إنسانيات - مجتمع

تكرير العقول وشفط البطون

أوطاننا تكبر فيها (الكروش) وتصغر العقول، ما يهمنا كيف تصنع الملوخية والكبسة والبرياني والفتوش والمسخن والباجة والمحاشي العربية بأنواعها، والآخر تشغله السيلكون والذكاء الصناعي والطاقة المتجددة. أنظروا إلى الكروش المترهلة والمنتفخة لقادة العسكر والحروب والأحزاب، وشيوخ القبائل وطراطير السياسة لتكتشفوا كم هي مأساة امة تأكل ولا تقرأ...

الدروس والحكايات والتناقضات في التاريخ والجغرافيا والاقوام والثروات، لا نراها ولا ترانا، وتكشفنا ولا نكتشفها، وتدعونا بعقل ولا نستجيب لها الا بعواطفنا المريضة، كأننا نعيش خارج زمانها وزماننا، ولا نستفيق بضرباتها حتى ولو تورمت رؤوسنا من الضرب، فلا نتعلم من التاريخ الا الموت والاحزان والغيبيات، بينما يقلقنا العقل وتزعجنا حكمته. خبروني بالمنطق ما سر امم تعيش اليوم فقرا وجوعا وتشردا وهي تمتلك معظم ثروات العالم، بينما امم اخرى تتفوق رفاهية وسعادة، وليس لها سوى (ثروة العقل)، لتبني الحياة، وتصدر لنا نفطنا وثرواتنا بطريقة مبتكرة من خلال جوال غالاكسي أو أيفون اللذان يحققا ارباحا تفوق ميزانيات دول تغرق بالنفط والذهب، او بقرة سويسرية تجلب لنا جميع منتوجات الحليب لتملئ كروشنا، وتغلق عقولنا، وتضحك علينا لأنها اذكى منا بالتفكير والتدبر!

اتحدت عن ثروة ابتكرت تقنيات من إنتاج عقول بشرية، لا تحتاج بعضها سوى دولارات قليلة، لكي تصنع لنا حضارة رقمية مبهرة للبشر، يكفي ان نقول غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت يربح في الثانية الواحدة أكثر من 226 دولارا، ويدخل خزينة شركة سامسونج ثلاثة وعشرون مليون دولار خلال ساعة واحدة! وهذا يعني ان عشر بلدان او أكثر مع احتياطيها من الثروات لن تستطيع مجاراة شركة واحدة لتقنية حاسوب، والسر أن هناك عقل انساني بجني الثروات الهائلة داخل أكبر شركات التكنولوجيا في العالم بطريقة ذكية ومبتكرة، هنا أتحدث عن المراكز الخمسة الأولى في قائمة اعلى 500 شركة في العالم وفقا لقيمة العلامة التجارية، فقد حققت هذه الشركات أرباحا سنوية خيالية، شركة أمازون 160 مليار أرباحها السنوية، وشركة آبل 146 مليار دولار، وجوجل 120 مليار، وفيسبوك 61 مليار، ومايكروسوفت 78 مليار، وسامسونج 78 مليار، وهواوي 39 مليار، أضافة إلى ابتكار الأبحاث التي تنفق الشركات عليها ما لا يقل عن 14 مليار دولار، وسر هذه المليارات أنها من اكتشاف العقل الإنساني، بينما نحن اليوم نتحدث عنها، وكأنها من الأساطير والخرافات، ومعها بلادة الانبهار والتعجب!

أنظروا الى اوطاننا، كم تهدر من ثرواتنا يوميا، ويستعمر نفطنا، وتسلب عقولنا، وتهدر كرامتنا، وتحول اوطاننا الى مخازن للأكل والملابس والمخدرات، وتنفير العقول المبدعة ،ودفعها الى الهجرة والرحيل الى دول أخرى استمتعت بثروات عقولهم، ولم تنفق في تكوينهم مليما واحدا، واستلمتها هدية مجانية من الدول الغبية المصدرة للعقول، لأننا ببساطة اوطان مازلنا على عقل الجاهلية الأولى، نمتهن الجهل علما، ونقرب الجهلاء قيادة، وننشئ مراكز تجهيل تعليما، ونصنع لنا يوميا مآتم وحروب من اجل الطائفة والمذهب والأثنية والمناطقية، وهذا يعني إن العقل العربي يرمم بأسفلت البلادة ،وتقتل جيناته وخلاياه لكي لا يستعمل للخير والابتكار.

