ازمة السكن هي المحنة الكبرى للكثير من أهل العراق، فمنذ ان تشكلت الدولة العراقية في بدايات القرن الماضي وهي تعاني من مشكلة السكن، وتفاقمت وتضخمت عقد بعد اخر، ولم تنفع ايرادات النفط العملاقة وبما يمثله من ثروة هائلة في حل الازمة نتيجة غياب الرؤية والارادة للحل...
ازمة السكن هي المحنة الكبرى للكثير من أهل العراق، فمنذ ان تشكلت الدولة العراقية في بدايات القرن الماضي وهي تعاني من مشكلة السكن، وتفاقمت وتضخمت عقد بعد اخر، ولم تنفع ايرادات النفط العملاقة وبما يمثله من ثروة هائلة في حل الازمة نتيجة غياب الرؤية والارادة للحل، لقد تعاقبت المحن السياسية على البلاد نتيجة صراعات داخلية وخارجية، وانتجت فوضى لا تنتهي، من الحكم الملكي مرورا بعبد الكريم وعبد السلام وصولا الى صدام، والاخير اهدر الثروة العراقية على مغامرات طائشة ومن دون اهتمام حقيقي بمشكلة السكن.
حصل التغيير والخلاص من الدكتاتور وكنا نتمنى ان يكون الاخير، وحمل النظام الجديد احلام الناس، ووعد بحل ازمات الجماهير العراقية، لكن ها هي 16 سنة منذ التغيير ولم يتحقق شيء ملموس يخص قضية السكن، بل تفاقمت وأصبح امتلاك بيت لا يحققه الا ذو الحظ العظيم، ومع ازمة السكن ارتفعت اسعار الايجارات لتصبح قيد كبير قد لف حول رقبة المواطن المسكين.
"الايجارات" هما يشيب الراس
ذات يوم التقيت بصديق قديم تفاجئت بغزو الشيب لرأسه، حيث كان احد زملائنا في الكلية، فيبدو ان هما عظيما قد وقع عليه ليحوله لعجوز، فسالته عن ما جرى له؟ فقال: انا مؤجر منذ اربع سنوات في بيت صغير جدا، وبسعر ثلاثمائة الف دينار بالشهر! وانا موظف اجر يومي راتبي لا يتعدى مئتان وستون الف دينار، فكيف احل هذه الاشكالية، طبعا المشرع هنا يدفعنا للعيش تحت الفقر والسلطة التنفيذية لا تهتم بنا، المهم وجدت الحل بشراء سيارة منفيس بمساعدة الاقارب واعمل بها ليلا كسائق اجرة، وهكذا تسير الامور بشكل متعرج، لا يوجد استقرار مادي في حياتنا، والسبب غياب العدالة في العراق ! احلم ان يكون هناك بيت سكن لكل عراقي، خصوصا ان اموال العراق كبيرة جدا، فمشكلة السكن في اغلب بلدان العالم تم حلها عبر خطط محكمة، اما نحن فلا زلنا نعيش في عصر الوعود الكاذبة.
أكبر صدمة في حياتي "الايجارات"!
في شارعنا كان لدينا صديق طيب، ومجتهد في دراسته الجامعية، وبعد التخرج من كلية الآداب قرر الزواج، كانت حياة متقلبة وبعد ثلاث سنوات وجد نفسه يعيش في غرفة صغيرة هو وزوجته واطفاله، وبإيجار شهري مئتان الف دينار، لم يجد فرصة للتعيين، ولم يفوز بعمل كبير، بقي ما بين البطالة والعمالة، انها محنة حقيقية البطالة والايجارات، وكان يردد دوما انه لولا مساعدات الاهل لتحول للشارع، عندما نتحدث معه كنا يقول انه لا يشعر بالانتماء لهذه الارض، والتي ضاع فيها ابسط حقوقنا كمواطنين فالسكن من البديهيات التي يجب ان توفرها الدولة، لكنها اخلت بمسؤوليتها اتجاهنا، واصبحنا نعيش المحنة. الحلم الكبير لكل مواطن هو بيت صغير ينقذه من كابوس الغرفة الايجار ويحفظ كرامته.
