توفي رئيس إيران الاسبق (علي اكبر هاشمي رفسنجاني)، في يوم الأحد 8 كانون الثاني عام 2016، عن عمر ناهز 83 عاما، بسبب أزمة قلبية حسب تقارير الحكومة الإيرانية، وكان يشغل عند وفاته منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، وقد قضى حياته في النضال ضد نظام الشاه محمد بهلوي، وسجن عدة مرات، وبعد الثورة الإيرانية واستلام آية الله الخميني لمقاليد السلطة في إيران، أصبح (رفسنجاني) احد قادة الثورة الإيرانية الكبار، واستلم عدة مناصب منها وزيرا للداخلية في حكومة مهدي بزركان، ورئيس مجلس الشورى الإسلامي لدورتين حتى عام 1989، ثم رئيسا للجمهورية لدورتين حتى عام 1997، بعدها استلم رئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام لعدة مرات، ودور المجلس هو حل الخلافات بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور، ثم أصبح عضوا في مجلس خبراء القيادة عام 2007، ثم ترأسه لغاية 2011، بعدها أصبح رئيس لمجلس تشخيص مصلحة النظام مرة أخرى لغاية وفاته 2017.
كان له دور كبير في الثورة الإيرانية وفي معارضة الشاه بهلوي، وبعد نفي آية الله الخميني عام 1962، أصبح رفسنجاني رجل الثورة الأول داخل إيران، وكان دوره يقوم على جمع الأموال للمساهمة في دعم الثورة الإيرانية، وبعد الثورة تقلد عدة مناصب مهمة في إيران.
كان له دورا كبيرا في إجراء اتصالات مع أمريكا عام 1986، من اجل الحصول على الأسلحة أمريكية وقطع غيار لطائرات إيرانية، وعرفت القضية حينها بإيران–غيت، كذلك كان له دورا في إقناع آية الله الخميني عام 1988، بإيقاف الحرب مع العراق وذلك بعد إن وصلت تلك الحرب إلى طريق مسدود وانه لا يمكن تحقيق أي انجاز فيها للخسائر الكبيرة بالأموال والأرواح.
ثم سعى بعد توليه الرئاسة عام 1989، إلى تقوية علاقة إيران مع دول العالم كافة والغربية خاصة، لفك العزلة عن إيران بعد الحرب والدمار، والاستفادة من الاستثمارات الأجنبية لتقوية الاقتصاد الإيراني، وسعى إلى تقوية القطاع الخاص الإيراني بهدف إنعاش الاقتصاد الإيراني الذي تدهور بعل الحرب مع العراق، كما انه من رموز الانفتاح على دول الخليج وتقوية العلاقة معهم وخاصة مع السعودية.
كما كان دوره مؤثرا قبل الثورة فان هذا الدور استمر بعدها، فقد كان يحض بمقبولية لدى العديد من قطاعات الشعب الإيراني، فهو يعد أحد رموز البراغماتية في إيران، وميوله الانفتاح على كل دول العالم حتى الغربية منها أكثر من أي مسؤول أخر.
إن (التيار البراغماتي) الذي يتزعمه الراحل (أية الله رفسنجاني) كان له دور في مساندة ودعم الحركة الإصلاحية في إيران، وقد ظهر هذا التيار في نهاية الثمانينات من القرن العشرين من قبل فريق سياسي يقف على رأسهم الرئيس الاسبق الراحل (هاشمي رفسنجاني)، ويضم عدد من رجال الدين، وأوساط المثقفين، الذين يدعمون سياساته ويتطلعون إلى المزيد من المرونة السياسية والانفتاح على كافة الأصعدة، ولاسيما على الصعيدين السياسي والاقتصادي، مقارنة بما كان عليه الحال خلال مدة حكم (آية الله الخميني)، ويصنف ضمن التيار الوسط أو المعتدل، ويدعو إلى نوع من الحكومة الشعبية التي تكون لها قاعدة في المجتمع وتدار بواسطة الخبراء والتكنوقراط، وعلماء الدين معا، أي الحكم الوسط الذي يجمع بين النخب السياسية والعامة في تسير شؤون الحكم، أي انه لا يؤمن بمشروعية مطلقة للنخب السياسية، في تسيير شؤون الحكم، ولا بحكم مطلق من قبل عامة الشعب، بل بحالة وسط بين الاثنين، ويدعو التيار في المجال الداخلي إلى التنمية السياسية والتطور، وتقليل دور الدولة في الاقتصاد، ودعم القطاع الخاص مع زيادة الضرائب، وخارجيا فهو من دعاة الواقعية والانفتاح في الشؤون الدولية وإقامة علاقات مع دول العالم على أساس المصالح المشتركة، ويرى هذا التيار إن الدين حليف الدولة، ويرغب أن تكون المؤسسة الدينية تحت سلطة الدولة، ويتبنى نظرية الخصخصة الاقتصادية، ويدعو إلى سياسات اجتماعية تحررية، وهي اغلبها مبادئ ينادي بها تيار الإصلاح الإيراني.
