الكتاب يعتبر دليلا مهما في فقه وإدارة الأولويات ومقاربة التحديات وإصلاح الأساليب والمناهج المرتبطة بقضية القضايا وعنوان الوعي الإسلامي المتجدد \"النهضة الحسينية\"، حيث رسم بوعي العالم ولغة المفكر وتطلع المسلم المنفتح على الأهداف الحسينية الأساسية والخالدة عشرة ركائز صممها كخريطة طريق لمراجعة المسار وتصحيح الرؤية والاجتهاد...
بقلم: أ.عبد الحميد الحسني-كاتب من المغرب
في جميع ميادين الحياة المعاصرة، يمثل الإعلام معامل رئيسي في نجاح أي مشروع أو رواج أية فكرة أو سلعة أو قضية من القضايا التي يريد أصحابها لها الانتشار والقبول والاستحسان والإقبال، وليس جديدا أمر الإعلام بل هو القديم المتجدد عبر الأزمان والثقافات والحضارات لأنه لسان كل رسالة إنسانية أو قضية مصيرية أو مشروع تجديدي أو تغييري.
ولأهميته البالغة لا يخلو أي مقصد من مقاصد بني البشر في جل حقول الحياة من الدين إلى السياسة فالاجتماع والاقتصاد والفن والعلوم والثقافة عامة يعتبر الإعلام الناطق الرسمي والأساسي في إدارة الأولويات ومقاربة التطلعات ورسم التحديات في كلا النجدين اما سلبيا أو إيجابيا، وذلك مرده ليس لأصالة القضية وصحتها فقط ولكن مدى مصداقية وواقعية القيم في تحريك الإعلام لتلك القضية، ونظرا لتعدد القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة في راهننا الثقافي الإسلامي العام والتي لا تزال تفتقر لعنصر الإعلام الحضاري المناسب، خطت أنامل العلامة المفكر الإسلامي سماحة الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني حفظه الله، خلال موسم عاشوراء أبي عبد الله الحسين عليه السلام هذا العام ١٤٤٢هجري، بعنوان: "ميثاق في عشر ركائز: لصناعة الإعلام الحسيني الافضل ورقي الأداء (معا فلنصنع الإعلام الحسيني الأقوى)" في أكثر من ١٥٠ صفحة من القطع المتوسط الناشر دار المحجة البيضاء بالتعاون مع مكتب سماحة العلامة المهتدي.
الكتاب يعتبر دليلا مهما في فقه وإدارة الأولويات ومقاربة التحديات وإصلاح الأساليب والمناهج المرتبطة بقضية القضايا وعنوان الوعي الإسلامي المتجدد "النهضة الحسينية"، حيث رسم بوعي العالم ولغة المفكر وتطلع المسلم المنفتح على الأهداف الحسينية الأساسية والخالدة عشرة ركائز صممها كخريطة طريق لمراجعة المسار وتصحيح الرؤية والاجتهاد في استدراك التأخر مع الحفاظ على المستدرك فيما يرتبط بحقل الإعلام الحسيني.
قبل الخوض في غمار هذه الرسالة الحية لابد من لفت الانتباه في ثلاث ملاحظات:
1) كيفما كانت رؤيتك للقضية الحسينية، تجد في هذه الركائز لا محالة معلومات مستفيضة عن كل الآفاق والأبعاد والتطلعات والاولويات، من الفكرة للخطاب فالإدارة الى التصور ثم الرؤية والتطلع، من الواقع الى الواجب.
2) الكتاب بالمعنى التنويري العام هو بمثابة سبق معرفي في تأصيل الاعلام الشعائري انطلاقا من اعتماد مفهوم التنمية الثقافية على ضوء المنهج القرآني والعتروي الاصيل في قراءة ومراجعة وتقييم الأدوار والأهداف وتصحيح المسارات وتجديد الوسائل وتنزيه المعادن.
3) من وجهة نظر ثقافية بوصفه مقاربة منهجية للتمثل في الصورة الرسالية لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام كافة والقضية الحسينية على وجه الخصوص حيث التفاعل والتزاحم والتسابق والتصادم واردة بين تعدد الآراء وتفاوت التجارب وتفاضل الأفهام، في ادراك، الركائز التي يعالجها الكتاب وبالتالي مدى تأثير الخلفيات المعرفية والثقافية في وحدة الهدف.
ما استخلصته من الكتاب يتحدد في عشرة نقاط تفتح بعض آفاق مضمونه ورسائل المؤلف الضمنية:
1. يطمح الكتاب، منذ البدء، في البحث عن المعوقات الجوهرية والأساسية في معادلة الإعلام الحسيني بكل معطياتها الفنية والرمزية والثقافية والعملية والإدارية والاجتماعية لتحديد طرق العلاج واستراتيجياته مع ختام كل ركيزة، لتشكل مقاربات نقدية ترسم ملامح خريطة طريق التفعيل الإعلامي لآفاق القضية الحسينية في الزمن المعاصر وتحدياته المتعددة..
2. إن أطروحة العلامة المهتدي تعكس ثقافة إسناد لكل المعنيين في الركائز أكثر من كونها فعلا نقديا للآخر، بل هي أضواء وعظية وتحفيزية مع تحليلات ثقافية تعمل على فضح الأنساق السلبية والأساليب الخاطئة والأخلاق الضيقة التي تحكم التمثلات والنظرات والمناهج والغايات في مضمار خدمة القضايا الحسينية إعلاميا، أما المقصد العام بحسب استيعابي لمضامين الكتاب تأسيس تجديد تفاعلي متكافئ بين شركاء الإعلام الحسيني، وهو ما يجعل الكتاب منخرطا في روح تجديد العمل الحسيني المعاصر.
3. وإذا كان العلامة المهتدي قد أورد عشرة ركائز لتحديد "ماهية الإعلام الحسيني" فإنه لا يفترض محدوديتها، بل يدلل على مدى انصهارها مجتمعة عبر تصوره المنهجي العام المنطلق من قاعدة وحدة الهدف وتعدد الأدوار، وحدة رسالية تميز الفكر والخطاب والحركة والتطلع وتؤشر على وحدة مدلول الولاء في النهج الحسيني.
4. لقد وقف المؤلف عند ثلاثة عناصر كبرى، يعتبرها لازمة جوهرية لمعظم الركائز العشرة التي حللها وناقشها وسبر أغوارها وعالج تفاعلاتها في الواقع الاحيائي الراهن، ليتلمس من خلالها بعض مظاهر المقومات (الشكل والمضمون) التي تطبع هذه الركائز:
1) الوعي،
2) الحكمة،
3) المسؤولية.
كلها حاضرة بقوة لرفد التطوير وتجاوز التكبيل في المعطى والمبنى والمرتجى في الإعلام الحسيني الأقوى.
5. وباعتبار الكتاب ميثاق عمل، فإنه الغالب بين ثناياه "الصفات الخلقية والقواعد السلوكية اللازم على المتصدي للإعلام الحسيني الاهتداء بها، تحقيقاً لهدف مركزي يتمثل في إحياء أمر الاسلام المحمدي وتقوية دعائمه.
6. بالرغم من التباين والتفاضل الثقافي لمواضيع الركائز وتنوع الوظائف واختلاف المناهج والوسائل، فإن ذلك لم يؤثر كثيراً في تقعيد وتأصيل ماهية تمثل الدور الإعلامي الحسيني، حيث تذوب كل الخصوصيات والذاتيات والمراتب المعرفية والاجتماعية والأخلاقية في خدمة هذا الهدف (اعلام حسيني أقوى)، من هنا، يبدوكما لو أن الركائز مكمن "تكامل المهام والأدوار والأهداف الذاتية الصغرى".
7. يركز المؤلف العلامة مع كل ركيزة على ثلاث قضايا كبرى، يعتبرها أساسية لفهم ماهية الميثاق:
• محددات القصور
• أسباب القصور
• معالم العلاج ومنطلقاته
8. بعد أن يتنقل في أقاليم الإعلام الحسيني، وبعد أن يحفر في الجذور المؤسسة لهذا التحدي، يشرع سماحة الشيخ عبد العظيم المهتدي في إقامة معماره التطويري من جماع الأسس التاريخية والمناهج القوية والبصائر الثقلية العظيمة. ويتخذ من صور الشموخ الزيني والنهوض السجادي الرائدين في مقياس الإعلام الحسيني الأقوى مرجعا أساسيا واستراتيجيا على طول وعرض الإحياء الرسالي لقضايا الإسلام الأصيل.
9. يعد جهد العلامة المهتدي في هذا المضمار عملاً تجديديا بإمتياز، بل إنه مغامرة إصلاحية لا تتأتى إلا لنفر قليل من العلماء الذين يواكبوا سياقاتهم الفكرية والعملية بعجلة التحولات القيمية المأمولة في واقع مجتمعاتهم وتحت لواء المبادئ الإسلامية الخالدة.
10. تكمن القيمة الاستراتيجية للكتاب، في كون التحدي الإعلامي الخاص بالقضية الحسينية تحد وجودي، لا مكان فيه للمساومات أو التّنازلات أو المنافسات والأهواء والانحرافات، في تدبير التحدي عبر التصدي لكل مشاريع التشويه والتفريط والتسقيط والتكفير والتحريف. لذلك وقف صاحب الكتاب العلامة المهتدي كعادته عند الاعتبارات التي تدعم هذه القيمة، منها خطورة موضوع الإعلام من حيث ملامسته للخطاب الشرعي وأسسه العلميّة ومدياته الإجتماعية، ومنها "عدم وضوح الرؤية وبيان التصوّر في عمليّة التطوير لتداخل المجالات واختلافها عن بعضها البعض من حيث الأسس والأدوات والأدوار وحسبانه موضوعاً حساسا من حيث معالجته ومنها أيضاً استناد المعرفة إلى مبادئ، ممّا يعني أنّ كلّ تغيّر يطرأ على هذه المبادئ والقواعد سينعكس ضرورة على مستقبل القضية الحسينية.
أختم بتنويه ضروري، إلى أنني تعمدت عدم عرض الركائز كي لا أحرم القارئ من متعة اكتشافها بتطور، وصولا إلى نتيجة جوهرية مفادها أن العلامة الشيخ عبد العظيم المهتدي اقتدر على جعل مشروع ميثاق تطوير الإعلام الحسيني فسحة نقدية رحبة، تفرض نفسها في كل الأبحاث التجديدية، خصوصاً في مجال تخصص فقه الإعلام كما أوصى به المجدد الشيرازي رضوان الله عليه، إذ حقق العلامة المهتدي قفزة نوعية في تفكيك مأزق الإعلام الحسيني بين الإشكالات والمشكلات في الدور والمنهج والتطلع، كما استهدف استنهاض همم الرساليين على حقيقة مفادها أن: قوة الإعلام الحسيني متوقفة على قوى الوعي القرآني والعتروي والعمل الصالح والصبر الجميل..
جماع القول صميم قوة طرح العلامة المهتدي يختصر في هذه المداخل الكبرى هي: زوايا النقد، ماهية الإعلام الرسالي، وعي الاجتماع الإسلامي، تجديد الخطاب الديني، وتأصيل التطوير.
اضف تعليق