q
إن انخفاض أعداد المواليد سنوياً، يؤدي لا محالة إلى شيخوخة في المجتمع، وبالتالي يصبح المجتمع هرما، تنقصه الأيدي العاملة، وهذا ما حدث مؤخراً، حيث بدأت اليابان باستقدام الأيدي العاملة من دول العالم الثالث، وستزداد الحاجة لهؤلاء، فيتكاثرون في وقت تتناقص أعداد اليابانيين، عندها سيحدث خلل كبير في التركيبة السكانية...

بلغة الأرقام شهدت اليابان ارتفاعا في معدلات الانتحار لمن هم دون الـ 20 عاما، لتسجل بذلك المعدلات الأسوأ على مستوى العالم، وهناك تقرير حكومة اليابان السنوي لعام 2018 حول معدلات الانتحار أن ضعف المستوى الدراسي هو السبب الأكثر شيوعا وراء انتحار هذه الفئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاما، وأفاد التقرير حول تدابير الوقاية من الانتحار لعام 2019، بأن معدل الانتحار لكل 100 ألف شخص بلغ 2.8 بين من تقل أعمارهم عن 20 عامًا، وهو المعدل الأعلى الذي يسجل منذ توفر بيانات قابلة للمقارنة في عام 1978.

فيما انخفض المعدل لدى جميع الأعمار إلى 16.5، وهو أدنى مستوى منذ عام 1978، وارتفع العدد الإجمالى لمن قتلوا أنفسهم، وهو دون الـ20 عاما لعام 2018، بواقع 32 شخصا، مقارنة بالعام السابق له، ليسجل 599 شخصا مما يتعارض مع اتجاه الانخفاض فى حالات الانتحار فى جميع الفئات العمرية

في عام 2016 سجلت اليابان 22 ألف حالة انتحار، وهو أقل رقم تم توثيقه من حالات الانتحار في عام واحد منذ عام 1994 ومعظم هؤلاء ينتحرون من ضغط العمل أو شعور الموظف بالفشل عندما لا يحقق ما هو مطلوب منه وهذه تعرف بظاهرة كاروشي وهي انسحاب الموظف من حياته الاجتماعية ثم العزلة والاكتئاب فالانتحار، وهناك ظاهرة أخرى تسمى بظاهرة هيكيكوموري وتعني الانسحاب المجتمعي للطالب والعزلة ثم الانتحار والسبب حجم الضغوطات التي تسببها امتحانات القبول في المراحل الدراسة مصحوبة بضغوط العائلة الكبيرة، وعند فشل الطالب في تحقيق النتائج المرجوة ينعزل عن المجتمع ويلجأ للعلاج النفسي أو الانتحار وحسب الإحصائيات الرسمية فإن ما يقرب من 540 ألف شاب ياباني يعانون من هذه الظاهرة

واحد من كل خمسة متقاعدين يابانيين يفضلون ارتكاب جرائم ودخول السجن وذلك لأن حياة السجن أرحم من الخارج، حيث غلاء الأسعار وعدم مقدرة المسن الياباني على تحمل نفقات المعيشة، سجل عام 2017 أقل عدد مواليد في السنة منذ نهاية القرن التاسع عشر، بتراجع سنوي يصل إلى 400 ألف سنوياً، فبعد أن وصل عدد اليابانيين إلى 130 مليون نسمة، أصبح عددهم عام 2017 127 مليوناً وحسب التقديرات الرسمية فإن عدد سكان اليابان سيكون عام 2060 من 85 مليون شخص تقريبا أي أن اليابانيين في طريقهم إلى الانقراض والسبب هو عزوفهم عن الزواج فلا وقت إلا للعمل حتى أصبحت نظرة المجتمع الياباني بشكل عام والفتيات بشكل خاص إلى الزواج إلى أنه مقبرة النساء، ومن وجد بعض الوقت وعنده رغبة في الجنس، فالسبل متاحة فلا دين يحرم ولا قوانين تمنع، وإذا تزوجت اليابانية فإنها تحرص على عدم الانجاب خوفا من الطرد من الوظيفة، وإذا حصل حمل فإنها تجد نفسها بين خيارين، إما ترك العمل أو الإجهاض، فهناك ما يقرب من 70 بالمائة من اليابانيات تركن وظائفهن بعد إنجاب أول طفل وفي عام 2013 تم إجهاض أكثر من 168 ألف جنين وكل عام تكون الأرقام متقاربة

