إذا ما نظرنا في تجارب بعض الدول التي تعرضت لمخاطر هددت كيانها فان بعضاً منها قد التجأ للتعبئة الشعبية في مواجهة تلك المخاطر لا سيما عند حدوث غزو خارجي كبير او فوضوى عارمة او كوارث طبيعية وما شابه وهذه ميزة تحسب لتلك الدول التي تتوحد جماهيرها وحكوماتها عند الازمات.
ومن هذا المنطلق فأن احداث عام 2014 وما شهده العراق من هجمة شرسة قادتها جماعات ارهابية متمرسة مدعومة من بعض الدول الخارجية ذات الاهداف التوسعية يساندها سياسيون يبحثون عن تمثيل ورجال دين يسعون للسيطرة وتكفير الاخر، وبعثيون حالمون بالعودة مجدداً وحواضن شعبية مخدوعة بشعارات واهية، يقابلهم حكومة منقسمة على نفسها ومحاصصة مزقت بنية الدولة وبعضاً من القادة الامنيون غير الكفوئين ومحسوبية ومنسوبيه بعيداً عن الاستحقاق، وفساداً قد التهم الاخضر واليابس وخططاً قد عفى عليها الزمن، وتبعية اضاعت معها هوية الوطن، وطائفية قد مزقت وحدة الشعب، واقتصاداً لا يعرف له منهجا، وصناعة مفقودة، وزراعة ضائعة وفقر مستشري وبطالة عطلت معها الطاقات وخدمات ضائعة.
وغيرها من الاسباب جميعها قد اوصلت الى حالة سقوط الموصل وما اعقبها من السيطرة على محافظات عدة حتى تخوم العاصمة بغداد وسط انهيار كبير في صفوف قوات الجيش العراقي والتي اغلبها كانت قد تركت مواقعها التي استولى عليها داعش اضافة الى اسلحة ومعدات عسكرية هائلة كما وان الشرطة المحلية وهم من سكنة تلك المحافظات ايضاً كانوا في طليعة المنسحبين.
لذلك جاءت فكرة التعبئة الشعبية نتيجة وصول البلد لحافة الهاوية بعد صدور فتوى الجهاد الكفائي من لدن المرجع الشيعي الاعلى السيد علي السيستاني والتي دعت الى تطوع ابناء الشعب العراقي ممن يتمكنون من حمل السلاح للدفاع عن الوطن ومحاربة داعش ودرء الخطر كانت الاستجابة سريعة من مختلف الفئات لا سيما الشباب وأغلبيتهم من المناطق الشيعية، وقد تشكل قرابة الـ40 فصيلا مسلحا بعضها تنتمى لجهات عدة وبعضها حديث التشكيل، يضاف اليهم حشداً عشائرياً من المناطق السنية وحشداً اخراً من الطائفة المسيحية واخراً من الأقليات.
وجميعها ساهمت بقتال التنظيم بشكل متفاوت وكلاً بحسب قوته وتعداده، فخاضت تلك القوات معارك اغلبها تكللت بالنصر بالتعاون مع القوات الامنية العراقية. كما ان الحشد الشعبي تلقى مساندة شعبية كبيرة من فئات متعددة باعتباره مؤيد مرجعياً ويضم مقاتلين من اغلب المناطق الشيعية بمختلف الاعمار وتزامن ظهوره في أصعب الظروف، وتحقيقه للانتصارات قد جعل منه قوة لا يستهان بها.
وبالرغم من ذلك فقد تعرض الحشد لانتقادات بعضها جاءت من منطلق عدائي غير منطقي وتهجمي بعيد عن الموضوعية لا سيما من قبل بعض الاطراف الداخلية والخارجية كالسعودية وتركيا وبعض دول الخليج الذين عدوا الحشد حشدا طائفيا، وأما البعض الاخر من تلك الانتقادات فحمل بين طياته تخوف مرحلي ومستقبلي يمكن صياغته على شكل تساؤلات ومنها:
1- هل الحشد الشعبي هو نسخة لتجربة الباسيج الايراني والحرس الثوري؟
2- كيف يمكن ضبط تلك الفصائل المنضوية تحت مظلة الحشد وهي تابعة لجهات سياسية وتدين بولائها الديني لبعض مراجع الدين او قيادات هم اصلاً خارج العراق؟
3- من يحاسب العناصر المندسة داخل تشكيلات تلك الفصائل؟
4- ما مدى استجابة الحشد بكافة فصائله لأوامر رئيس الوزراء؟
5- ما هو موقف هيئة الحشد من تدخل بعض الفصائل في الصراع السوري؟
ورداً على ذلك، فأن الحكومة العراقية دفعت بقانون الحشد الذي صوت عليه البرلمان مؤخراً فأجاب على معظم تلك التساؤلات اذ الحشد سيكون مؤسسة رسمية تابعة لرئاسة الوزراء تأتمر بأوامره وتتحرك على وفق ذلك، وان ولائها سيكون للعراق فقط باعتباره مؤسسة امنية عسكرية من ضمن القوات المسلحة، ايضاً فك ارتباط مقاتليه بأية جهة سياسية، ومنع منتسبيه او قادته من الترشيح لشغل اي منصب سياسي ما دام داخل منظومة الحشد، كما تم تخصيص نسبة تمثيل للمناطق السنية وايضاً لبقية مناطق الأقليات.
وبالرغم من كل تلك الملاحظات وعدم نكران الدور الجهادي والتضحيات التي قدمها ابناء الحشد الا ان بعضاً من تلك المخاوف تتطلب من القائمين على تلك المؤسسة الالتفات اليها والعمل على تجاوزها عبر خطوات عدة ومنها: -
1- ابعاد من تثبت اساءته للآخرين واستغلاله لاسم الحشد والتحرك بذلك الغطاء لتمرير غاياته الخاصة وإعلان البراءة منه وإحالته للجهات القضائية.
2- توحيد الجهود تحت راية العراق وعدم تشتيت رايات وولاءات الحشد.
3- الاعلان وبشكل صريح ان من يقاتل خارج الاراضي العراقية انما يمثل حزبه وفصيله والجهة المنتمي اليها وليس جزءاً من توجهات هيئة الحشد.
4- الابتعاد عن الامور السياسية قدر الامكان والبقاء في المنظومة الامنية الحامية للدولة ككل وللعملية السياسية.
5- من الضروري عدم الدخول في التقاطعات السياسية او الوقوف مع جهة ضد الاخرى والتفرغ للعمل العسكري والأمني والإنساني، كهدف أسمي وجد الحشد من اجله.
6- اعادة هيكلة مقاتليه بصورة نظامية كفرق وألوية وأفواج وحسب الصنوف المعتمدة عسكرياً، ومنع حمل السلاح خارج مناطق المواجهة، وإخراج المقرات من داخل الاحياء السكنية.
اضف تعليق