لسنا إزاء مصطلح علمي أو فكري مستورَدـ ولا نحن إزاء جملة دخيلة فرضتها علينا السوشال ميديا، ولكن نحن نقف في مواجهة ما يشبه الظاهرة، حيث تتسلل بكتريا فكرية ضارة الى بعض العقول التي تكون مهيأة ومستعدة كي تصبح حاضنة للبكتريا الفكرية الدخيلة، فنكون إزاء عنصر فكري دخيل يمكنه أن يتمدد ويتوسع ويتنقل من بيئة حاضنة الى أخرى، ليكون بالنتيجة مؤثرا في المجتمع برمته ولنصبح أمام ظاهرة ثقافية سلوكية دخيلة، وهذا ما يحدث عندما يُصاب بعض شبابنا بالنموذج الثقافي الشكلي الدخيل.
وبعد أن أصبحت هناك حواضن متعددة في المجتمع، وباتت تشكل بيئة مناسبة لتكاثر البكتريا الفكرية المريضة والمعدية التي تهتك مناعة الفكر، وتخترق أغشيه الثقافة الأصل لتصيب الدماغ، فإننا نقف اليوم أمام تحدٍ ثقافي من نوع قد يكون جديدا علينا، لاسيما أن الإنسان المثقف والمتعلم قد يخطئ في التفكير ويتكلم بلسان الجاهل دون إدراك منه، وذلك بسبب العدوى الفكرية الملوثة المحيطة به وسرعة انتشارها وتفشيها بين عقول الناس، لاسيما من ذوي مستويات الوعي الهابطة تحت تأثير البكتريا الفكرية الوافدة عبر وسائل العولمة أو وسائل النشر والتوصيل.
ودائما تكون العقول غير المحصّنة فكريا وعقائدياً هي الأقرب من سواها باحتمال الإصابة، فهؤلاء هم الأكثر عرضة من غيرهم للإصابة والتلوث بالبكتريا الفكرية الضارة، فتعمل هذه العناصر الفكرية الدخيلة بالتسلل الناعم، أو غير المحسوس، وربما غير المراقَب الى عقولهم، فتباشر عملها في تدمير ثقافة العقل الذي تتسلل إليه، وتعصف بمعلوماته وتغربلها وتعيد صياغتها (كما ترغب وتشتهي) وبما يتلاءم مع ما تريد وتسعى، فتقوم بتوسعة فراغات الجهل داخل العقول، لتحل محلها خلايا الفقر العلمي التي تعود على الشخص المصاب بحمى فقر المعلومات وارتفاع في هرمون الجهل وتدني كبير في نسبه الثقافة ومستوى الوعي، مع تدمير الحصانة التربوية وربما إحداث خلخلة في الأخلاق والمبادئ والعقيدة أيضا باعتبار أن هذه البكتريا الفكرية الملوثة تمثل شكلا من أشكال التطور المادي الأهوج في الغرب والذي يعتمد تغيير الشكل واللبس وتسريحة الشعر، أي تقديم صورة شكلية غريبة لشكل الإنسان الخارجي بعد أن يصبح هدفا مباشَرا لهذه البكتريا الدخيلة.
كل هذه التأثيرات قد تحصل للمجتمع، لاسيما أننا نعيش الآن في القرن الواحد والعشرين، والزمن في تطور مذهل وسريع إلا إن هذا المرض الفكري المادي الثنائي، مازال ينخر في أفكار بعض الناس غير المحصنين مبدئيا، فنكون أمام مشكلة التطبيب الفكري الذي لم يستطع أحد الى الآن اكتشاف العقار الشافي المناسب له، وهكذا فإن هذا النوع من البكتريا الفكرية آخذ بالتفشي والانتشار الواسع بين العقول التي تكون مهيّأة لاحتضانها بسبب الفراغات الفكرية والعقائدية والتربوية الموجودة في هذه العقول الخاوية.
الخلل كما يراه المختصون يكمن بحالة الجمود الفكري في مجتمعاتنا، وعدم التصدي لمهمة التحريك أو التغيير في الفكر وتحديث الثقافة ومحاكاة روح العصر، إن مفكرينا ومثقفينا والنخب الأخرى تتحمل مسؤولية مباشرة عن حدوث الفراغات العقائدية والمبدئية في العقول، وربما تعود أسباب ذلك الى اعتقادات المجتمع وأفكاره الأولية واعتماده بعض العادات البالية والتقاليد التي أكل عليها الدهر وشرب، فأنهكت حياة الكثيرين ودمرت منازل العامرين وظلت على طوال السنين وما زالت تبعث روائح الخراب، فهم لم يلتفتوا لأصلها سراب منقادين للآية (هذا ما وجدنا عليه آباؤنا).
ومفاد هذا أن يكون الشخص منقادا لقواعد مجهولة الأساس والمصداقية، فيبدأ بالالتزام بها، فقط لكونها موروثة عن آبائه، فيتمسك بها على الرغم من جهله بماهية هذا الموروث! وربما لا يطرح الأسئلة مطلقا، ومنها هل أن هذه العادات والتركة الفكرية الثقيلة الجامدة تناقض العقل أم لا؟ أو هل هي خارج الإطار الديني الذي يؤمن به هؤلاء؟، وهكذا تنساق العقول غير المحصنة ثقافيا وعقائديا، الى التزمت والجهل وتصبح محيطا مهيّأ لاستقبال البكتريا الفكرية الدخيلة، وتصبح منساقة لتأثيراتها لأنها بلا أساس عقائدي علمي أو منطقي، فيقع تحت رحمة البكتريا الدخيلة ويجادل ويحارب في سبيل هذا الوهم الفكري الذي يظنه حقيقة.
إن مثل هذا الانسياق نحو الثقافات والأفكار الوافدة سوف يقود المجتمع الى مشكلات تحطم الأسر وتفتك بالنظام المجتمعي، وتهدد الأجيال القادمة بالخراب العقائدي والفكري، لأنها ستكون منقادة الى نفس الفكر الدخيل.
وعلى هذا الأساس على الفرد:
- أن يقف عند بعض المتوارثات وقفة علمية عقلية ويستفهم عن أساسها ويدقق في مدى صحتها.
- أن يقارن الموروث مع الدين ويدقق في ذلك جيدا، فهل هو متطابق مع ما يريد الله عز وجل أم هو متناقض ودخيل.
- لابد أن يبذل الفرد محاولات جادة لوأد البكتريا الفكرية الوافدة، ويحاول أن يجد ما يغذي عقله بما يعود بالنفع على خلايا ثقافته وقواعده الفكرية الأصيلة.
- أن يجعل لعقله الحق في التدخل عند تراكم الأفكار الملوثة في دماغه، خصوصا في الأمور التي تتطلب منه التفكر والحكمة والعودة الى الجذور الأصيلة.
- أن يكون على إطلاع دائم بالعلاجات المبدئية (الورقية/ الكتب والدوريات) المتوفرة في المكاتب او المعلومات العامة التي يسهل تقمصها من مصادرها الصحيحة.
إن بعض الأمراض التي تنهك مجتمعنا اليوم، هي أمراض لم نتصدَّ لها بعلمنا في إيجاد العلاج أو المصل الملائم لها، بل أننا أكثر من ذلك عملنا على نشرها لأنها العلاج المناسب حسب ظننا، فانتشرتْ تلك الأمراض وسيطرتْ حتى بات تهدد المجتمع وقد تفتك به وتجعله طريح الفراش وحينها لا يستطيع النهوض بسهولة، فعلى الجميع أن ينهض ويحارب بعض الأفكار الخاطئة وخصوصا تلك الغريبة عنّا والوافدة إلينا من الغرب مع العولمة والشوسال ميديا، لينهض المجتمع ويرتكز على ركائز رصينة مبنية على قواعد عقائدية علمية منطقية دينية وبذلك نتخلص من الأوبئة الفكرية ونعيش بسلام.
اضف تعليق