الايجارات بالوراثة
حدثني ذات مرة جاري ابو مسلم حيث قال: انا ورثت الفقر من جدي وابي فكلاهما كانا يعيشنا بالايجارات وتركوا الدنيا ولم يملكوا شيئا، واليوم انا اعيش نفس المحنة التي عشتها في طفولتي وشبابي! كنت اتامل خيرا بعد الخلاص من نظام صدام باعتبار ان فقرنا وعسر حالنا بسبب النظام الطاغوتي، لكن ها هي عشر سنوات ضاعت ولا شيء تحقق للفقير! وكما يقول المثل (نفس الحمام ونفس الطاس)، لقد اصبحت احلامنا البسيطة من المستحيلات في زمن الموازنات الانفجارية بسبب فساد.
هم الايجار تضخم بسبب غياب اي دور حقيقي للدولة، الدولة اصبحت مكاسبها فقط للطبقة السياسية، اما اغلبية اهل العراق فيتم سحقهم يوميا بأزمات لا حلول لها ومنها ازمة الايجارات.
طلاق بسبب الايجارات
من اغرب ما سمعت حكاية حقيقية حصل لعائلة تسكن شارع فلسطين، فقد حدثني العم رحيم عن شاب يسكن في شارعهم، فقال العم رحيم: محسن شاب لطيف الكل يحبه، لكن فجأة انقلبت حياته وانتهت بالطلاق! فسألته عن سبب ما حصل له فقال: تبخرت حياتي كلها وتم الانفصال عن زوجتي، والسبب قراري العودة لبيت اهلي، بعد عدم قدرتي على الاستمرار بالعيش بالإيجار، نتيجة ارتفاع الايجار الشهري مع محدودية دخلي، لكن اهل الزوجة يصرون على البقاء في البيت الايجار، فحصلت مشاكل وانتهت بالطلاق، والسبب عدم امتلاكي بيت سكن وارتفاع الايجارات!.
اننا نعيش في زمن صعب نتيجة تخلي الدولة عن مسؤولياتها، في توفير ابسط حقوق المجتمع وهو السكن الملائم، كنا ننتظر ان تتحقق احلامنا بعهد الديمقراطية، لكن تحولت الى احلامنا كوابيس لا تنتهي.
تحديد أصل المشكلة
مشكلة السكن بقيت مستعصية على الحكومات، ويمكن تحديد اهم الاسباب في غياب الرؤية، وانتشار الفساد، مما اضاع علينا الوقت والمال، وبقيت معاناة الناس من دون حل.
اجد ان الحل يكمن في الاستفادة من التجربة المصرية، والتي نجحت في التقليل من مشكلة السكن، حيث قاموا بالاعتماد على السكن العمودي المدعوم، ووضع مشروع في كل مساحة ممكنة، مثلا بعشرة الاف وحدة سكنية، بعكس مشاريعنا الفاشلة التي تتبنا مشروع مدينة ومئات الالاف من الوحدات السكنية لا ينفذ منها الا القليل وبأسعار تجارية لا يقوى الفقير عليها!
فعبر توفير وحدات سكنية منخفضة التكاليف، وتوزيعها بأقساط طويلة، ينخفض الطلب على الايجار، فتنخفض اجور الايجار بما يتناسب مع نسبية الانجاز، فقط نحتاج للارادة الحكومية للحل.
الحل من ثلاث نقاط فقط
يمكن القول ان حل المشكلة في ثلاث نقاط ممكنة جدا من قبل الدولة:
اولا: عبر السير بمحورين توزيع اراضي سكنية على الموظفين، مع الشروع بالبناء العمودي والابتعاد عن احلام المدن الوهمية.
ثانيا: توكيل شركات حكومية ببناء هذه القطع السكنية بفترات لا تتعدى الاربع أشهر، مع تسجيل كلفة البناء كقرض بذمة الموظف على مدى عشرين سنة.
ثالثا: وضع قانون ينظم اسعار الايجارات بحيث تتناسب مع متوسط القدرة الشرائية للمواطنين ذوي الدخل المحدود.
ثلاث امور ممكنة ومتيسرة للسلطة التنفيذية تغير شكل الحياة للمواطن العراقي وتحل جزء كبير من ازمة اليوم.
اخيرا
قضية الايجارات من القضايا الشائكة التي بقيت من دون التفاتة للحل، وتحول المواطن الى كبش فداء نتيجة الاهمال الحكومي، وجشع اصحاب العقارات، اننا اليوم ننتظر الحل لهذه المشكلة من الحكومة الجديدة، عسى ان تحقق العدل المفقود، فالناس طال زمن ظلمهم من قبل الحكام، والقضية ليست مستحيلة، بل تم علاجها في أكثر من بلد، فقط لنضع الية عمل ممكنة ونطبقها على الارض.
اضف تعليق