التنظير حول الحرب يفتقر في أحيان كثيرة للإشارة الى دروس الحياة الواقعية. هذا بدوره يؤدي عادة الى نظريات في الحرب لا يمكن ان يستخدمها اصحاب القرار مباشرة في ساحة المعركة، والى أفكار اُزيلت حتى الان من خبرة الممارسين لدرجة انها جرى تجاهلها. ان تجاهل واقع...
الحرب هي ممارسة عنفية تتميز بخرق المعايير الأخلاقية العادية. مع ذلك، وعلى مر التاريخ نجد مواقف يتجاهل فيها الأعداء كما يبدو ما تتطلّبه منهم الحرب فيتعاونون مع بعضهم البعض حتى لو كان هذا التعاون ضد مصلحتهم احيانا. في هذا الكتاب، تفحص الكاتبة Yvonne Chiu هذه الظاهرة.
ان التنظير حول الحرب يفتقر في أحيان كثيرة للإشارة الى دروس الحياة الواقعية. هذا بدوره يؤدي عادة الى نظريات في الحرب لا يمكن ان يستخدمها اصحاب القرار مباشرة في ساحة المعركة، والى أفكار اُزيلت حتى الان من خبرة الممارسين لدرجة انها جرى تجاهلها. ان تجاهل واقع الحرب ايضا يقود عادة الى غموض (نقطة عمياء) بشأن مجموعة كاملة من الأسئلة الأخلاقية حول الحرب، مثل اخلاق التعاون في الحرب. توضيح الكاتبة لأخلاق التعاون في الحرب هو مستوحى بعناية من أمثلة الحياة الواقعية التي تمتد للآلاف السنين. هي تعالج عددا من الأسئلة حول التعاون الاخلاقي في الحرب، وهي تقصر موضوع التعاون فقط في الحرب بدلا من التضمين الكبير لنطاق واسع من الاستثناءات لوحشية الحرب (XII).
في الفصل الاول، تناقش الكاتبة نطاقا من الموضوعات في محاولة لتوضيح خلفية فكرية لمشروعها الفلسفي والميداني. هذا يتضمن عقد مقارنات مع النظرية التطورية، الاتجاهات النظرية للمباراة، التأثير القانوني للتعاون في الحرب، وإضفاء الطابع الرسمي على التعاون في الحرب على شكل قوانين الانسانية الدولية. اساسا، تعرض الكاتبة تعريفا عمليا للتعاون. هي ترفض الاتجاه النظري الخالص للتعاون لأنها ترى ان مثل هذا الاتجاه يتجاهل مواقف التعاون المقررة ذاتيا والمتحفزة بالفضيلة والتضحية. هي بدلا من ذلك تعرض تعريفا واسعا للتعاون مع العدو في مسعى للحصول على سمات مشتركة ضمن نطاق من فعاليات الحرب التي تعمل بالضد من الوحشية في الحرب. التعاون وفق ذلك الفهم، يتضمن حالات يُرى فيها طرفا متعاونا(سواء عمل الآخر ذلك ام لم يعمل)، بالإضافة الى حالات من العمل المشترك مع الاخرين "بقصد انجاز غاية مفيدة لشخص ما"(21). بالنهاية، التعاون بالنسبة للكاتبة لا يتطلب "الاتصالات، التخطيط، المشاعر الايجابية، تقاسم الأهداف، او حتى محصلات مفيدة متبادلة، ولا يستبعد الحوافز السخيفة"(22-23). ان النية التعاونية المفهومة على نطاق واسع هي كل ما هو مطلوب لإنتقاء الحالات التي تستحق التحليل حسب الكاتبة. مع هذا الفهم للتعاون، تركز الكاتبة في المتبقي من الكتاب على ثلاثة انواع من التعاون رُتبت وفق أهدافها.
في الفصل الثاني، هي تناقش التعاون لأجل القتال العادل، في الفصل الثالث، تناقش التعاون لتقليل الضرر على صنف معين من الناس، وفي الفصل الرابع التعاون لإنهاء الحرب بسرعة بهدف تقليل الضرر الكلي. هي تفحص كيف ان اخلاق التعاون المؤطرة لهذه الانواع من التعاون أثّرت على الحرب بشكل عام وهي ترى ان النوعين الاول والثاني من التعاون ربما حقا يُضعفان الأهداف الاساسية للحرب.
