شاءت الصدف ان اتأخر في يوم من الايام بالعودة الى المنزل الى ما بعد منتصف الليل، مررت بأحد الشوارع القريبة من منزلي، لفت انتباهي اصوات قهقهات انطلقت من جوف احد المقاهي لتستقر دون رغبة في اذني، اشحت بناظري فوجدت مجموعة من الشباب يمزحون ويلعبون...
شاءت الصدف ان اتأخر في يوم من الايام بالعودة الى المنزل الى ما بعد منتصف الليل، مررت بأحد الشوارع القريبة من منزلي، لفت انتباهي اصوات قهقهات انطلقت من جوف احد المقاهي لتستقر دون رغبة في اذني، اشحت بناظري فوجدت مجموعة من الشباب يمزحون ويلعبون دون ادنى رغبة منهم في ترك المكان والذهاب لمحل سكناهم.
اكملت المسير وتساءلت كثيرا عن مدى جدوى هذا الجلوس ولساعات متأخرة من الليل، فقد يكون الهدف من الجلوس للترويح عن النفس والذهاب بعيدا عن مشاكل الحياة اليومية التي اخذت بالتزايد يوم بعد آخر؟، وقد يكون الجلوس تماشيا مع الموضة ليس الا.
في السابق كان التواجد في المقاهي الشعبية يقتصر على كبار السن من شرائح المجتمع المختلفة، فيمكن ان نرى الشاعر والفنان والطبيب جالسين الى جانب المدرس والفلاح، يتبادلون الحديث بصورة مهذبة ويناقشون قضايا منوعة تهم بمجملها الشارع والحياة الاجتماعية والاحداث السياسية وغيرها.
اما اليوم فأغلب مرتادي المقاهي أصبحوا ممن لا تتجاوز اعمارهم العشرين عاما، وهذا لا ينفي وجود من هم اكبر من ذلك السن ويتمتعون بشخصيات محترمة ومتزنة في القول والتصرف، لكن ما يميز جلوس هذه الشريحة هو الوقت المحدد الذي في اغلب الاحيان لا يتجاوز الساعتين.
الكثير من المقاهي ان لم يكن الاغلب فُتحت في مناطق سكنية شعبية وهو ما يجعل ما يدور بها عرضة للسماع والرؤية من قبل المارة، اذ تحدث في تلك الاماكن بعض الممارسات غير الاخلاقية التي لا تتماشى وتقاليد مجتماعتنا الاسلامية ما يجعلها عبئاً إضافيا على المجتمع، الى جانب الاعباء الاخرى.
ويمكن ان يعزى امتلاء المقاهي بالشباب بصورة يومية الى جملة من الاسباب، اولها قلة فرص العمل وتفشي ظاهرة البطالة بصورة مذهلة، ما يحتم عليهم جعل تلك الاماكن ملاذهم الوحيد للخلاص من الفراغ الذي يحيط بهم من جميع الجوانب، وكذلك يأتي من ضمن الاسباب هو عدم اكمال المسيرة الدراسية نتيجة لظروف واسباب مختلفة بعضها مشروع وآخر غير مقبول قطعا.
فما يبث القلق في نفوسنا هو كثافة مرتادي هذه المقاهي، وهذا بحد ذاته نذير سوء يدق ناقوس الخطر في المجتمعات، كون الكثير من هؤلاء الشباب يقعون في مصيدة المخدارت والممارسات المحرمة من الناحية الشرعية والمنبوذة اجتماعيا.
لا تختلف وتيرة حياة بعض الاشخاص عن اقرانهم، لكن البعض فضل الجلوس امام الحاسوب او الانخراط في دورات لتعلم شيئا نافعا يعود عليه بالفائدة فيما بعد، اذ من الممكن ان يجعل من بعض المواقع معلما له لاكتساب خبرة او حرفة يمتهنها لتوفر له حياة كريمة وعيش رغيد بعيدا ان الاذلال من قبل البعض، وهنا اصبح الفرد منتجا ومفيدا لوطنه ومجتمعه الذي ينتمي اليه.
وتعمل تلك المقاهي على استنزاف اموال الشباب، فترى البعض يركض لاهثا من اجل الحصول على مبلغ يضعه بين فكي اصحاب المقاهي عبر شراءه للنركيلة بصورة يومية، اذ من الممكن ان يذهب نحو خيار السرقة ليؤمن ذلك المبلغ بعد اليأس من استحصاله من قبل الوالدين او الاصدقاء ولا عجب في ذلك طالما الادمان لا يرحم من يقع فيه.
ويمكن لنا ان ندرج ضمن اضرار الاستمرار على النركيلة وتعاطي غيرها من المخدارت على الجانب الصحي للانسان، حيث اكدت احدى الدراسات التي اطلعنا عليها بأن اغلب حالات العقم اليوم بين الشباب كانت بسبب التبوغ غير المرخصة، وكذلك حالات السرطان وامراض القلب والعجز الرئوي والكلوي وعطل اغلب الاجهزة الجسدية، وهنا لابد ان تكون وقفة جادة وحقيقية من قبل الجهات الصحية في البلاد من اجل التخلص من هذه الظاهرة عبر وضع آلية لاستيراد تلك المواد واخضاعها للرقابة المشددة لتفادي الاصابة بها وتقليل مخاطرها على الافراد.
بعض المقاهي وحرصا على جلب المزيد من الحضور عمدت الى تشغيل النساء لتلبية طلبات الزبائن وهنا تكمن خطورة المرحلة التي نمر بها، اذ تتعرض تلك النساء الى بعض المضايقات ويسمعن بعض الالفاظ غير المقبولة اخلاقيا وهو ما يمكن ان نضعه في خانة تقليل الكرامة الانسانية، ويعكس مدى جشع اصحاب تلك الامكان وطمعهم دون المبالاة للاعراف الاجتماعية السائدة.
هنالك جملة من الامور قد تكون هي من دفعت تلك الشريحة الشبابية للذهاب والمكوث في المقاهي لفترات طويلة، فمن الواضح ان اغلب المولات التجارية والاماكن الترفيهية تمنعهم من الدخول كون المكان مخصص للعوائل فقط، فهم لم يجنوا شيئا سوى انهم غير متزوجون.
فلا بد هنا من ايجاد البدائل لهؤلاء الشباب عبر العمل من قبل الجهات المعنية على توفير الامكان الترفيهية بشكل اوسع لتكون الحاضن الوحيد لهم وقضاء اوقات فراغهم بشكل يضمن سلامة افكارهم وصحتهم من الاضرار التي من المؤكد ستلحق بهم فيما اذا جلسوا في المقاهي وغيرها من الامكان المشبوهة.
ويبقى على الاسرة ان تؤدي دورها بشكل صحيح وتراقب ابنائها بصورة مستمرة، فمن غير المعقول ان يخلد رب الاسرة الى النوم دون ان يعرف ابنه اين جالس ومع من يتحدث ومتى سيعود الى البيت، أضف الى ذلك عليها ان تتعرف على اصدقاء ابنائها والتأكد من اطباعهم وصافتهم الشخصية كون ذلك سيؤثر وبشكل مباشر على الطبيعة والسلوك.
ولا يمكن ان نتغافل دور الاجهزة الامنية واهميته بتشخيص الحالات السلبية في المجتمع وذلك من خلال إجراء حملات على المقاهي ورصد المخالفين منهم للتعليمات التي لا تتنافى والمجتمع، وهنا لابد من التعريج على دور المؤسسة الدينية في منع بعض الممارسات من الانتشار بمفاصل المجتمع، ما يؤدي الى انحلال قيمه وتلاشي قواعده.
اضف تعليق