(ثروة العقول) التي لا يراها ولا يدرك أهميتها الا أصحاب العقول النيرة، أصبحت من ضمن الصناعات العالمية التي يمكن تسميتها (صناعة البشر)، هي استثمار طويل الأمد، لا تموت ولا تفنى، ما دام هناك تعليم ذكي، وصحة راقية، لذا فازت اليابان وألمانيا وسنغافورة وماليزيا وتايلاند وغيرها من النمور الاسيوية على الجهل والتخلف والفقر بثروة العقل، وليس بأطنان النفط الأسود، ولمعان الذهب ومناجمه، فالمعجزة اختصرت بالعقل والتعليم والإدارة وتنمية البشر، بينما هزمت دول عربية ونيجيريا وفنزويلا وغيرها من دول العالم الثالث الغارقة بالنفط أمام الفقر والجوع. أنظروا العراق مثالا، حيث يموت الوطن حزنا وفقرا لا يليق بعيش البشر، ولا يجد مواطنيه رغيف خبز يأكلونه، وجيوش من العاطلين والشحاذين يجوبون شوارعها قهرا وفقرا، ولصوص ومافيا يسرقون خيراتها، وأحزاب وعشائر تفكر ببطونها، وبعران من السياسيين تأكلهم غرائز المال والسلطة والجاه.

من قال ان (نفط العرب للعرب)، ونفطنا يدور مثل كرة الأرض، فقد استفادت منه الدول الذي اكتشفته أكثر من الدول الذي تمتلكه، نفطنا يحب سفرات العم سام، يذهب لهم ويعود مكررا بأسعار تفوق أسعار البيع، مرة يعود الينا على شكل صناعات من ملابس وبلاستيك واسفلت، ومرة يكون علينا حاكما اجنبيا، ومرة محركا للحروب والاقتتال، وما بين لعبة التدوير والتنقيب والتكرير تزداد همومنا، وتسرق اوطاننا، ويهرب نفطنا بأبخس الأثمان، ومع ذلك لا يسعدنا من يقول لنا بصراحة انكم في آخر قائمة الأوطان تخلفا ومعيشة!

من مفارقات الزمن ان اوربا التي لا تمتلك ربع شمسنا تستثمر في الطاقة المتجددة، بينما اوطاننا التي لا تغيب عنها الشمس طيلة السنة، يعاني العباد منها يوميا من انقطاع الكهرباء وحرارة الشمس، ولا تعرف كيف تستفيد من طاقة الشمس لمواجهة تأثيرات الحر، وتحريك المصانع والمؤسسات، وتوفير البيئة الصحية الانقى. اوطان يأتيها الخير من كل اتجاه، لكنها لا يسرها خير الله، وهو ما يعيدنا إلى نقطة البدء، توفير آلية لاستعادة أهمية التعليم والعلماء في قيادة المجتمع نحو المستقبل. وقد قيل ان العلم وحده يمكنه تعبئة الشمس في زجاجات!

أوطاننا تكبر فيها (الكروش) وتصغر العقول، ما يهمنا كيف تصنع الملوخية والكبسة والبرياني والفتوش والمسخن والباجة والمحاشي العربية بأنواعها، والآخر تشغله السيلكون والذكاء الصناعي والطاقة المتجددة. أنظروا إلى الكروش المترهلة والمنتفخة لقادة العسكر والحروب والأحزاب، وشيوخ القبائل وطراطير السياسة لتكتشفوا كم هي مأساة امة تأكل ولا تقرأ، بل سنكتشف انها اصبحت ثروة من ثروات البلاد الثمينة، حيث هناك 45 مليون عربي من نحو نصف مليار يعانون من ظاهرة (الكرش)، حسب إحصائيات الصحة العالمية.

ايها الوطن الغارق بالنفط والبلادة والفقر والجوع والحروب، نحتاج إلى تكرير العقول وشفط البطون من اجل اكتشاف حقيقة سر وجودنا بين البشر، يالتعاسة الاوطان عندما يتقدم الأكرش عظيم البطن على عظيم العقل!

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق