q

الحلفاء الاقليميون:

محتمل ان يقوم الرئيس ترامب بإعادة النظر بكل تحالفاته القديمة واقامة مؤتمرات سياسية ثنائية لتقييم مدى تمسك الشريك الاخر بعلاقته مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من احتمالية تقوية علاقته مع اسرائيل وتركيا، وحتى السعودية، الا ان التوجه نحو فك الارتباط الاستراتيجي مع الشرق الاوسط قد يستمر، ونفس الشيء بخصوص حلف النيتو وتقليل تمسك الولايات المتحدة بها.

هذه هي اقرب الى قناعة امريكية عامة من قناعة الرئيس ترامب لوحده وبالتالي سياسة اطفاء الحرائق (وخصوصا في الشرق الاوسط) قد تقل باتجاه ترك الحرائق لتطفأ بنفسها من دون السعي لتدخل امريكي.

ومن الضروري ألا ننسى ان في النظام الاميركي دور المؤسسات الامنية والعسكرية والسياسية والمالية الكبيرة لها اثر كبير على رسم وتطبيق السياسات الاميركية الستراتيجية. الرئيس الجديد عموما يحتاج وقتا لفهم مدى مقدرته على تغيير هذه السياسات وكذلك معرفة قدرته على الاخذ والعطاء في هذه الملفات المهمة مقابل التنازل لهذه المؤسسات في قضايا أخرى.

في دولة المؤسسات مثل الولايات المتحدة تغيير السياسات يكون اصعب عندما تنزل القرارات من فوق الى تحت، وعموما لكل مؤسسة نظام لجمع المعلومة ومن ثم تحليلها وتطبيقها ورعاية ادامتها، مع السعي لتكامل (وليس تقاطع) ادوار هذه المؤسسات كسبا للنفع العام وتقوية وحماية لأمنها الوطني.

وعموما لا يستطيع اي رئيس اميركي احداث تغييرات جوهرية في محاور كثيرة، فقصر حكمه (٤ او ٨ سنوات) وصرامة الدستور مع وجود توازن للقوى بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية يعني محدودية تأثيره وخصوصا اذا هدد بالإقالة نتيجة فضيحة او تحدي مجلسي الكونغرس ضده.

ومع ان الرئيس ترامب سيحاول توطيد علاقته قوية مع اسرائيل الا ان التصاقه بمعسكر اليمين (وشعارات المعاداة للسامية) المتشدد داخل الولايات المتحدة يعني احتمالية عدم اندفاع الجالية اليهودية الاميركية له في بداية عهده، ناهيك ان المرشحة هيلاري هي كانت مرشحتهم المفضلة وان ترامب لم يصعد للحكم عن طريق دعم الجالية اليهودية له. من جانب آخر سيعمل ويركز اليمين الإسرائيلي لكسب الاعتراف الرسمي للرئيس المنتخب ترامب بجعل القدس العاصمة الرسمية لإسرائيل كما صرح هو بها اثناء حملته الانتخابية.

بخصوص العلاقة مع روسيا والصين، فترامب قد لا يرى روسيا كعدو ستراتيجي للولايات المتحدة بل منافس مشاغب ليس الا، مع وجود مصالح ومخاطر مشتركة، ومع قناعته ان محدودية تأثير الروس الاقتصادي يعني ان مجهود الولايات المتحدة الدولية يجب ان توفر للوقوف امام المد الاقتصادي للصين وللدول الاقتصادية الكبيرة المنافسة وخصوصا في سياسات الاقتصادية وحقوق الابتكارات والتجسس الاقتصادي.

من الجانب الصيني قد ترى تركيز الجانب الاميركي على المنافسة الاقتصادية يعطي الصين فسحة لتقوية نفوذها السياسي في مناطق الفراغ الاميركية مثل افريقيا والشرق الاوسط وجنوب شرق اسيا. وهناك مؤشرات الى السير نحو تطبيع العلاقة مع روسيا ولكن ذلك سوف يعتمد على طبيعة تقوية العلاقة الشخصية للرئيس ترامب مع الرئيس بوتين مع ملاحظة ان الرئيس بوتين يحب العلاقات الثنائية ان تكون مبنية على الوضوح والتنبؤ والاستقرار وهي خصال قد لا تكون موجودة بوضوح عند الرئيس المنتخب ترامب.

حسب اقوال الفريق المقرب للرئيس المنتخب ترامب فان هناك خطراً حقيقياً على استمرارية انسيابية تطبيق الاتفاق النووي مع ايران وخصوصا مع سيطرة الجمهوريين على البيت الابيض ومجلسي الكونغرس. الرئيس المنتخب ترامب قد لا يريد تغيير النظام الايراني ولكنه في نفس الوقت قد لا يكون مستعد ان يخسر دعم مجلس الشيوخ من اجل الاستمرار بالاتفاقية النووية، هذا لا يعني الغاء الاتفاقية من الطرف الاميركي بل زيادة الحصار الاقتصادي او المالي ضد ايران.

