تصريح أطلقه الرئيس الأمريكي رقم (45).. إبّان حملته الانتخابية.. أثار استهجان وسخط واستغراب كثير من المتابعين.. هذا التصريح له علاقة بالنفط العراقي.. الغرابة في هذا التصريح تكمن في عدم تحفظه حيث أعلن فيه ترامب الرئيس الأمريكي المنتخّب حديثا.. بأن النفط في العراق يجب أن تأخذه أمريكا.. فهو ليس نفط العراقيين.. ثم قال هناك مجموعة من الساسة الفاسدين يسرقون النفط العراقي.. فالأولى بأمريكا أن تأخذه لها.
وبدلا من أن تتحمل أمريكا المسؤولية الأخلاقية عما نتج عن حربها على العراق.. وتدميرها للبنى التحتية والفوقية وتطبيق فلسفة أو نظرية (الفوضى الخلاقة) على العراق وشعبه.. ما ألحق به خسائر بشرية ومادي فادحة.. بدلا من تحمّل هذه المسؤولية وتقديم العون للعراقيين كي يتجاوزوا مساوئ ما قامت به أمريكا.. نجد أن أمريكا تتعامل مع العراق والعراقيين على لسان أعلى سلطة تنفيذية (رئيسها الجديد).. وكأنه مزرعة أو مصنعا من مصانع ترامب وليس دولة لها سيادتها وعضويتها في الأمم المتحدة.
وإذا كانت أكبر دولة في العالم.. تتعامل بهذه الدرجة من الاستخفاف بمبادئ القانون الدولي والعلاقات بين الدول على لسان رئيسها.. فعلى العالم أن يقرأ السلام على الشرعية والقانون الذي ينظم العلاقات بين دول العالم على أساس الاحترام والعلاقات الحسنة.. وقد حاول بعض ساسة العراق.. أن يبرروا للرئيس الأمريكي تصريحه المنفلت والذي لا يخضع لأي اعتبار أو قانون أخلاقي وعرفي فيما يخص العلاقات بين دول العالم، حاول بعض هؤلاء الساسة أن (يبيّضوا) وجه ترامب عندما قالوا (إنها تصريحات خاصة بالانتخابات لا أكثر)، وهو تبرير الضعفاء بطبيعة الحال.
ليس العراق وحده من يمتلك النفط في هذا العالم حتى يقول ترامب (علينا أن نأخذ نفط العراق)، فجميع دول المنطقة التي يقع فيها العراق تمتلك النفط، وبعض الدول تفوق العراق بما تمتلكه من نفط.. فلماذا يتجرّأ ترامب ويحصر تصريحه بنهب نفط العراق حصرا؟؟، هل لأن العراق ضعيف.. أو لأنه من الدول المغضوب عليها عند إسرائيل وأمريكا؟، ألا يكفي هذه الدولة أنها الدولة رقم واحد في انتاج النفط.. وأنها الدولة رقم واحد في استهلاك النفط.. في الحقيقة هذا التصريح يجعلنا لا ننظر بتفاؤل لأمريكا في ظل رئيسها الـخامس والأربعين.
إذا كانت أمريكا طامعة بالنفط العراقي.. هذا ليس بالأمر الغريب.. العراقيون يعرفون أن هذه الدولة لا تخطوا خطوة واحدة في عالم اليوم.. قبل أن تدرس الفائدة من تلك الخطوة.. ومدى ما تقدمه لها من فوائد ومردود.. ولكن الغريب في الأمر.. هذه الجرأة و (الصلافة) في الطرح.. وأيضا محاولات التبرير التي يبذلها بعض الساسة الخانعين من العراقيين كي لا يأبهوا بما قاله ترامب.. لأنهم يرون أن تصريحاتهم لا طائل من ورائها وأنها كاذبة في الغالب فيقولون أن تصريحات ترامب خاصة بالحملة الانتخابية فقط.
وكأنهم لا يعرفون طبيعة سياسيي أمريكا وأطماعهم.. واللوبيات المضادة للعراق وللمسلمين التي تتحكم بتوجيه سياسات أمريكا وأهدافها القريبة والبعيدة.. كذلك لم نلمس منهم حرصا على رفض تصريحات كهذه تمس كرامة العراقيين.. وهناك نقطة مهمة جدا تجاهلها ترامب ومن يقف معه في الداخل والخارج.. وهذه النقطة أو هذه الحقيقة أن نفط العراق ليس ملكا للأحياء من شعبه فقط، بل هناك حصة مهمة منه الى الأجيال اللاحقة.
هذا ما أعلنه سماحة الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره).. في كتاب له بعنوان (ماذا بعد النفط).. عندما ذكّر القادة والساسة والمسؤولين عن هذه الثروة فقال مذكّرا للجميع: (من المعروف أنّ النفط في حالة نفاذ، فما تبقّى في الآبار في أحسن الافتراضات سيبقى نصف قرن من الزمن).. هذا يعني أن على الساسة التعامل مع هذه الثروة بحذر لأنها في طريقها الى النضوب.. وهذا يعني أيضا أهمية الحفاظ على حصة الأجيال القادمة من هذه الثروة.
وقد أوضح الإمام الشيرازي قبل عقود طويلة.. بأن الأقوياء هم الذين يستحوذون على هذه الثروة.. ويقصد (الحكام) من عملاء المستعمِر فهؤلاء يسيطرون على هذه الثروة والأموال والعائدات التي ترد منها، فيقول سماحته (يستحوذ أصحاب النفوذ أو الحاكم المستبد ـ العراق مثلاً ـ على أموال الشعب، ويغتصبها بمختلف الذرائع والحجج، وليس بمقدور أحد أن يحاسب الحاكم على تصرفاته، لأن من يريد المحاسبة يلزم أن يستعد للسجن والتعذيب والاتهام وأخيراً الإعدام).. ليأتي اليوم ترامب ويعلن أنه يريد أن ينهب النفط العراقي مبررا ذلك بأنه ليس ملك العراقيين.. متناغما في ذلك مع أهداف الفاسدين الذين فضلوا مصالحهم الشخصية والحزبية على مصالح فقراء العراق.
مثل هؤلاء الساسة الفاسدين الغارقين في السحت الحرام.. لا يمكن أن يقفوا بوجه تصريح ترامب أو المتعاونين معه.. لأن بعض الساسة اعتادوا الرضوخ للمستعمر.. ولا تزال بطونهم تطالب بالمزيد.. لأنها لم تشبع بعد.. ولن تشبع حتى تجد نفسها في القبر يتراكم فوقها التراب.
وهذا ما جعل الإمام الشيرازي لا يكتفي برفض نهب ثروة النفط من قبل المستعمرين وذيولهم في الداخل.. وإنما دعا منذ ذلك الوقت البعيد بأن لا يتهاون قادة المسلمين مع كل من يريد أن يضر المسلمين بتخفيض أسعار النفط.. فهؤلاء لهم أساليبهم في التلاعب بالأسواق.. وطالما أنهم بلا ضمير ولا أخلاق إنسانية.. وأن كل ما يهمهم الربح على حساب الآخرين بدون وجه حق.. فإننا كعراقيين ومسلمين علينا أن نفتح بصائرنا ونردع الطامعين ونحاسب من يتعاون معهم.
من ملاحظات السيد محمد الشيرازي المهمة قوله يجب (أن لا نبيع النفط بدون حدود وكما تشتهيه الدوائر الغربية والصهيونية العالمية، وبالأسعار التي تحددها الشركات، مما يسبب انخفاض الأسعار ونفاذ النفط وتضييع حقوق الأجيال القادمة، ولا بدّ من التفكير جدياً بالبحث عن بديل للنفط بالثروة الممكنة وقبل فوات الأوان).
إذا لا يكتفي الإمام الراحل بالتحذير من نهب ثروة المسلمين من الذهب الأسود.. إنما يحذر أيضا من بيعه بأسعار بخسة.. فكيف يأتي اليوم (الرئيس الأمريكي 45) ليقول (يجب أن نأخذ نفط العراق)، وهو يعني بالقوة طبعا.. في المقابل كان رد قادة العراق ضعيفا.. فأما الصمت.. أو المجاملة.. أو التبرير.. أو التخفيف من حدة وجدية التصريح.
وقبل أن يفلت زمام الأمور ممن يهمهم الأمر في العراق.. من الأفضل أن يأخذوا بعين الجدّية تحذيرات الإمام الشيرازي لهم.. وعندما يستمعون لمثل تصريحات ترامب.. عليهم أن يتعاملوا بجدية مع تصريحات كهذه.. ولابد من اتخاذ تدابير وخطوات تُشعِر الرئيس الأمريكي الجديد.. أنه أمام دولة لها سيادة وهي عضو في هيئة الأمم المتحدة.. وإذا لم يجد الرد المناسب لتصريحه المسيء من الساسة.. فإن الشعب العراقي المسلم يرفض تصريحات ترامب ويتمسك بحثه في ثروته ويتمسك أكثر بحقوق الأجيال القادمة من هذه الثروة.
اضف تعليق