وقد كان (اية الله رفسنجاني)، وبما عرف عنه من قابليته ومهاراته الشخصية، ولاسيما في مجال المناورة، من إيجاد نوع من التفاهم مع المرشد الأعلى (آية الله علي الخامنئي)، مما ساعد على تعزيز نفوذه وقوة تأثيره في واقع السلطة وسياسية البلاد.
كان شخصا قويا في إيران، وكان مرشحا لخلافة المرشد الأعلى علي الخامنئي، فهو يحضى بمقبولية داخل وخارج إيران، كما انه من رجالات الثورة الكبار، فهو من دعاة الإصلاح التدريجي في إيران، أي مسك العصا من المنتصف، وكان دوره في الحركة الإصلاحية واضحا من خلال دعم ترشيح الرئيس السابق محمد خاتمي الذي فاز لدورتين انتخابيتين، ثم كان دوره الأخر بدعم الرئيس الحالي حسن روحاني عام 2014، وفي الشؤون الداخلية، فان التيار يفضل إتباع الواقعية والعملية في المواقف السياسية الداخلية والاعتدال في التعامل مع التطورات السياسية، ويلتزم بولاية الفقيه ويعدها أساس المؤسسات في نظام الجمهورية الإسلامية، مع تأكيده على دور الشعب، إذ إن اختيار الأفضل للرئاسة والبرلمان يقع على عاتق الشعب، وواجب علماء الدين توضيح معايير الصلاح للشعب وحق الاختيار، ويدعو على الصعيد الثقافي إلى نوع من الانفتاح الثقافي، من خلال تقليل القيود على الحريات الشخصية، وحرية النشر، وإبداء الآراء، بما لا يتعارض مع قيم الجمهورية الإسلامية.
وفي مجال السياسة الخارجية، فان تيار رفسنجاني يدعو إلى علاقات خارجية تقوم على ضمان مصالح إيران، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبناء علاقات دولية على أساس الواقعية، حسب الظروف الدولية السائدة، وتحسين العلاقات الإيرانية مع دول العالم، إذ يدرك هذا التيار الحاجة إلى تعديلات سياسية واقعية لضمان بقاء النظام السياسي من خلال الإصلاحات الاقتصادية المصحوبة ببعض درجات التحرر الاجتماعي، وسياسة خارجية واقعية، وعلى الرغم من إدراك التيار للتغير السياسي، فانه ينطلق من أن الإصلاحات الاقتصادية تقود إلى الإصلاحات السياسية، ويتخذ التيار من الصين أنموذجا بإعطائه أهمية كبيرة للمصلحة وتفضيله إياه على الايدولوجيا، فالمصلحة ستجعل السياسة الإيرانية أكثر مرونة للتلاقي مع الخارج وتسوية المسائل العالقة واستقطاب الاستثمارات الأجنبية.
وكما كان هو من داعمي الاصلاح في إيران، فان عائلته كان لها دورا في دعم الحركات الاصلاحية ومنهم ابنته (فائزة رفسنجاني) التي طالبت بدور سياسي للمرأة مساويا للرجل، وطالبت السماح للمرأة في المشاركة في الترشيح لمنصب الرئيس الذي يعد حكرا على الرجال، كذلك سجن ابنه (مهدي رفسنجاني) 12 عامًا بعد ادانته بوقائع مرتبطة بالأمن وجرائم اقتصادية، وهو كان من داعمي المرشح (مير حسين موسوي) في انتخابات عام 2009، واتهم ابناءه بالمشاركة في مظاهرات ضد نتائج الانتخابات لعام 2009.
هذه هي اغلب المبادئ الصلاحية التي كان ينادي بها تيار (آية الله رفسنجاني)، وقد وجدت لها صدى كبيرا في داخل وخارج إيران، بل أصبح أحد أبرز دعاة الإصلاح المعتدل في إيران، ولكن في نفس الوقت يرى بعض المراقبين ان هناك عدد من النقاط التي تسجل على تياره الإصلاحي والمعتدل ومنها:
1- يحاول إن يمازج بين الإصلاح وبقاء النظام السياسي، فهو يدعو إلى تحسين صورة النظام على الصعيد الداخلي والخارجي، واستمراره بوصفه أنموذجا متطورا وليس جامدا، ورغم دعمه للتيار الإصلاحي خلال انتخابات الرئاسة عام 2009، فانه اخذ منحى آخر مع تفاقم الإحداث ولعب دور الوسيط بين التيارات المتنافسة، وأكد زعيمه (هاشمي رفسنجاني) في أول خطبة له بعد الانتخابات انه يؤيد موقف المرشد الأعلى، ويحترم قراراته، ودعا إلى الاستقرار، وحفظ النظام السياسي، وحضر تنصيب (صادق لاريجاني) رئيسا للسلطة القضائية، ودعا إلى حل الخلافات بالطرق الدستورية والقانونية، والوقوف بوجه مثيري الاضطرابات الأخيرة، وهو بهذا يسعى إلى إصلاح النظام بالتدرج وليس بالانهيار.