في الفصل الثاني، تناقش الكاتبة ان التكافؤ في المخاطرة والفرصة ونوع الفكرة الاجرائية والرياضية للعدالة هو احسن الطرق لتوضيح اخلاق التعاون من اجل جعل الحرب قتالا عادلا. هي ايضا تناقش الطرق التي تتجسد بها فكرة التعاون لأجل القتال العادل في رموز شرف المحارب والمهنية بالاضافة الى بعض المحظورات وفي الخداع سواء قبل الحرب او خلالها. التوتر الهام الذي يبرز من هذا النقاش هو احتمال اطالة أمد الحرب وهو ما يؤذي الآخرين والذي هو محصلة لإعتماد التعاون لأجل القتال العادل.
في الفصل الثالث، تنظر الكاتبة في التعاون مع العدو لتقليل الأذى لصنف معين من الناس (المدنيين). هذا يتضمن مناقشة كيف ولماذا تاريخيا تقود أخلاق التعاون، القوانين الانسانية الدولية التي تتطلب التمييز في المعاملة، وهي صُممت لتقليل الأذى على المدنيين – بما فيها القوانين التي تحكم ارتداء الزي الموحد، والتعامل مع الأسرى، وتحريم الاسلحة. وكما في الفصل الثاني، هنا تناقش الكاتبة ليس فقط المحصلة الايجابية لأخلاق التعاون نحو تقليل الأذى على المدنيين (عبر تعزيز قواعد لحماية غير المقاتلين)، وانما ايضا تعترف بان القتال احيانا بهذه الطريقة قد يجعل الحرب تستمر أطول ومن ثم اكثر ضررا.
في الفصل الرابع، تناقش الكاتبة حالة التعاون لإنهاء الحرب. في عدة طرق، هذا هو المحور الاساسي للكتاب، لأنها تبدأ هنا ببناء جدال للادّعاء بان التعاون لإنهاء الحرب بسرعة ربما يُفضل على التعاون لأجل القتال العادل او تقليل الأذى على المدنيين. هي تعترف بان حالات التعاون لإنهاء الحرب هي قليلة ومتباعدة وتعود الى الماضي البعيد، ولكن مع ذلك هي تعتقد اننا يجب ان ننظر في حالات التعاون لإنهاء الحرب بسرعة.
في الفصول الثلاثة الأخيرة، تستمر الكاتبة في فحص هذه الأنواع الثلاثة للتعاون. هي تعترف انه في العديد من الحالات التي تناقشها ربما تبدو متباينة، ولكن مع ذلك هي ترى ان الطريقة التي تتفاعل بها هذه الاخلاقيات من التعاون والطرق التي يتم بها ابلاغ مختلف القواعد والمعايير من الحرب (بما فيها القواعد العادلة للحرب والقانون الدولي) هي هامة وتكشف بعض العيوب الخطيرة في المحاولات الانسانية لتجنب اسوأ أضرار الحرب.
في الفصل الخامس، تفحص الكاتبة التشابه والاختلاف والتوترات بين ثلاثة أشكال من أخلاق التعاون. هي ايضا تغوص عميقا في عالم النتائج غير المقصودة للتعاون، خاصة التعاون لأجل القتال العادل وتقليل الأذى على جماعات الناس. هي تجادل بأن كل من أخلاق التعاون هذه يمكنها أحيانا ان تجعل من الصعب الفوز بالحرب، وهو ما يدفع الكاتبة الى ان "تتحقق من العلاقات الملائمة لتلك الاشكال من التعاون مع هدف الحرب ذاتها (للتوصل الى تسوية سياسية أو قرارا عادلا)"(162).
الشكل الثاني للتعاون من بين الاثنين، هو ما يسمى اخلاق الحماية "protective ethics" لتقليل الأذى على بعض الجماعات اثناء الحرب، وترى الكاتبة ان هذه الاخلاق تتعارض احيانا مع الهدف المقصود منها.
