الكاتب يرى ان الفلسفة ذاتها اصبحت شيئا متطفلا على الفيزياء، وانها فقدت الاتصال بروحها الحيوية حينما حاولت الحفاظ على صلاحيتها المستمرة عبر دمج الاستنتاجات العلمية ضمن تفكيرها. الكاتب يرى ان هذا تطورا خطيرا. التقدم العلمي عادة يشجع التقدم التكنلوجي، وان التقدم التكنلوجي يشكّل تحدّيا بسبب الطريقة...
ربما تبدو الفلسفة كأنها اهتمام تخصصي لا تأثير له على حياتنا اليومية، لكن الكاتب ترتاجليا يعتقد عكس ذلك. هو يقول ان الفلسفة المادية هي التي دفعتنا وعلّمتنا للتحول من الآلهة والسعي لطلب المساعدة من الجبابرة، وبهذه الطريقة نكون قد أبطلنا اخلاق اليونان القديمة في استلهام بناء العالم التكنلوجي الحالي. وكنظام عقائدي لم يُفكّر به كثيرا، اصبحت المادية الآن هي الموجّه لعجلة التطور التكنلوجي.
في تركيزه على القيم المثالية المهملة في الفلسفة، يجادل الكاتب نحو طرق جديدة للنظر للواقع تؤكد على حريتنا في الاختيار والبناء على فهمنا اليومي العادي، والحرص على تحويل الابتكارات التكنلوجية الى عملية تخضع لقبول العقلانية العامة.
هل نحن مجرد بيدق شطرنج لا حول لنا ولا قوة في لعبة تجري دون ان يلعبها أحد، وهل نحن احرار في محاولة صنع المستقبل مسترشدين بقدراتنا في التفكير العقلاني؟ في مواجهتنا للأشياء، يبدو ان الموقف الاخير اكثر وضوحا. نحن نستطيع وضع خطة والقيام بكل ما نستطيع للوصول بتلك الخطة الى نتائج مثمرة. لكن هذا ليس التفسير الفيزيائي القدري في رؤيته للأشياء. في عالم صُنع من مادة، وحيث ان كل شيء هو تحت رحمة القوانين الفيزيائية، لاتبدو هناك فرصة للتفكير الحر، نحن لا قوة لنا في التأثير على تطور الاحداث. اذا كان كل شيء مادة عندئذ نحن غير مشتركين ولا دور لنا في العملية. الكاتب، يجادل بان هذا النوع من التفكير المادي الذي يؤمن بان العالم المادي هو الحقيقة الوحيدة، عمل الكثير لإخفاء فائدة الفلسفة كحقل مميز للحقيقة. هذا ترافق مع العداء الصريح الذي أظهره بعض الفيزيائيين تجاه الفلسفة. (الفلسفة ميتة، طبقا لستيفن هاوكنك).
الكاتب يرى ان الفلسفة ذاتها اصبحت شيئا متطفلا على الفيزياء، وانها فقدت الاتصال بروحها الحيوية حينما حاولت الحفاظ على صلاحيتها المستمرة عبر دمج الاستنتاجات العلمية ضمن تفكيرها. الكاتب يرى ان هذا تطورا خطيرا. التقدم العلمي عادة يشجع التقدم التكنلوجي، وان التقدم التكنلوجي يشكّل تحدّيا بسبب الطريقة التي يمكن ان تغير طريقتنا في الحياة، لذا سيكون جيدا ان نكون قادرين على التفكير المستقل في ذلك. فمثلا، بالنسبة للعديد منا، وقت العمل ووقت التسلية يستلزمان الجلوس امام الشاشة. الانترنيت جعل المحلات ودور السينما والمكتبات والصحف تجربة غير عادية بدلا من ان تكون حاجة ضرورية.
الكاتب يلاحظ ان هذه التغيرات حدثت لنا دون استشارات او موافقة، مع ذلك فان تأثير هذه "المشاريع الهندسية"(ص8) على الحياة سيكون عميقا. انه ليس متفائلا تكنلوجيا بل هو ايضا غير متشائم. الكتاب يسلط الضوء على العيوب كليهما في تحليل ملفت لكل من ستيفن بنكر و جون غراي. على خلاف اولئك، مثل بنكر، الذي يرى التكنلوجيا غير مؤهلة لجلب حياة افضل، او اولئك مثل غراي، الذي يعتقد ان التكنلوجيا يمكن ان تبلغ الامكانات القصوى لخط الشر الذي يتغلغل فينا جميعا، الكاتب يدرك ان التكنلوجيا لا جيدة كلها ولا سيئة كلها. مع ذلك هو ايضا يؤكد بانه اذا اخفقت التكنلوجيا فعلا، فان النتائج ستكون وخيمة. حسب رؤيته، رقابة الجماهير الواسعة للتكنلوجيا هي عنصر هام في تجنب مستقبل مروع.
صورة تهكمية لمثل هكذا مستقبل عُرضت في القسم الاخير من الكتاب: "يوتوبيا". اذا كانت التكنلوجيا ستغير طريقتنا في الحياة، نحن يجب ان نضمن انها تقوم بهذا بالطرق التي نريدها. يجب ان نقرر أي المشاريع يجب ان تنطلق الى الامام وأي منها تُترك. باختصار، التطور التكنلوجي يحتاج دواءً قويا من العقلانية الاخلاقية.
ما هي أفضل طريقة للتعامل مع هذا؟
الكاتب يعرض اقتراحين هامين لحل المشكلة، احدهما عملي والآخر نظري. الاول هو تشجيع التفكير الفلسفي عبر اضافة الفلسفة الى منهاج المدرسة. انه من الصعب ان لا نتفق مع هذا. أجيال المستقبل ستتأثر حياتها كثيرا بالتغير التكنلوجي، لذا من الأحسن ان تستعد تلك الاجيال للتعامل مع ذلك العالم بذهن نقدي واسع الافق. التعليم الفلسفي يمكن تربيته وتنشئته. عندما تتسلح اجيال المستقبل بهذا ستكون قادرة على الحفاظ على درجة من الحذر والحكم الجيد على التقدم التكنلوجي، لتضمن ان التقدم يخدمنا بدلا من تهديدنا.
اقتراحه الثاني هو رفض التفكير المادي الذي وضع الفلسفة في مقام أدنى منذ أول وهلة. الكاتب يوضح انه على الرغم من انه كان ذاته ماديا، لكنه اصبح مثاليا. على خلاف المادية التي تعتقد ان الحقيقة الجوهرية يُعبّر عنها على أحس وجه بمعادلات فيزيائية، نجد المثالية تؤمن ان "حياتنا الذهنية الباطنية توفر أفضل نموذج لفهم الطبيعة النهائية للواقع" (ص31). بالنسبة للمثالي، العالم الخارجي يشبه عوالمنا الداخلية.
البعض ربما ينتقد هذا الموقف باعتباره موقف صوفي في طبيعته، هم ربما يتسائلون "هل الأذهان توجد طافية مسترخية في العالم؟"."كيف يمكن لتلك التجربة ان توجد خارج الأدمغة؟" وكما يعلن الكاتب ببراعة، هذا الخط من التفكير يحتفظ بلوازمه المادية – مثل هذه الاسئلة تكون شائكة فقط اذا كنت سلفا تعمل ضمن تصوّر مادي للعالم. هو يجادل انه عندما يتخلص شخص ما من هذه اللوازم، هو يمكن ان يأتي ليرى ان تجربتنا المباشرة هي الواقع الاساسي، وليس الجسيمات او القوى او الحقول. حسب رؤية الكاتب، الاعتقاد بان المكونات الفيزيائية للعالم كحقيقة اساسية يشجع خنوع الفلسفة للعلم الفيزيائي من خلال المادية.
الكتاب يناقش قضايا الوعي والحتمية والهوية الفردية وثقافة ما بعد الحقيقة وألعاب الفيديو. الكاتب يبدو يستمتع بفرصة تحدّي افكارنا، وكيف نعتقد اننا نعرف ما نظن اننا نعرف. اذا كان هو صائبا بأن هيمنة المادية بدأت تنحسر (وهو ربما صحيح)، عندئذ فان (الفلسفة في عالم تكنلوجي) هو بلا شك تمهيد مفيد لما يأتي. الكتاب سيكون مفيدا خصيصا لاولئك المنزعجين من ميوله المثالية. في الكتاب الكثير مما يغيّر الذهن.
اضف تعليق