2- يعاني تيار الرئيس الأسبق الراحل (هاشمي رفسنجاني) اليوم من تراجع مكانته لدى الجماهير الإيرانية منذ عدة سنوات مضت، على الرغم من ثقله السياسي الكبير داخل بنية النظام السياسي، من خلال توليه رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام، ومجلس الخبراء، فقد فشل عام 2000 في الحصول على مقعد في البرلمان الإيراني وكان هذا دليل على انخفاض شعبيته، كذلك خسارته في الانتخابات الرئاسية عام 2005، هاتان الهزيمتان تعبران بلا شك عن انخفاض في الثقل السياسي لتيار الرئيس السابق (هاشمي رفسنجاني)، ولقد دخل ساحة الصراع السياسي في انتخابات 2009، معتمدا على مكانته السياسية في النظام الإيراني، ويرجع سبب قلة شعبيته إلى الانتهازية التي يتصف بها هذا التيار ورئيسه من خلال استغلالها الفرص المتاحة لتحقيق أهداف ذاتية، على حساب الاطراف الأخرى المتصارعة.
3- إن هذا التيار مؤثر حاليا في السياسة الإيرانية بحكم ترؤس الرئيس الأسبق الراحل (هاشمي رفسنجاني) أهم مؤسستين وهما مجلس الخبراء، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، وهما يتيحان للتيار ورئيسه إمكانية للتأثير عبر الأطر القانونية والسياسية، غير إن بقاء هذا التيار متوقف على شخصية رئيسه واستمراره بالسلطة وليس على احتساب قاعدته الجماهيرية.
أخيرا، فان الحركة الإصلاحية في إيران وان كانت قد خسرت احد ابرز داعميها من داخل النظام السياسي الإيراني وهو الرئيس الأسبق الراحل (هاشمي رفسنجاني)، إلا إن بقاءها غير مرتبط بأي شخص، لان حركة الإصلاح تضم العديد من التيارات سواء كانت الدينية والعلمانية والقومية، كذلك إن حركة الإصلاح تضم اليوم العديد من الشخصيات الإيرانية وهم في مراكز القوى أيضا ومنهم الرئيس الأسبق (محمد خاتمي) والرئيس الحالي (حسن روحاني) الذي يعد قطب الإصلاح الأساس، وهو يمكن إن يشبه بالرئيس الأسبق الراحل (رفسنجاني) من خلال شعبيته الواسعة كذلك ما قام به من عقد اتفاق نووي مع الدول الكبرى، الذي أفضى إلى رفع العقوبات عن إيران، صحيح إن هذا الاتفاق لم يكن يتم بدون موافقة المرشد الأعلى، ولكن في النهاية تم في مرحلة الرئيس (روحاني) وهذا يدل على قوة الرئيس وتأثيره في السياسة الإيرانية.
كذلك إن الحركة الإصلاحية تحظى بدعم عدد من علماء الدين المؤثرين في إيران، وهم من يقودها الان، خاصة إذا عرفنا إن اغلب حركات الإصلاح والتغيير خلال تاريخ إيران الحديث تمت عن طريق علماء الدين بشكل أساس وان كانت تسلم إلى رجال السياسة فيما بعد مثل الثورة الدستورية، وحتى استلام (رضا بهلوي) للحكم عام 1925 كان بمباركة من علماء الدين بعد إن فشل حكم القاجار، لهذا إن الاعتقاد السائد إن وفاة (رفسنجاني) وان كانت مؤثرة بشيء ما على حركة الإصلاح، إلا إن الحركة الإصلاح مستمرة وتسير بمنوال واحد، إذ ترى بعض المصادر إن فوز الإصلاحيين بعدد من مقاعد مجلس الشورى الإسلامي الحالي، وقبلها فوز الرئيس (روحاني) الذي يحسب على الإصلاحيين، سوف يعزز الانفتاح اقتصاديا ولتقديم إصلاحات يحتاجها ملايين الإيرانيين بصورة ماسة، فيما يتعلق بتوفير وظائف، والنمو، والإسكان والرعاية الصحية، ورغم إن هذا يهدد بشكل كبير مصالح المحافظين واسعي النفوذ، خاصة الحرس الثوري، فان حصول الإصلاحيين على الدعم الشعبي سوف يكون عامل ضغط على المحافظين لقبول الإصلاحات الداخلية التي هي تصب في صالح الشعب الإيراني.
ولم تعد إيران كما كانت قبل عام واحد فقط، إذ إن إبرام الاتفاق النووي ووفاة (آية الله هاشمي رفسنجاني) الان وضعها أمام تحديات من نوع جديد داخلياً وخارجياً.
ان عودة إيران إلى المجتمع الدولي المترتبة على ذلك الاتفاق فتح أبواب الفرص والأخطار في آنٍ معاً، ما يجعل مستقبل إيران مرتهناً إلى حد كبير بمجموعة السياسات التي ستنتهج داخلياً وخارجياً، والاستحقاق الانتخابي القادم يُعدّ من أهم المؤشرات على اتجاهاتها العامة المستقبلية.
اضف تعليق