تكتنف العلاقات التركية المانية ضبابية عالية، يصعب على اغلب المحللين في الشؤون الدوليين فهم اسراراها، كونها تتسم بحالة من المد والجزر العلاقات، التي يحتد التصعيد مجددا فيها فلا تكاد تهدأ أزمة بين أنقرة وبرلين حتى تبدأ أزمة أخرى على الرغم من وجود علاقات ومصالح كبرى مشتركة بين البلدين تاريخيا.
ففي فصل جديد من التوتر الذي تشهده هذه العلاقات صرح مسؤول ألماني بارز أن بلاده مستعدة لتوفير الحماية للأتراك الذين يتعرضون لـ"الاضطهاد السياسي" من قبل حكومة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وجاء ذلك بالتزامن مع استقبال الرئيس الألماني يواخيم غاوك رئيس تحرير صحيفة جمهورييت السابق جان دوندار التي تعرض عاملون فيها للاعتقال، وذلك في بادرة رمزية للتعبير عن تضامن بلاده مع الصحفيين الأتراك المعارضين. غاوك سبق أن أعرب عن استيائه من الإجراءات التي تتخذها أنقرة، منذ محاولة الانقلاب، ضد حرية الصحافة وكذلك اعتقال زعماء ونواب في حزب الشعوب الديمقراطي.
هذه التطورات الأخيرة قابلتها اتهامات تركية شديدة اللهجة إذ صرح وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو بأن ألمانيا "تدعم المنظمات الإرهابية ضد تركيا"، مطالبا بأن يعامل الألمان بلاده كشريك وليس كـ "بلد من الدرجة الثانية". كما سبق لأردوغان أن قال إن ألمانيا أصبحت "ملاذا للإرهابيين" بعد رفض برلين تسليم انقلابيين مفترضين طالبت بهم أنقرة منذ الانقلاب الفاشل.
وتتهم دول غربية منها ألمانيا أنقرة بشن حملة قمع واسعة في البلاد عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا وهي الانتقادات التي يرفضها إردوغان. لكن التوتر الذي تعرفه العلاقات الألمانية التركية سابق لتداعيات محاولة الانقلاب، فما سر كل هذا التوتر بين البلدين؟ هل يعود الأمر إلى خلافات عميقة بالفعل أم أنها مجرد حروب إعلامية؟.
وشهدت الشهور الأخيرة تحديدا تزايد التوتر والتصعيد بين أنقرة وبرلين رغم أن الطرفين وقعا في مارس الماضي اتفاقا تاريخيا يفترض أن يسهم في التخفيف من أزمة اللاجئين التي تقض مضجع الأوروبيين. لكن الاتفاق نفسه كان مهددا في أكثر من مرة بأن يصبح في مهب الريح فمن جهة تواجه الاتفاقَ انتقادات واسعة داخل ألمانيا رغم تمسك المستشارة أنغيلا ميركل به، إذ يتهم مسؤولون ألمان تركيا بأنها تبتزهم فيما يخص قضية اللاجئين من خلال اشتراط تركيا السماح للمواطنين الأتراك بحرية التنقل في دول الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت الذي كان فيه الجدل حول هذا الاتفاق مشتعلا، جاءت المحاولة الانقلابية لتزيد من حدة التصعيد، فقد انعكس الاستقطاب الداخلي الذي عرفته تركيا على الجالية التركية في ألمانيا المقدر عددها بما يزيد عن ثلاثة ملايين شخص وهو ما تطور في بعض المدن إلى مواجهات عنيفة خرج على إثرها أكثر من مرة مسؤولون ألمان للتعبير على رفضهم لتحويل ألمانيا إلى ساحة للصراعات التركية الداخلية. وعلى هذا الأساس تم منع إردوغان خلال إحدى المظاهرات المؤيدة له في ألمانيا من إلقاء كلمة عبر دائرة الفيديو المغلقة، لترد تركيا على هذه الخطوة باستدعاء القائم بالأعمال الألماني.
وجاء قرار ولايات ألمانية بوقف تعاونها مع "ديتيب" وهي أكبر منظمة إسلامية في ألمانيا ويعتبرها البعض بمثابة ذراع طويلة لإردوغان في ألمانيا ليفاقم التوتر أكثر. وقبل كل هذا تعكر صفو العلاقات بشكل كبير مجددا بين الطرفين بسبب تبني البرلمان الألماني لقرار يعترف بإبادة الأرمن من طرف الأتراك، ووصل الاستياء من هذا القرار في الداخل التركي إلى التهديد بتعليق التعاون في وقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
سؤال في صميم الخلاف بينهما هل تدهورت العلاقات بين أجهزة المخابرات الألمانية والتركية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في أنقرة في 15 يوليو تموز، فلطالما كان التعاون بينهما صعبا دائما بسبب اختلاف الأولويات بالنسبة للمخابرات التركية.