إن انخفاض أعداد المواليد سنوياً، يؤدي لا محالة إلى شيخوخة في المجتمع، وبالتالي يصبح المجتمع هرما، تنقصه الأيدي العاملة، وهذا ما حدث مؤخراً، حيث بدأت اليابان باستقدام الأيدي العاملة من دول العالم الثالث، وستزداد الحاجة لهؤلاء، فيتكاثرون في وقت تتناقص أعداد اليابانيين، عندها سيحدث خلل كبير في التركيبة السكانية، وربما يصبح اليابانيون أقلية في بلادهم، كحال الإمارات وقطر؛ حيث أعداد الأجانب أضعاف عدد المواطنين

التمييز والعنصرية ضد الأجانب، فالمجتمع الياباني لا يرحب بأي عنصر غريب عنه، فبحسب وزارة العدل اليابانية، فإن ثلث الأجانب في اليابان يتعرضون للتمييز فاليابانيون ليسوا ملائكة كما يصورهم البعض، فهم في كثير من الأحيان يحتقرون الغريب، ولا يتقبلون أي شيء غريب عنهم، وتم تسجيل 915 ألف جريمة جنائية في عام 2017 فهناك جريمة قتل أو سرقة أو اختطاف كل خمس دقائق هل أتاك نبأ الياكوزا، وتعني المافية اليابانية التي يقدر عدد أعضائها من 80 ألف إلى 110 آلاف، وهي عبارة عن عصابات مرتبطة مع بعضها بشبكة معقدة، وهذه الياكوزا لها وزنها في المجتمع الياباني، وتقف الدولة عاجزة عن السيطرة عليها، أو الحد من أنشطتها

الأسباب الحقيقية وراء انتحار الأطفال

انتحر 332 من طلاب المراحل الابتدائية، الإعدادية، والثانوية في عام 2018، وفقًا لبحث أجرته وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا اليابانية كانت هذه زيادة بنسبة 33٪ عن العام السابق وأعلى رقم منذ عام 1988، عندما تم حساب البيانات لأول مرة بالطريقة الحالية وشمل هذا الرقم 227 من طلاب المرحلة الثانوية، و100 من طلاب المرحلة الإعدادية، و5 طلاب في المرحلة الابتدائية، مع ارتفاع معدلات الانتحار بين طلاب المدارس الثانوية بنسبة 42٪ على أساس سنوي ومن بين 332 طالبًا، كان هناك 193 من الفتيان و139 من الفتيات

بلغ إجمالي عدد حالات الانتحار في اليابان (المجاميع السنوية للشرطة الوطنية) ذروته عندما وصل إلى 34427 حالة في عام 2003 ثم بدأ في الانخفاض من عام 2010، انخفض هذا الرقم لمدة تسع سنوات متتالية في المقابل، على الرغم من انخفاض أعداد الطلاب بسبب تقلص معدل المواليد، فإن حالات الانتحار بين الأطفال تظل في ارتفاع في عام 2006، كانت نسبة الانتحار 1.2 لكل 100،000 طفل، بينما بحلول عام 2018 زاد هذا الرقم إلى أكثر من 2.5، من بين أسباب الانتحار (إجابات متعددة)، كانت الخلافات العائلية مرتفعة بشكل خاص حيث وصلت النسبة إلى 12.3٪ والتوبيخ من قبل والوالدين بنسبة 9.0٪، في حين ظل التنمر بنسبة أقل من 2.7 ٪. ومع ذلك، فإن السبب وراء ما يقرب من 60٪ من حالات الانتحار بين الأطفال غير معروف، لذلك ليس من الواضح ما الذي يدفع الشباب إلى إنهاء حياتهم بأيديهم.

هيكيكوموري ثم انتحار

تُعرّف وزارة الصحة والعمل والرفاهية اليابانية الـ(هيكيكوموري) على أنه مجموع الأشخاص الذين يرفضون مغادرة منازلهم ويقومون بعزل أنفسهم عن المجتمع في منازلهم لمدة تزيد عن ستة أشهر، وفقًا للأرقام الحكومية الصادرة في عام 2010 يوجد 700.000 شخص يعيشون حالة (هيكيكوموري) بمتوسط عمر 31 عامًا، وفي حين أن هذه الظاهرة يابانية في الغالب، إلا أنه تم العثور على حالات مشابهة في الولايات المتحدة وسلطنة عمان وإسبانيا وإيطاليا وكوريا الجنوبية وفرنسا

