في اواخر آب/اغسطس كشف النقاب عن مقترح التسوية الوطنية الذي قدمه رئيس التحالف الوطني السيد عمار الحكيم. وهذه ليست المبادرة الوحيدة التي تطرحها القوى السياسية لغرض لملمة الوضع العراقي المتبعثر والمتعثر، لكنها الاخيرة من نوعها، بالإضافة الى شموليتها وتطرقها لأغلب القضايا العراقية الشاغلة لبال الجماهير والنخب السياسية، كما انها تتميز بإدخال الامم المتحدة كطرف بين الاطراف العراقية المتوافقة على هذه التسوية.
في مدخل التسوية إشارة إلى ان المبادرة تمثّل رؤية وإرادة قوى التحالف الوطني. وان الهدف منها الحفاظ على العراق وتقويته كدولة مستقلة ذات سيادة وموحدة وفدرالية وديمقراطية تجمع كافة أبنائها ومكوناتها معا. وتعتمد المبادرة على مبدأ التسوية التي تعني الالتزامات المتبادلة بين الأطراف العراقية الملتزمة بالعملية السياسية او الراغبة بالانخراط بها، وترفض مبدأ التنازل أحادي الجانب. مسار المبادرة إطار وطني يشمل جميع المكونات العراقية العرقية والدينية والمجتمعية، ويمكن المضي به على مراحل ضمن إطار التسوية الوطنية الشاملة. وتضع المبادرة خطوطا حمراء امام حزب البعث أو أي كيان إرهابي او تكفيري او عنصري. وفيها سيتم اشراك الامم المتحدة ممثلة في بعثتها لمساعدة العراق، لغرض تحشيد الدعم لعملية المصالحة الوطنية من خلال التيسير وتقديم النصح والدعم والمساعدة في تعزيز والدفع بهذه المبادرة للأمام داخلياً وإقليمياً ودولياً.
محاور هذه التسوية شاملة فهي تسوية سياسية ومجتمعية وطنية تاريخية ترمي لعراق متعايش خالٍ من العنف والتبعية، وتنجز السلم الأهلي وتوفر البيئة المناسبة لبناء الدولة، وتشارك فيها كافة فئات المجتمع العراقي العرقية والدينية والمجتمعية بما فيها المرأة والشباب ومنظمات المجتمع المدني وتضع جميع الأطراف العراقية أمام التزامات متبادلة وضمانات ضمن سقوف زمنية محددة تلتزم بها الأطراف.
ان الغاية من تلك التسوية صيغة انقاذية للعراق، وأنها الخيار الاستراتيجي الأفضل لمجتمعنا ودولتنا، ليس فقط لإنهاء الخلاف على قضايا الدولة بل تسعى لإعادة بناء الدولة لضمان استمرارها وتقويتها في وجه تحديات الإرهاب والتقسيم واللا أمن واللا عدالة واللا محاسبة واللا استقرار واللا تنمية والجريمة المنظمة والفساد والفوضى. وتبدو عباءة التسوية كبيرة لتشمل كل القوى الفاعلة في المجتمع العراقي على تنوعه سواء من كانوا داخل أطر الدولة والعملية السياسية أو خارجهما بما فيها الوجودات السياسية والدينية والمجتمعية والمعارضة والجماعات المسلحة ضمن سقف الدستور، باستثناء حزب البعث وداعش وكل كيان إرهابي وتكفيري وعنصري.
أسس التسوية اربعة هي:
1- التسوية الشاملة وليس التنازل أحادي الجانب.
2- مبدأ اللاغالب واللامغلوب.
3- تصفير الأزمات بين الأطراف العراقية.
4- رفض استخدام العنف كورقة سياسية لتحقيق التسويات السياسية.
مبادئ التسوية السبعة عشر:
1. الإيمان والالتزام قولاً وفعلاً بوحدة العراق أرضاً وشعباً والحفاظ على سيادته واستقلال قراره وهويته ونظامه الديمقراطي البرلماني الفيدرالي ورفض تقسيمه تحت أي ظرف.
2. الالتزام بالدستور كمرجعية والعمل به دونما انتقائية والاستعداد لإجراء التعديلات الدستورية على وفق الآليات التي نص عليها الدستور ذاته.
3. الاعتراف الرسمي والملزم لجميع الأطراف بالعملية السياسية ومخرجاتها وما يستلزم ذلك من تبعات ومسؤوليات على شتى الصعد السياسية والقانونية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والدينية، ورفض الابتزاز السياسي مهما كان نوعه.