في الفصل السادس، تنظر الكاتبة في العلاقة بين اخلاق التعاون و المبادئ الاخرى للحرب خاصة مبادئ الحرب العادلة ومبادئ القانون الدولي. هي تجادل بان البنية الفوقية للحرب الحديثة يتم ابلاغها عبر اخلاق التعاون لأن اخلاق التعاون:
1- توضح الطبيعة السياسية للحرب
2- توضح التأكيد الاحادي النظرة للمجموعة الدولية على قواعد الحرب just in bello
3- يمكن ان توضح الطريقة التي تعمل بها الدول مجتمعة لتعريف الشرعية في الحرب (193).
رغم مناقشة الكاتبة للنقطة 2 فهي تستمر للدفع بالاقتراح اننا يجب ان نعيد النظر بجدية في عناصر القتال العادل و"اخلاق الحماية" المتعلقة بمعايير الحرب (وبالخصوص تجسيداتها في القانون الدولي) وبدلا من ذلك نحاول التركيز على اخلاق التعاون لإنهاء الحرب بسرعة والدور الذي يمكن ان تلعبه في هيكلة الحرب في المقام الاول.
اخيرا، في الفصل السابع، تستطلع الكاتبة الدروس المكتسبة من تحليلها لأخلاق التعاون. كونها جادلت بان اخلاق التعاون تقود معايير اساسية في الحرب (مبادئ الحرب العادلة والمعايير الدولية بالإضافة الى تركيزها المتزايد على قواعد الحرب)، هي ترى بان هذا يوضح لماذا حصل تقدم قليل جدا في "الوظيفة الجوهرية للحرب.. في الوصول الى محصلة عادلة او "صحيحة" تتجاوز التسوية المؤقتة"(234). هي تجادل بان هذا جزئيا، بسبب ان اخلاق التعاون لأجل "القتال العادل" و"اخلاق الحماية" وجدت طريقها للقانون الدولي – بالشكل الذي اطال امد الحرب وجعلها اكثر ايذاءً.
الكاتبة تحلل مختلف الخصائص المتباينة للحرب بما فيها العدالة في القتال والمهنية وتحريم الاسلحة ومبادئ التمييز ضد الاخر والهدنة والحصار والمبارزات وغيرها، ومحاولات ربط هذه العناصر المتغيرة للحرب ومبادئ الحرب مع اخلاق التعاون. في بعض الاوقات هذا يقود الى رؤى جديدة، ولكن عبر اجبار جميع تلك العناصر ضمن اطار من اخلاق التعاون وعبر تحليلها كلها من خلال نفس العدسة، فهي تبدو كأنها تشوه بعض العناصر الاساسية لتلك الظواهر حين تنتج اطارا ينفجر عند خطوط اللحام محاولا استيعاب الكثير.
هذا ربما نتيجة الطريقة التي تتصورها الكاتبة للتعاون. هي تتعامل مع سؤال اخلاق التعاون عبر الانشغال في عملية ديالكتيكية بين النظرية والتطبيق.في ضوء هذا، فمن المعقول جدا انها لاتوفر لنا تفسيرا عمليا مستقلا للتعاون، اي، في عدة طرق ان عدم وجود تفسير ذو تنظير عالي للتعاون في الكتاب هو منتج ثانوي صحي للاتجاه الذي سلكته الكاتبة.
التساؤل المتبقي هو ما الذي يجلب جميع الامثلة وانواع التعاون التي ناقشتها الكاتبة لتأتي مجتمعة. مع ان الكاتبة اعطيت فسحة لتطور التفسير والمفهوم من خلال الامثلة والديالكتيكية في التطبيق، مع ذلك، المفهوم في النهاية يحتاج ان يكون اكثر وضوحا. الكاتبة توضح العديد من نقاطها العامة حول التعاون في الحرب مدعمة بالامثلة، لكننا لم نحصل ابدا على حجج توضح لماذا يجب علينا التفكير بالتعاون وفق المعنى لديها بدلا من آخر. فمثلا، هناك العديد من الامثلة عن الجنود في خنادق الحرب العالمية الاولى يرفضون اطلاق النار على جنود العدو لأجل سيكارة، او على شخص لا يرتدي الملابس، او على شخص لايعي الخطر. هذه الامثلة التي هي تعتبرها "تعاونا" عادة تبدو حالات بسيطة من الرحمة والتعاطف والانسانية. يُترك المرء مع انطباع انها تعتقد ان عدم التورط في العنف المستوفي لأسبابه، يعني حالة من التعاون.
