الصراع كمفهوم على تفسير الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية، مثل الاختلاف الاجتماعي وتعارض المصالح والحروب بين الأفراد والجماعات أو المنظمات، أما من الناحية السياسية فيمكن أن يشير الصراع إلى الحروب أو الثورات التي قد تنطوي على استعمال القوة كما هو الحال في الصراع المسلح...
يعرَّف الصراع بشكل عام على أنه ظاهرة اجتماعية تعكس حالة من عدم الارتياح أو الضغط النفسي الناتج عن عدم التوافق بين رغبتين أو أكثر أو تعارض إرادتين أو أكثر، هذا على المستوى الشخصي أو بين الجماعات، ولكن كلما اتّسعت رقعة الصراع، تحوّل من صفته الاجتماعية إلى أنواع أخرى، كما يحدث في حالة الصراع على المستوى الدولي حيث تعكس وضعاً من تعارض المصالح أو اختلاف القيم بين مجموعة بشرية وأخرى، ويعبر الصراع عن الأحوال التي بمقتضاها توجد جماعة بشرية ما تتسم بتمايز عرقي أو ثقافي أو ديني أو حتى تمايز اقتصادي أو سياسي، تتعارض مصالحها أو قيمها مع جماعة أخرى أو أكثر، بسبب إتباعها ما لا يتلاءم مع سلوكها أو أهدافها، بسبب اختلاف القيم والوسائل والظروف.
ويوصف الصراع أيضا بأنه حالة سببها تعارض حقيقي أو متخيل للاحتياجات والقيم والمصالح، ويمكن أن يكون الصراع داخليا في الشخص نفسه أو خارجيا بين اثنين أو أكثر من الأفراد)، ويساعد الصراع كمفهوم على تفسير الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية، مثل الاختلاف الاجتماعي وتعارض المصالح والحروب بين الأفراد والجماعات أو المنظمات، أما من الناحية السياسية فيمكن أن يشير الصراع إلى الحروب أو الثورات التي قد تنطوي على استعمال القوة كما هو الحال في الصراع المسلح، والصراعات في بيئات اجتماعية يمكن أن تؤدي إلى التوترات عند عدم وجود حل سليم لها أو ترتيب للتعامل معها، أما التعريف الشائع للصراع: فهو يحدث عندما يتصور طرفان أو أكثر تعارض الأهداف ويسعيان إلى إضعاف قدرات الآخر للوصول للهدف.
أسباب الصراع تكاد تستعصي على الحصر، كونها صفة خلْقِّيّة، أي أنها من الصفات التي جُبِلَ بها الإنسان منذ لحظة الولادة، لهذا من المستحيل إزالتها، ولكن من الممكن ترويضها والتخفيف منها وتحويلها إلى نوع أقل حدة من الصراع، يمكن أن نطلق عليه بـ (المنافسة)، فجميع الأنشطة البشرية، قائمة على التنافس والصراع، ولا سبيل للقضاء على هذه الطبيعة التي تفرزها تركيبة الإنسان النفسية، العقلية، والفكرية، وحتى الغريزية منها، ولكي يستمر الإنسان في بناء نفسه وعائلته ومستقبله، ليس أمامه طريق سوى التنافس، الذي يتحول أحيانا إلى نوع من الصراع بين الإرادات والأفكار التي قد تتحول بدورها إلى صراع مادي ملموس، مما يجعل منها بؤرة خطر مستدام يتهدد حياة الأفراد والجماعات.
من هنا لا يمكن أن نكتفي بالقول بأن التنافس أو الصراع لا يتعلق بجهد الفرد فقط، لأنه في واقع الحال يتعدى ذلك إلى حيّز الجماعة، والمجتمعات، بل والأمم أيضا، وهنا يقع مكمن الخلل عندما نحاول قمع التنافس وإطفاء الصراع بالقوة، لأننا في هذه الحالة إنما نعتمد الأسلوب الخاطئ في المعالجة، ذلك أن التنافس أمر يدخل في البناء التكويني والنفسي للإنسان فردا كان أو جماعة، وهذا هو السبب الأساس الذي يقف وراء فشل الدكتاتوريات لمواصلة البقاء، بسبب كونها قائمة على قمع الآخر وإلغائه، وهذا خطأ فادح قد لا تظهر نتائجه مباشرة، لكنها تقود في آخر المطاف إلى نتائج عكسية، وهكذا الأمر في الأسرة والدائرة الصغيرة والمعمل والمدرسة والمؤسسة، حيث يتحول قمع الصراع بالقوة إلى فتيل يشعل صراعات جانبية أخرى قد تكون أكثر خطرا من الصراع الأصلي.
لذا يُنصَح دائما بعدم اللجوء إلى القوة والقسر في أي حال من الأحوال لإلغاء التنافس بحجة أنه مع مرور الوقت سوف يتحول الى صراع، لأنه الوسيلة الأساس التي تديم التطور والارتقاء والتقدم خطوة جديدة إلى أمام، أما المعالجة الصحيحة فتكمن في البحث عن سبل وطرائق غير القوة القامعة لمحاصرة الصراع، والمرتكَز الأهم في هذا الجانب الابتعاد عن أساليب العنف بكل أشكاله، وعدم السماح باستمرار المواجهات بين الأضداد ضمن منهج مسالم، فالأمر الطبيعي هو أن لا نسعى لإلغاء الصراع بصورة كليّة، بل علينا أن نشجّع حالة التنافس في ظل مسار أو منهج لا عنفي يصنع التنافس السلمي بين الأفراد أو بين الجماعات، لكي تنفتح نوافذ عديدة نحو الإبداع والابتكار والبحث عمّا هو جديد ومغاير.
بالنتيجة ستكون هناك حالة من التفاهم على قواعد محددة، تنتهي بالأفراد أو المكونات المجتمعية إلى التعايش، وهذا يعني أن الجميع سوف يقبل الجميع كما هو من دون انتهاج قيمه أو سلوكياته، مع الاعتراف بوجود حالة التناقض والاختلاف وتضارب الإرادات والقيم، لذا علينا جميعا أن نعترف بوجود الاختلاف وصحته، وأن لا ندفع بالأمور إلى المواجهة الساخنة، أو التصادم العنيف الذي يمكن أن يؤدي إلى خسائر في الأرواح والممتلكات أو سواها مما يمكن أن يخسره الأفراد أو المجتمعات.
علما أن المنهج السلمي في احتواء الصراع لا يأتي بين ليلة وضحاها، ولا تصنعه التمنيات والأحلام، انه منهج حياة للفرد والجماعة والمجتمع ككل، وهو نظام حياة كلي، يبدأ من الطفل الى مؤسسة العائلة الى المدرسة ومحيط العمل والشارع، بكلمة أكثر إجمالا، إنه طريقة للعيش بسلام تجّنب الجميع ويلات الصراع من أدنى درجات كالخلافات الفردية، إلى أوسعها وأشدّها كالحروب بين الدول أو بين الجماعات، وفي حال انتهى الجميع إلى أن الصراع صفة من صفات الخَلق، نشأت في الإنسان مع ولادته، ولا يمكن إزالتها، أو محوها بالإجبار، فإننا في هذه الحالة نضع يدنا على العلّة كما يُقال، ويمكن الانطلاق نحو الحلول الناجعة، وهي تتجسد في جملة واحدة، تحيل الصراع إلى منافسة من خلال مختلَف أساليب الاحتواء والحوار والإقناع بين الأقطاب المتضّادة.
اضف تعليق