4. التزام العمل معاً لجميع الشركاء برفض ومحاربة الإرهاب وحماية البلد وشعبه، وعدم تغطيته سياسياً ودينياً، وضمان عدم توفير حاضنات للإرهاب والعمل على تفتيتها سياسياً ومجتمعياً لضمان عدم تكرار ولادة كيانات إرهابية جديدة.
5. الإدانة الصريحة والواضحة لسياسات النظام البعثي الصدامي كجرائم الإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والإعدامات والاغتيالات بحق مراجع وعلماء ورجال الدين والنخب الوطنية، وجرائم استخدام الأسلحة المحرمة دولياً وتجفيف الأهوار وعمليات التهجير القسري والتغيير الديموغرافي وقوانين القمع والتجريم ذات الأثر الرجعي بحق الحركة الإسلامية والوطنية.
6. ترسيخ دولة المؤسسات الوطنية واصلاحها من خلال: مؤسسات دستورية فاعلة وراسخة، واعتماد الفصل الحقيقي بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع ضمان حيويتها ومهنيتها وسيادة سلطاتها الاختصاصية، وتبني اقتصاد حر ومتعدد، وتمكين مجتمع مدني قوي وناشط، واعتماد نظام تعليم حديث متطور وإعلام حر ومسؤول وحياة ثقافية مدنية نشطة.
7. رفض جميع أشكال التغيير الديمغرافي التي مارسها النظام البعثي الصدامي، ومعالجة جميع آثار التغيير الديمغرافي سابقاً ولاحقاً، والعمل على عودة النازحين والمهجرين الى ديارهم والسعي لعودة التلاحم المجتمعي المحلي لمختلف مناطق العراق، والعمل على إعادة إعمار المناطق التي تعرضت للدمار بفعل الإرهاب الداعشي والحرب عليها.
8. الالتزام الفعلي بضرورة التوزيع العادل للثروات على أساس النسب السكانية للمحافظات. والالتزام بأنَّ النفط والغاز ملك لجميع العراقيين مع مراعاة المحافظات المنتجة وإنصاف المحافظات التي حرمت باجحاف طوال فترة النظام السابق، واعتبار المياه والأنهر والبحيرات والسدود والآثار والمواقع الآثارية ثروة وطنية لجميع العراقيين ويمنع أي تصرف يضر بمصلحة الشعب العراقي داخلياً وخارجياً.
9. الالتزام بقيم التعايش والتسامح والتآخي وقبول الآخر والانتماء الوطني ونبذ العنف واللا تسامح والتآمر والعدوان في حل المشكلات المجتمعية والسياسية واعتماد الحوار والآليات الديمقراطية والقانونية لإدارة الخلاف وتحقيق المصالح بعيداً عن الاحتكام الى السلاح.
10.إدانة ورفض نهج التكفير والتخوين بحق أي من مكونات المجتمع العراقي. وتجريم أشكال التحريض الطائفي والتمييز العنصري والتطهير العرقي، وتجريم ومحاربة الارهاب والعنف والفساد الذي يستهدف العراقيين ومؤسسات الدولة وعدم إضفاء الشرعية أو المشروعية من قبل جميع الأطراف على تلك الأعمال وترسيخ ذلك تشريعياً.
11. سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة وعدم السماح بوجود كيانات مسلحة أو ميليشيات خارج إطار الدولة، ومواجهة الخارجين على القانون دونما تمييز، ومحاسبة المتهاونين والمقصرين بمن في ذلك منتسبو القوات الأمنية وفقاً للقانون، وإقرار قانون خدمة العلم، وضمان قيام مجتمع مسالم يسوده القانون ويقوم على أساس من العدل والتكافؤ والمساواة واحترام الخصوصيات الدينية والمذهبية والثقافية لجميع مواطني الدولة.
12. العمل الجاد لتحرير الدولة وكل مؤسساتها من نظام المحاصصة العرقية الطائفية التمييزية إلى نظام الاستحقاق السياسي لضمان قيام دولة المواطنة ولتعزيز سيادة القانون والعدالة وتكافؤ الفرص والتزام المشاركة والمساءلة اشتراطات جوهرية لاحترام ورسوخ مؤسسة الدولة.