في هذه الحالة يقوم الشخص المتأثر بحدث أو واقع ما بالانغلاق على نفسه تمامًا –وهو غالبًا ما يكون ذكرًا– ويميل للانقطاع عن العالم الخارجي فينسحب إلى غرفته ولا يخرج لأشهر أو حتى لسنوات لكن يبدو أنه هذا ليس سوى الشكل الأكثر تطرفًا لما أصبح الآن ضعفاً واسع النطاق في التواصل الاجتماعي المباشر وجهاً لوجه بين الناس في كثير من المجتمعات

يشير (واتارو نيشيدا) إلى الإنترنت والتأثير السائد للإباحية فيقول: ”لدى الشباب في اليابان الكثير من المعرفة، لكن ليس لديهم خبرة في الحياة.. ليس لديهم أي فكرة عن كيفية التعبير عن مشاعرهم ويضيف: "لقد نسوا شعور لمس شخص ما، عندما يفكرون في الجنس يكون لديهم قلق شديد وليس لديهم فكرة عن كيفية التعامل معه".

عندما يجد الشباب أنفسهم معزولين ومكتئبين، فليس لديهم أماكن كثيرة يلجأون إليها، حيث لا تزال الاعتلالات النفسية من المحظورات وهناك ضعف في الفهم العام للاكتئاب، أولئك الذين يعانون من أعراضه غالباً ما يكونون خائفين للغاية من الحديث عنه، كما يوجد نقص حاد في الأطباء النفسيين، ولا منهج لعمل الأطباء النفسيين مع علماء النفس الإكلينيكيين، فرغم أنه يمكن وصف أدوية نفسية قوية للأشخاص الذين يعانون من مرض نفسي، ولكن على عكس ما يحدث في الغرب، لن يصاحب ذلك توصية يُطلب فيها من المريض طلب المشورة في كثير من الأحيان.

ماذا فعلت اليابان للحد من هذه الظاهرة؟

 في عام 1998 ارتفع عدد حالات الانتحار في اليابان بشكل ملحوظ، ليصل إلى أكثر من 32 ألف مقارنة بالعام السابق الذي بلغت فيه عدد حالات الانتحار إلى أكثر من 24 ألف حالة

 تبنت اليابان خطة وطنية لمكافحة الانتحار، بدأت حينما عقدت وزارة الصحة مؤتمر وطني لاتخاذ تدابير للوقاية من الانتحار عام 2002

 أصدر المؤتمر تقريرا حث على ضرورة وجود دراسة متعددة الأوجه للعوامل النفسية والاجتماعية وألا يقتصر العلاج عن الجانب النفسي فقط

 في عام 2005 نظرت اليابان إلى الانتحار على أنه مشكلة اجتماعية، وتسبب هذا في اتخاذ إجراءات ملموسة، بدأت بتعاون المنظمات غير الحكومية في عقد أول منتدى حول الانتحار، حضره وزراء الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية، وتعهد الوزراء الذين حضروا نيابة عن الحكومة اليابانية بمعالجة مشكلة الانتحار

 مع بداية عام 2006 اجتمعت المجموعة البرلمانية في اليابان لدعم صياغة قانونية، وفي الحال أقر القانون الأساسي في اليابان خطة للوقاية من الانتحار، من خلال وضع تشريعات تحد من الانتحار، وإصلاح الأجهزة الإدارية

-مع بداية عام 2009 بدأ انخفاض تدريجي في عدد حالات الانتحار في اليابان، ومع قدوم عام 2012 هبط عدد حالات الانتحار ليصل إلى 30 ألف، وهي أول مرة ينخفض فيها عدد حالات الانتحار منذ عام 1998.

لكن ما زالت اليابان تسجل اعلى نسب انتحار بين الشباب حول العالم ولم تنتهي، في كل بلد هناك جوانب مظلمة لا يُركز عليها، اذن فالمطلوب منا أن نتنبَّه لمنها، ثم نتلمس واقعنا ونبحث بموضوعية عن نقاط القوة فينا فنعززها، ونعالج نقاط الضعف، ونزرع الأمل ونغرس الثقة في قلوبنا وقلوب أبناءنا، ونصنع جيلا مسلما واثقا بربه ووعده الحق، جيلاً لديه فهم راسخ ووعي كامل ويقين أننا خير الأمم. وأن البشرية كلها خسرت عندما تراجعنا، لذلك يجب علينا أن نتقدم بكل ثقة ونقود العالم إلى مرافئ الأمان. فثق بربك وابدأ بنفسك وعالج قصورها، ثم انطلق وتولَّ القيادة.

................................
المصادر
- صدى البلد
- Cbc
- الجزيرة
- الوفد
- اليوم السابع
- بي بي سي
- اليابان بالعربي

اضف تعليق