكتسابها، وعن طريق الجماعة ايضاً يتمكن الفرد من اكتساب الميراث الثقافي والديني والاخلاقي الذي يربطه بماضيه، تلك هي المبررات المنطقية التي تدفع الانسان للانتماء الى جماعة تخدمه ويخدمها.
اضف تعليق