حينما كنا اطفالا، وجدنا ان الحياة غير عادلة، الأشياء السيئة تحدث للناس الخيرين والاشياء الجيدة تحدث للناس السيئين. لذا من الطبيعي السؤال "لماذا نتصرف بعدالة في عالم غير عادل؟ فاذا كان العمل اللااخلاقي يتيح لك الحصول على ما تريد وانت تعلم سوف لن يُمسك بك احد، فلماذا لا تقوم به؟" الأجوبة كما طُرحت هنا تبدأ برفض فكرة التضاد بين الاخلاق والسعادة. احترام الذات هو ضروري للسعادة، واللااخلاق تُفسد احترام الذات. سنرى كيف ان احترام الذات مشروط بكيفية احترامنا للآخرين.
الاطروحة الرئيسية لهذا الكتاب هي محصلة لدمج التصور الاغريقي القديم للسعادة مع المفهوم الحديث لإحترام الذات. نحن نصبح سعداء ونعيش أفضل الحياة فقط عندما نكون فضلاء: اي حين نتصف بالشجاعة والعدالة والاعتدال والحكمة قدر الإمكان. هذه هي فضائل السعادة. الكتاب الحالي يوضح لماذا من السوء ان نكون سيئين ومن الخير ان نكون خيرين، وماذا يحدث لقيم الناس عندما تتطور عقلانيتهم العملية.
نظرية الحياة الجيدة هو محاولة جديدة لمشروع قديم، اي، تبنّي استجابة معينة لتحدّي اللااخلاقية والأنوية، استجابة تبيّن لماذا العيش اللاخلاقي ليس فقط غير رشيد وانما يمنع الفرد من العيش بسعادة حقيقية. يرى الكاتب ان الاخلاق الفاضلة ضرورية وكافية لكي يعيش الناس بسعادة قدر الامكان، وهو هنا يختلف عن الرواقي الذي يرى ان الفضيلة ضرورية وكافية للسعادة، ذلك لأن الكاتب يعتقد ان المأساة تمنع الشخص الفاضل من العيش بسعادة حقيقية. مع ذلك، فان العيش بفضيلة سيجعل الفرد سعيدا قدر الامكان، بينما العيش بعدم اخلاقية في ظل السعي لتعظيم المصلحة الذاتية، هو بالنهاية محاولة فاشلة ومهزومة ذاتيا.
الفكرة المركزية في الكتاب هي ان السعادة الحقيقية تتطلب تقدير ملائم واحترام للقيمة المتأصلة في الاشياء الهامة في حياة الفرد، بما فيها قيمة الفرد والناس الآخرين. الانسان ذو الاخلاق الفاضلة وصاحب الحكمة العملية هو فقط منْ يستطيع القيام بذلك.
كتاب (بلومفيلد) يشكل اضافة نوعية للأدب الحديث في مجال الفضيلة والسعادة والتي جرى فهمها كحياة ثرية او جيدة. السعادة بهذا المعنى تشير الى الحياة التي من الخير للفرد ان يعيشها، كشكل متميز عن الحياة الممتلئة بالشعور بالسعادة، او الحياة التي تضفي الشعور بالقناعة. فالسعادة تتطلب خصيصا احترام الذات، وان احترام الذات يتطلب احترام الآخرين كغاية في ذاتهم. الكاتب طرح تفصيلا لهذه الادّعاءات.
محتويات الكتاب
الفصل الاول: الوعي بموقفنا الراهن
1- المشكلة 2- التشخيص 3- الحل 4- الخلفية الديالكتيكية العامة 5- الجدال من زاوية انطولوجية 6- الجدال من زاوية ايبستيمولوجية 7- معارضات واستنتاج.
الفصل الثاني :في ان تصبح خيرا
1- لغز السعادة 2- الشيء الأعظم اهمية في العالم 3- الاهتمام بنفسك 4- ما وراء لغز السعادة 5- تطوير عقلانية عملية 6- اللااخلاقية واللانضج.
الفصل الثالث: لماذا من الخير ان تكون خيرا
1- الطبيعة الانسانية والحياة الجيدة 2- المتعة، المزاج والاقتناع الذاتي 3- الفضيلة 4- الشجاعة:ادارة الخطر 5- العدالة والحكم بانصاف 6- الاعتدال 7- الفضيلة، الحظ والسعادة 8- فوائد الاخلاق 9- هل الحب هو المتحصل منه 10- الحكمة.