وهنا نرى نقطة خلاف جوهرية عن سياسات الرئيس اوباما، فترامب لا يومن بالعلاقات الستراتجية الطويلة بل باتفاقات آنية ومتاجرة في الأخذ والعطاء بنتائج محددة وانية وكذلك لا يؤمن كثيرا بالسياسات المنطلقة من وحدة الهوية. وهذا لا يعني انه سيعمل دوما على محاربة ايران، بل ان قواعد المعادلة اختلفت وقد يدعم ايران في ساحة (مثل سوريا) ويحارب نفوذها في ساحة اخرى(مثل اليمن).

ومن الضروري ألا ننسى ان توقف التعاطي الاميركي الايجابي مع الاتفاقية النووية قد يعني خسارة اميركا للدعم الغربي في هذا الملف وعزلتها مع تقوية العلاقات بين الاطراف الاخرى الموقعة مع ايران، هذه الضريبة قد تدفع من قبل الاميركان لانها متناغمة مع توجهات ترامب نحو الانكفاء (وليس العزلة كما قد يساء فهمها) وكذلك تعطيه مصداقية اكثر مع مجلسي الشيوخ والنواب التي يحتاج منها ان تساعده في مشاريعه الاقتصادية العملاقة مثل اعادة بناء البنى التحتية الاميركية.

وبخصوص البعد العراقي في علاقة الولايات المتحدة مع ايران فهناك قناعة اولية، وتزداد في واشنطن، ان العراق سيحسب على المعسكر الايراني وهنا قد يدفع العراق ضرائب تلك القناعة. واخيراً من المفيد ان نذكر ان هناك علاقات قوية ومتينة بين بعض اعضاء فريق ترامب ومنظمة مجاهدين خلق.

معالم سياسات الرئيس ترامب اتجاه العراق:

اذا أُعتقد ان تحرير موصل هو اخر فصول تواجد «داعش» في العراق وسيطرته على الارض، فان التوجه الاميركي اغلب الظن سيسير باتجاه التركيز على سوريا بدل العراق، هنا ممكن جداً ان نرى تعاونا اميركيا كبيرا مع الروس (وبطريقة غير مباشرة مع ايران).

في ملف العراق يبدو ان ادارة ترامب سيكون تعاملها مع الوضع الامني أسهل من ما كان عليه مع ادارة اوباما. يستطيع الانسان ان يُقيّم بالعموميات ان ادارة ترامب قد تعتمد على انطباع (الموجود في الكونغرس وليس في الإدارة) ان العراق واقع تحت التأثير الايراني وان اميركا خسرت كثيرا من اجل العراق للايرانيين ولا داعي لاستثمارات اخرى. هنا من الضروري للطرف العراقي (بشتى اتجاهاته) ان يسعى لتغيير هذا الانطباع الخاطئ وبسرعة.

هناك اسئلة جوهرية حول طبيعة تعاطيه مع المعادلة العراقية منها مدى دعمهم لنظام الحكم العراقي ما بعد ٢٠٠٣؟ ومدى سعي الاميركان لدعم سلامة الحدود العراقية وسيادتها؟ ومدى دعمهم لبناء الجيش العراقي وقواه الامنية؟ ومدى سعيهم للتوافق بين الاطراف العراقية المتصارعة والمتصالحة؟ وعن مدى الضغط على حلفائهم واصدقائهم لصالح العراق؟ ومدى توجه العراق لتوطيد العلاقة مع الولايات المتحدة خارج الاطار الامني ومحاربة الارهاب، هنا ارى ان تعاطي الجانب الاميركي مع تحديات العراق عن بُعد او تبسيطها ستكون مضرة لكل الاطراف.

واخيرا عن آليات اتخاذ القرار باتجاه العراق، فهل سيسلم الملف لاحدى الوزارات المهمة ام سيكون بيد الرئيس الاميركي نفسه والقريبين منه؟ ام انه سيعين مبعوثا خاصا كما فعلها الرئيس اوباما، فقد كان واضحا اثناء حكم الرئيس اوباما،تنقل الملف بين المؤسسات وبالتالي خسر العراق فرص تأثير في الولايات المتحدة.

اخيراً نستطيع ان نقول ان مراقبة مجريات الاحداث في واشنطن بعد انتخاب الرئيس الجديد دونالد ترامب اصبحت مثيرة وممتعة مع بعض القلق والحذر.

* لقمان عبد الرحيم الفيلي، سفير العراق السابق لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وعضو ملتقى النبأ للحوار

.................................
للاطلاع على الجزء الأول من المقالة:
http://annabaa.org/arabic/authorsarticles/8981
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق