تقترب الحملة العسكرية السعودية ضد اليمن من اتمام عامها الثاني، من دون ان تحقق اهدافها التي تمثلت بمحاولة استعادة السيطرة على العاصمة صنعاء واعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي الى الحكم الذي استولت عليه حركة انصار الله الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
ومنذ بداية الحرب السعودية كانت ملامح الفشل بادية على "عاصفة الحزم"، كونها لم تنطلق من خطة مدروسة واعتمدت على رد الفعل وابراز العضلات من قبل السعودية ضد ايران بعد ابرام صفقة الاتفاق النووي بشكل مبدئي في ذلك الحين، فضلا عن ان الملك الجديد في حينها سلمان بن عبد العزيز وابنه نائب ولي العهد محمد بن سلمان ارادا ايصال رسالة الى ايران ان عصرا جديدا من العلاقات يسوده المعاملة بالمثل تحت شعار "الحزم".
لكن ايران التي كانت تخطط لسنوات والزحف بهدوء لتوسيع نفوذها لا يمكن مواجهتها بخطة تعتمد على رد الفعل واثارة الجمهور الداخلي او العربي والاقليمي، فالحرب ليست بهذه السهولة اذا ما اخذنا في الحسبان ان الرياض لم يكن لها سجل في خوض الحروب، والنتيجة كانت واضحة ان غرق التحالف العربي والدول الراعية له في اليمن من دون اي افق لتحقيق النصر او حتى ايقاف الحرب بما يحفظ ماء الوجه، فأصبحت الحرب مزمنة والعلاج صعب المنال.
الحليف الامريكي الذي خذل الرياض خلال مجمل فترة حكم الرئيس باراك اوباما واثناء عاصفة الحزم التي اعلن عنها من واشنطن! يعود اليوم من بوابة الوافد الجديد لعالم السياسة والحروب دونالد ترامب، وظهرت اولى بوادر استعادة العافية للحلف القديم بعد المكالمة الهاتفية التي اجراها ترامب مع العاهل السعودي التي استمرت لمدة43 دقيقة، وتبعها موقف الرياض المدافع عن قرارات الرئيس الامريكي تجاه المسلمين.
الادارة الامريكية القت جام غضبها على ايران وفرضت عقوبات جديدة عليها بسبب اجراء تجربة صاروخية فاشلة، لكن ما يهم السعودية هو انقاذها من حرب الاستنزاف اليمنية اولا من اجل ان تتفرغ للمواجهة في الجبهات الاخرى، وفي هذا السياق نقلت مجلة فورين بوليسي عن مصدرٌ يُسدي المشورة لفريق الأمن القومي لترامب قوله إنَّ "هناك رغبة في دراسة إجراءاتٍ قوية للغاية للتصدّي" لإيران في اليمن داخل الإدارة. وقال المصدر، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأنَّه لم يُصرَّح له من قِبَل البيت الأبيض بالتعليق، إنَّه "بالنظر إلى الخطاب العام والمداولات الخاصة داخل البيت الأبيض، فإنَّ الولايات المتحدة قد تصبح أكثر انخراطاً بصورةٍ مباشرة في محاربة الحوثيين" إلى جانب الحلفاء السعوديين والإماراتيين.
وقد دشنت واشنطن رغبتها في الانخراط في الساحة اليمينة من خلال ارسال المدمرة "كول" الى مضيق باب المندب لمواجهة الحوثيين بعد تفجير فرقاطة سعودية، فضلا عن قيام الجيش الامريكي بعمليات ضد القاعدة في جنوب اليمن.
هذا الانخراط الامريكي في الميدان اليمني يعود لسببين: الاول هو محاولة ابراز العضلات من قبل الادارة الامريكية الجديدة المتحمسة لتقويض النفوذ الايراني في منطقة الشرق الاوسط. والثاني هو جزء من الالتزام الجديد تجاه السعودية التي يتوقع انها خصصت الكثير من الاموال لإرضاء دونالد ترامب، وهو ما اكده وزير البترول السعودي خالد الفالح الذي قال فيه ان بلاده قد تزيد استثماراتها في قطاعات النفط والغاز الامريكية تأييدا لسياسة الطاقة لإدارة الرئيس ترامب والتي تعتمد على الوقود "الاحفوري".
الثابت ان هناك توجها امريكيا لتعزيز التحالف مع السعودية يجمعه رابط المال والعداء لايران، والانخراط الاكبر في اليمن سوف يكون بوابة لهذا التوجه، الا ان هذا التحالف قد اختار الميدان الخطأ فاليمن عصية على الحل في الوقت الذي يبحث الطرفان (السعودي والايراني) عن انجاز ليوازي الانجازات الروسية والايرانية في الميادين الاخرى وخاصة في سوريا، وتعدد الفاعلين والقوى المؤثرة في اليمن تجعل الحل بعيد المنال لا سيما مع تكرار نفس الاخطاء السابقة من خلال المقاربة العسكرية.
اليمن تحكمها العشائر وتتداخل معها التنظيمات المسلحة بمختلف تسمياتها (جماعة انصار الله الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح من جهة، وحكومة الرئيس المدعوم خليجيا من جهة خرى) وفي الجبهتين خلاف صفري الغائي، فكل طرف يريد الغاء الاخر تحت مسمى الشرعية، وفي هذه الاجواء يصعب فرض الحل بالطرق العسكرية مع توازي قوة الطرفين، يضاف الى هذا وجود تنظيم القاعدة وداعش في الجنوب اليمني التي تسيطر على مساحات واسعة، اما الاوضاع العشائرية والخلافات الدائرة بينها والثارات التي ازدادات نتيجة الحرب المتواصلة فهي تزيد من غلة الفشل. والمفاوضات التي رعاها المبعوث الاممي اسماعيل ولد الشيخ احمد كانت ضحية التعقيدات المذكورة.
الادارة الامريكية الجديدة تنظر لليمن بانها ساحة لإظهار حزمها ضد ايران والجماعات الارهابية معا (كالقاعدة وداعش)، الا ان المقاربة العسكرية التي اختارتها غير موفقة بسبب تعقيدات الملف اليمني وكثرة الاطراف الفاعلة فيه والمصالح المتناقضة بين الكيانات المختلفة وفي داخل تلك الكيانات ايضا. وفي ظل هذا الوضع ومع حتمية الفشل الامريكي سوف يبقى الشعب اليمني هو المتضرر الاكبر من غياب الاستراتيجية الواضحة للوصول الى حل جدي وجذري بعيدا عن المصالح الاقليمية والدولية.
اضف تعليق