يجادل الكاتب باننا بدون فضيلة لا يمكن ان نكون سعداء، واننا مع الفضيلة تكون حياتنا اكثر سعادة مما لو بدونها. هذه الاطروحة جرى الدفاع عنها بثلاثة فصول مطولة.
الحجة الاولى للمؤلف هي حجة انطولوجية. هو يرى بان الاشكال اللااخلاقية كالقمع والخيانة والاستغلال هي مؤذية لمن يقوم بها لأنها غير منسجمة مع احترام الذات ومن ثم مع السعادة. وهو هنا يميز بين نوعين من الاحترام، احترام قائم على الانجاز الذي يقوم به الفرد، واحترام للفرد باعتباره انسان له قيمة ذاتية وغاية بذاته وليس كشيء.
اما الحجة الابستيمولوجية للمؤلف تقوم على ان احترام الذات يتطلب معرفة الذات، وان المعرفة الذاتية للكائن البشري تتطلب معرفة باناس اخرين. وكما يذكر"نحن لا يمكننا ان نكون من نحن كافراد لو لم نكن ككائنات انسانية". لذا اذا كان الانانيون عميان عن مكانة الاخرين كغايات، فهم يجب ان يكونوا عميان تجاه انفسهم ايضا. وبالتالي سيفتقرون للاعتراف باحترام الذات.
يميز الكاتب بين الانانيين من جهة وبين "الاخلاقيين" من جهة اخرى. الفريق الاول يعتقدون ان سعادتهم الخاصة بهم (او سعادة الناس الذين يهتمون بهم) هي الشيء الأعظم قيمة في الحياة وان الاخلاق عموما تتعارض مع سعادتهم، بينما الفريق الاخير يعتقد ان السعادة شيء والاخلاق شيء اخر، وعندما يتصادمان فان الاخلاق يجب ان تربح. كل من الانانيين والاخلاقيين يتصورون الاخلاق كتضحية فطرية لأجل الاخرين، والسعادة كأنانية فطرية، وهذا هو الجزء الاكبر من المشكلة. حتى عندما يعترف الاخلاقي كانط بالأهمية الاخلاقية لمواقف الاعتبار الذاتي مثل احترام الذات ويشجب الرغبة المفرطة بخدمة الآخرين، هو انما يضع اهمية احترام الذات في ضوء الحاجة الى العقلانية، بدلا من الحاجة الى السعادة. الاخلاق تبين لنا كيف نعيش حياة جيدة عبر تنسيق اهتماماتنا وافعالنا مع اهتمامات وافعال الاخرين، وعبر التوفيق بين الاعتبارات الاخرى واعتبار الذات، وهذا هو مصدر السلطة الاخلاقية.
في الفصل الثاني يواجه الكاتب لغز السعادة، وفكرة ان عمل اي شيء لأجل سعادة المرء الذاتية هي فكرة منهزمة لا تحقق النتيجة المرغوبة. هو يرى ان تلك الفكرة منهزمة ذاتيا لأن مثل هذا التركيز يصرفنا عن استثمار أنفسنا في مشاريع وعلاقات تجعلنا حقا سعداء، وهو الاستثمار الضروري للسعادة. المشكلة هي في اعتبار سعادتنا الشيء الاكثر قيمة في العالم، ولاشيء آخر له قيمة مستقلة عن سعادتنا. السعادة تتطلب ان نعيش الحياة مع الاعتراف بحقيقة ان الناس الآخرين لهم قيمة بذاتهم، قيمة مستقلة عن سعادتنا. ما يجعلنا سعداء حقيقين هو السعي الصحيح والفاضل للأشياء ذات القيمة الفطرية، والعلاقات الفاضلة مع الناس الخيرين. هذا السعي وهذه العلاقات يصبحان جزءا مكونا لسعادتنا. الناس الانانيون يفشلون في ان يكونوا سعداء لانهم "جزء غير اخلاقي وغير ملائم "لأنفسهم ولعوائلهم او لجماعتهم، ولديهم "ايمان زائف وتوقعات حول الكيفية التي يعيشون بها حياتهم بشكل جيد وبسعادة".