في الحقيقة، تقترح الكاتبة ان "مجموع الاستثناءات في وحشية الحرب هي اكثر من الأجزاء المكونة لها، وانها تُضاف الى أخلاق التعاون بين الأعداء المتحاربين"(XII). في الحقيقة ان العديد من هذه الحالات التي تتحفز بدافع تعاوني هي عالية المعقولية. كذلك الادّعاء بان جميع حالات عدم اختيار التورط في وحشية الحرب التي تشترك ببعض السمات هو امر غير مدهش. لكن محاولة الادّعاء بان هذه المجموعة الفرعية الصغيرة من الخصائص المشتركة (التي تشترك بها كل تلك الحالات) هي نوعا ما قادرة على توضيح معظم وليس كل المبادئ والمعايير التي ترشد الحرب والبنية الفوقية لها، انما هو امر مقلق كثيرا.
احدى الادّعاءات الاساسية للكاتبة هي ان التعاون لكي يقلل الأذى على المدنيين قد يجعل الحرب اكثر فتكا وأشد ضررا. هي ترى ان "اخلاق الحماية" للتعاون هذه قادت المجموعة الدولية للتركيز المفرط على القواعد التي تحكم كيفية خوض الحروب (قواعد الحروب) والى القليل من التركيز على لماذا وكيف نبدأ الحروب "قواعد الحق في شن الحروب". لكن كما ذكرنا آنفا، ان محاولة توضيح معايير الحرب ومكانتها الحالية بشكل رئيسي عبر الاشارة الى أخلاق التعاون قد يقود المرء الى عدم فهم القوى الرئيسية الكامنة وراء هذه المعايير. خاصة عندما نأتي الى قواعد الحرب.
شهرة هذه القواعد وتأكيد المجموعة الدولية عليها انما يتقرر:
بـ 1- بحقيقة ان قواعد الحرب بما فيها التمييز والتناسب وتماثل الضرورة هي معايير محلية متأسسة جيدا، و 2- حقيقة ان قوانين حقوق الانسان الدولية كانت تتسلل وتقود الى إعادة تفسير القوانين الانسانية الدولية (بطريقة تضع الاهتمام على حقوق الافراد). كل من هذه القوى لعبت دورا هاما في الكيفية التي نشأت بها قواعد الحرب وفي سبب التركيز الاساسي للمجموعة الدولية عليها عندما تأتي للحرب. حالما يعترف الفرد بهذه القوى الرائدة، فان الكاتبة لديها اكثر من سبب للاعتقاد والقبول بان قيمة قوانين الحرب تتمدد الى ما وراء حماية الحياة في الحرب ويمكن ان تلعب دورا هاما في تأسيس معايير صلبة تحمي الحياة في نطاق واسع من الظروف.
اذا كان الامر كذلك، عندئذ حتى لو ان الكاتبة صحيحة في الاعتقاد ان أخلاق التعاون لحماية المدنيين ربما تقود الى حروب اكثر ضررا، نحن لانزال لدينا سبب جيد للإيمان بهذه الاخلاق وتعزيزها طالما انها تسبب أقل ضررا على المستوى الكلي. كتاب Chiu يوفر جدالا أصليا ورؤية ثاقبة مدعمة بتوضيحات تاريخية قوية. قيمته بالذات هو انه يعيد هيكلة ويلقي ضوء جديد على موضوعات نعتقد اننا سلفا فهمناها، الكتاب بلا شك يوفر اطارا جديدا لإعادة فحص تلك المواضيع.
اضف تعليق