لكنه أشار إلى أن التعاون يسير بشكل جيد فيما يخص تعامل مع قضية تنظيم داعش وهذا ما يثير الكثير من التساؤلات بشأن مدى تتطابق الرؤية والقرارات حول داعش وكيف التعامل مع هذه القضية وما تخفيه من صفقات ومصالح مشتركة.
من جهة أخرى اعربت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل عن الامل في ان ترفع تركيا قريبا الحظر المفروض على النواب الالمان بالتوجه الى قاعدة انجرليك العسكرية، ردا على قرار نيابي الماني يعترف بالابادة الارمنية.
وقالت المستشارة الالمانية بعد لقاء عقدته خلال قمة مجموعة ال20 في هانغتشو بالصين مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، "اعتقد ان من الممكن ان تكون لدينا خلال الايام المقبلة اخبار سارة في ما يتعلق بهذا الطلب المبرر بالكامل".
ويعتبر تبني البوندستاغ (مجلس النواب الالماني) في حزيران/يونيو قرارا يصف المجازر التي ارتكبتها السلطنة العثمانية ضد الارمن مطلع القرن العشرين بأنها ابادة، واحدا من مصادر التوتر الكثيرة في العلاقات الالمانية-التركية في الاشهر الاخيرة، وردا على ذلك، منعت انقرة النواب الالمان من الوصول الى قاعدة انجرليك العسكرية في جنوب تركيا، حيث يتمركز جنود المان في اطار التصدي لتنظيم داعش.
الى ذلك نشرت شبكة الإذاعة والتلفزيون الألمانية "إيه.آر.دي" هذا الأسبوع جزءا من تقرير سري للحكومة الألمانية قالت فيه إن تركيا أصبحت "منصة لمجموعات إسلامية في الشرقين الأدنى والأوسط"، وذلك في خضم توتر العلاقات بين أنقرة والغرب عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا الشهر الماضي، انتقدت تركيا ألمانيا قائلة إن مزاعم الحكومة الألمانية بأن تركيا تحولت إلى مركز للجماعات الإسلامية يعكس "عقلية مشوهة" تحاول استهداف الرئيس رجب طيب إردوغان.
على صعيد ذي صلة ذكرت مجلة دير شبيجل الألمانية أن الحكومة التركية أرسلت طلبات إلى السلطات الألمانية لاجراء 40 عملية تفتيش وتسليم ثلاثة أشخاص على صلة بمؤيدي فتح الله كولن رجل الدين التركي المقيم في الولايات المتحدة الذي تتهمه تركيا بالمسؤولية عن المحاولة الانقلابية الفاشلة الشهر الماضي.
ويتهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان شبكة من المدارس والجمعيات الخيرية والشركات يقودها كولن الذي أسسها على مدى عقود داخل تركيا وخارجها بالتسلل إلى مؤسسات الدولة وتنسيق الانقلاب الفاشل، واعتقلت السلطات التركية أو أوقفت عن العمل عشرات الآلاف من عناصر الشرطة والجيش والمسؤولين والقضاة وموظفي الحكومة بسبب مزاعم بأن لهم صلات بحركة كولن. بحسب رويترز.
في وقت سابق، أبدى ساسة ألمان قلقهم إزاء تزايد نفوذ أنقرة على الأشخاص المنحدرين من أصول تركية الذين يعيشون في ألمانيا، وشهدت ألمانيا أعمال عنف في الماضي بين قوميين أتراك ومتشددين أكراد ويشعر مسؤولون بقلق من إمكان امتداد التوترات التي يشهدها المجتمع التركي في أعقاب محاولة الإنقلاب التي وقعت الشهر الماضي إلى الأراضي الألمانية، وتظاهر آلاف من أفراد الجالية التركية في ألمانيا في مدينة كولونيا لاظهار تأييدهم للرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال تجمع حاشد صعد التوترات الدبلوماسية بين أنقرة وبرلين.
في ظل توتر علاقات تركيا مع المانيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، تمهد الساحة السياسية لوجود تباعد ونقاط خلاف بينهما قد تنعكس على مصالحهما المشتركة بنحو لا تحمد عقباه للطرفين معاً.
اضف تعليق