المؤلف يميز بين سعادتنا وبين الاشياء التي تجعلنا سعداء. هو يرى "لو نحن نستثمر انفسنا كليا بما يجعلنا سعداء، وقمنا باختيار الجيد في هذا المجال، عندئذ لا يوجد هناك سبب آخر يجعل حافزنا هو سعادتنا ذاتها. نحن نحتاج النظر بسعادتنا مرة ثانية فقط عندما نجد ان خيارنا الاول لم يجعلنا سعداء.
باختصار، نحن يجب ان لا يكون دافعنا هو السعادة لأن هذا غير منسجم مع حماسنا بالقيمة المتأصلة بالأشياء التي تجعلنا سعداء. هذا يثير سؤالين، الاول لماذا لانستطيع ان نكون متحفزين بالاشياء التي تجعلنا سعداء كغايات بذاتها وكوسائل؟ لو كنت احب الفلسفة لكني اخترت ان اكون مدرس رياضيات لأن راتبها افضل وان المردود الافضل هو وسيلة لسعادتي، فانا سأختار تدريس الرياضيات جزئيا لأسباب نفعية، واستمر في تدريسها جزئيا للأسباب ذاتها. ثانيا، لماذا لا يمكننا ان نتحفز بأشياء كغاية في ذاتها وايضا كجزء من سعادتنا؟ هناك العديد من الفعاليات والمشاريع ذات القيمة المتأصلة يمكن الاختيار منها، لكن الحكمة العملية تملي علينا ان نختار تلك التي تشكل عنصرا جزئيا لسعادتنا، ونستمر في الانخراط بها طالما هي جزء من سعادتنا. الكاتب لا يعطي سببا للاعتقاد بعدم استطاعتنا القيام بذلك.
هو يذكر "عندما يتحتم علينا الاختيار بين الاثنين، اي، السعادة وما يجعلنا سعداء، مثل اطفالنا، "نحن يجب اعتبار الاطفال اكثر اهمية من سعادتنا"، لأننا لو نستمر بالاعتقاد ان الاثنين متساويين في الاهمية، "فان بنائنا التحفيزي سوف يتمزق وسننتهي بإفساد سعادتنا".
تبرير (بلومفيلد) لعدم اختيار سعادتنا على الاطفال، هو لو اننا قمنا بذلك سننتهي بتعكير سعادتنا. لكن هذا ايضا يحتاج الى دليل. لاننا اذا اخترنا الاطفال على السعادة فنحن، حسب الافتراض، سنفسد سعادتنا ايضا.
في الفصل الثالث يطرح الكاتب ادعاءا قويا ضد اعتبار السعادة كهدف.هو يرى ان السعادة هي فقط نتيجة جانبية وغير مقصودة للعيش الفاضل. "الشيء الاكثر اهمية عند عمل القرارات العملية هو ليس ان نكون سعداء، وانما ان نكون فضلاء". لكن النتائج اللامقصودة وربما اللامرغوبة هي تشبه الدخان المتصاعد من حرق الفحم. لذا اذا كانت السعادة جانبية، فمن الصعب اعتبارها ذات قيمة، واذا كانت لها قيمة، فمن الصعب معرفة سبب تركها خارج اهتماماتنا ودوافعنا. لأننا وفق هذا التحليل سنرى الحوافز النفعية واللانفعية تحصل في وقت واحد.
وحول حب الناس ينصح الكاتب بانه بالرغم من ان حب الناس الجيدين يعطي مردودا، لكننا يجب ان لا نحبهم لأجل المكافأة بما في ذلك مكافأة الحب المتبادل. تبادل الحب هو ايضا نتيجة غير مقصودة للحب. لكن تبادل الحب هو اساس امتلاك علاقات ذات قيمة، وان الرغبة في ان تحب هي ضرورية لنمو الشعور والمحافظة على استمرارية العلاقة.
يختتم الكاتب كتابه بعرض نقاشات اصلية عن فضائل السعادة والشجاعة والاعتدال والحكمة العملية، ودورها في الحياة الجيدة. هو يعترف بان الفضائل متصلة مع بعضها، لكنه يرفض مذهب وحدة الفضيلة الذي يقول هناك فقط فضيلة واحدة هي الحكمة العملية. هو ايضا يعرض نقاشا ممتازا ضد الرواقية. مشيرا الى ان السعادة اذا كانت مشابهة للفضيلة، عندئذ حينما يقتل زلزال جميع الناس عدى الفرد الفاضل، فهو من غير المعقول ان يبقى سعيدا.
اضف تعليق