13. العمل على توزيع الصلاحيات وتطبيق اللامركزية التي من شأنها ان تنظم العلاقة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات على وفق النظام الفيدرالي بما يحفظ وحدة العراق ورفض تقسيمه.
14. تعزيز وتيسير الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحكم الرشيد والشفافية مع إيلاء اهتمام خاص لمحاربة الفساد (بما في ذلك المحسوبية السياسية والمحاصصة والمحاباة) والعمل على بناء وتقوية مؤسسات الدولة والحكم على المستويين المركزي والمحلي.
15. اللجوء الى الوسائل السلمية والقانونية للتعبير عن الرأي والتداول السلمي للسلطة والمطالبة بالحقوق المشروعة لجميع أفراد ومكونات الدولة وإدانة ومحاربة أي شكل من أشكال التعبير المسلح والعنفي عن المطالب.
16. صيانة الدم العراقي بغضّ النظر عن دينه وطائفته وقوميته وإثنيته. والالتزام العلني والفعلي باحترام المعتقدات الدينية والمذهبية لجميع العراقيين، وعدم المساس بالمرجعية الدينية والرموز الدينية الأخرى، وحماية العتبات المقدسة وجميع دور العبادة وعموم شعائر العراقيين.
17. التزام جميع الأطراف العراقية بالدفاع عن مصالح العراق العليا ووحدته وسيادته إزاء التدخلات الخارجية. وتلتزم الأطراف بإبعاد العراق عن ساحات الصراع الإقليمي والدولي وعدم تدويل ملفاته، وأن تُحدد علاقاته ومصالحه مع دول الجوار والعالم في ضوء تبنيها ودعمها لمشروع التسوية الوطنية.
خطوات عمل التسوية:
1- الانتهاء من إعداد أوراق المبادرات لجميع مكونات الدولة التي تمثل رؤيتهم للتسوية السياسية بمساعدة اليونامي وبما يتوافق مع مبادئ هذه المبادرة.
2- تساعد بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق على تحديد وحسم التمثيل الرسمي لممثلي جميع المكونات والاطراف العراقية بما يرضي كافة الاطراف.
3- تقوم بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق بمشورة الحكومة العراقية وممثلي التحالف الوطني وباقي الاطراف العراقية بتقديم استراتيجية تفصيلية للتسوية الوطنية التاريخية في ضوء المبادرات التي تقدّمت بها الأطراف العراقية.
4- تحدد الخطة المجالات التي سيتم اتخاذها لبناء الثقة بين الاطراف العراقية التي ستشتمل على القضايا الآتية: الضمانات والنازحين والمعتقلين والتشريعات والعدالة الانتقالية والجرائم التاريخية ومشروع/مركز التوثيق وسيادة القانون والتعديلات الدستورية وشكل وهوية الدولة والامن والسلاح وإصلاح القطاع الامني والإعلام والاتصالات بالإضافة الى اي قضية تتفق عليها الاطراف العراقية.
5- تطرح بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق الصيغة النهائية للتسوية الوطنية وتكون ملزمة لجميع الأطراف العراقية ويتم إقرارها في مجلس النواب والحكومة بعد مباركة المرجعيات الدينية ودعم وضمان المنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية وفي مقدمتها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وستعمل بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق على تحشيد الدعم اللازم من الدول الاقليمية المجاورة لإنجاح خطة التسوية الوطنية المتفق عليها.
6- تتعهد الأمم المتحدة بدعم الحكومة والاطراف العراقية المنخرطة في التسوية الوطنية لتنفيذ هذه التسوية وتمارس كافة صلاحياتها لتعزيز وحماية التسوية اتجاه أي طرف يفشلها أو يعرقلها أو يهدد تنفيذ بنودها بما في ذلك الأطراف العراقية ودول الجوار الإقليمي.
واخيرا، تبدو هذه التسوية محكمة السبك من الناحية السياسية وكأنها كُتبت بأيدي خبراء، لكنها تثير الكثير من التساؤلات حول جدية القائمين عليها والداعين لها. فهل ستكون كسابقاتها مجرد دعاية حزبية واجتماعات جوفاء وصرفيات ثقيلة على خزينة الدولة؟ ولماذا ظهرت في هذا الوقت الحرج، والبلد مشغول بحربه الوجودية مع قوى الارهاب والتطرف؟ فهل هي لاستباق الغير قبل ان يقدموا مشاريعهم الخاصة، وسحب البساط من تحت اقدام الغرماء؟.
اضف تعليق