للتجمعات البشرية متعة، فكثير من الناس يستهويهم الذهاب الى الأسواق ليس بهدف التبضع، بل للاستمتاع بمرأى الناس، ولا تختلف متعة التجمع عن متعة التسوق، ولذلك لا تستغرب عندما تجد شخصا يستغرق جل وقته في التجوال بين الأسواق الشعبية والمولات، ويفضلها على المعالم الحضارية لبلد يزوره أول مرة...
للتجمعات البشرية متعة، فكثير من الناس يستهويهم الذهاب الى الأسواق ليس بهدف التبضع، بل للاستمتاع بمرأى الناس، ولا تختلف متعة التجمع عن متعة التسوق، ولذلك لا تستغرب عندما تجد شخصا يستغرق جل وقته في التجوال بين الأسواق الشعبية والمولات، ويفضلها على المعالم الحضارية لبلد يزوره أول مرة، هكذا هم الناس أجناس يختلفون في التفكير والأمزجة والاهتمامات.
هذه المتعة لم تغب عن بال المعنيين بالسياحة، فمثلما يعتنون بالمرافق السياحية الطبيعية او التاريخية، يؤهلون للسياح المحليين وغير المحليين أماكن واسعة بما يوفر الراحة ويساعد على الاستمتاع، حتى صارت هذه الأماكن وجهات جذب للسياح، وفقرة مهمة من برامج الشركات السياحية، بل ويعد نقصا في برنامج السائح ان لم يزرها على الرغم من انها لا تتوافر سوى على الناس، فالمناطق التي تخلو من الناس لا قيمة سياحية لها مهما كانت أهميتها، ولذلك تحاول الشركات في المواسم غير السياحية التغلب على هذه العقبة بالاتفاق فيما بينها على توقيتات محددة لزيارة المرافق السياحية سوية، اذ يوفر وجودها المتزامن في منطقة واحدة تجمعا مقبولا يحقق متعة التجمع لزبائنها.
ومع ان بعضا من مناطق التجمعات تكثر فيها المحال بمختلف أشكالها والكازينوهات بأنواعها، لكنها لم تكن هدفا بذاته، وانما الهدف هو الناس، ومن أمثلة ذلك شارع الاستقلال في اسطنبول الذي يعج بالسياح من مختلف جنسيات العالم، فزواره يعدون بمئات الآلاف يوميا، والحركة لا تتوقف فيه ليلا او نهارا، انه مهرجان للأزياء والموسيقى والبشر بأشكالهم المختلفة وجنسياتهم المتعددة، فتستمتع بمرأى الشرق والغرب في آن واحد، وتجبرك هذه المتعة ألا تكتفي بزيارة واحدة، ولا يشبع حاجتك ان تسير فيه من دون أن تعود ثانية من حيث بدأت، وبك رغبة عارمة لتوثيق هذه اللحظات بصور فوتوغرافية او مقاطع فيديو، فالشارع المهرجان بجاذبيته واثارته يتيح لك مساحة للتأمل والمقارنة بين البشر، فتطلق أحكامك الانطباعية المتأثرة بمرجعياتك الثقافية والدينية وغيرها، ولذلك صار شارع الاستقلال اسما لامعا في عالم السياحة.
ولهذا الشارع مثيل في العاصمة الأذربيجانية باكو يطلق عليه (تار كوفي) وهو شارع تتوسطه بعض الساحات المؤهلة من حيث أمكنة الجلوس والنافورات والحدائق، ولا يقل متعة عن شارع الاستقلال وهو مقصد لأغلب زوار باكو الى جانب الكورنيش البحري الرائع، ويشترك الشارعان بخاصية مهمة وهي خلوهما من المركبات، اذ لا يسمح بدخولها، ما أعطى للسياح مرونة وحرية في الحركة.
دائما أتذكر هذين الشارعين اللذين اتيحت لي فرصة زيارتهما قبل سنوات عند تجوالي في بعض مدننا التي تخلو من أي أمكنة لتجمع الناس، واذا ما توافرت كما هو الحال في شارع المول بالمنصور وبعض المحافظات فإنها تزدحم بوسائط النقل المختلفة بما يزعج المارة، فضلا عن اعاقتها أصحاب المحال الراغبين بتأهيل الأماكن المواجهة لمحالهم على غرار ما موجود في بعض الشوارع السياحية الاوربية والعربية.
في مدينتي بعقوبة هناك شارع غدا كما يقول أهل السياحة ( وجهة سياحية ناشئة) يطلق عليه (شارع الطابو) لوجود دائرة التسجيل العقاري فيه، فقد كثرت فيه المطاعم والكازينوهات الراقية، فضلا عن المولات متوسطة الحجم ومحال اخرى لها واجهات جذابة، وأصبح الأهالي يقصدونه عصرا وليلا للاستمتاع والتبضع، شارع لا يخلو من متعة بدلالة ازدحامه بالمارة، الا ان المزعج فيه كثرة السيارات التي ليس لوجودها ضرورة، بخاصة وان هناك شوارع موازية له تسد حاجة المرور الى المناطق القريبة، كما تشكل كثرتها عبئا على رجال الأمن المنتشرين على جانبي الشارع الذين تتركز مهمتهم في منع وقوفها وتوفير الحماية للناس، أظن ان منع السيارات من الدخول يرتقي بمستوى الشارع سياحيا، وما يسهل هذه المهمة وجود ساحات فارغة في طرفيه يمكن ركن السيارات فيها، وتخصيص بضع مركبات سياحية لنقل المرضى الى العيادات الطبية الموجودة فيه، هل نرى قريبا (طاب كوفي) في بعقوبة ؟
أتمنى ألا يكون مصير اقتراحي كمصير صاحبي الذي اقترح على بعض الجهات نصب كاميرات في الشوارع يوم اشتعلت البلاد بالمفخخات والعبوات، لكن فكرته قوبلت بالتسخيف، وبعد سنوات صار يُطلب من أصحاب الدكاكين نصب كاميرات وحتى وان كانت دكاكينهم في أحياء شعبية، من الأشخاص وهم كثر لا يملكون سوى تسخيف أفكار الآخرين.
اضف تعليق