منذ احتلال الموصل وتدنيسها من قبل عناصر تنظيم داعش الإرهابي، والعراق بلد غير طبيعي، غصة في القلب والروح والتاريخ، كيف كنا نتحدث ونجتمع ونعقد المؤتمرات وننتخب ونشكل حكومة ونتظاهر ونعترض ونسافر ونعمل ونتفق ونختلف، وقطعة غالية من الوطن مستلبة، مختطف أهلها من قبل الانجاس؟
كيف مر عليهم الليل والنهار وكيف عاشوا مع قوانين الغاب والشر؟، كيف يمكن رؤية العراق بلا موصل.؟
اسئلة كانت تؤرق الناس الذين لاحول لهم ولاقوة، مع يأس ممن لهم الحول ولهم القوة، ومنذ ان دقت ساعة الصفر لتحرير الموصل والعالم مضطرب، تهويل وتهوين، واشاعات وتثبيط، الموصل ستستقل، الموصل للأتراك، الموصل دخلت ضمن لعبة الانتخابات الامريكية وتحريرها يغير الموازين في المعركة بين الديمقراطيين والجمهوريين. الموصل ستصبح معلقة بين التحرير والاغتصاب، ولن نحصل على موقف نهائي للعمليات العسكرية فيها.....
كل هذا وغيره يشاع من اجل ان تبرد اسلحة المقاتلين العراقيين التي اشتعلت ولن تنطفيء حتى استعادة هذه المدينة العريقة وتحرير اهلها. فقصة العراقي اليوم ليست (من المستفيد من تحرير الموصل) وليست (آفاق السياسة الدولية ومؤتمراتها ومؤامراتها)، بل تحرير النفس باستعادة الارض، ربما تعني الموصل أو غيرها للآخرين معاني واهدافا سياسية، لكنها تعني للعراقي كرامته، وثأره من موقف خائب خذل الناس وكاد ينهي فكرة جيش العراق يحمي العراق..
اذن هذه المرة لاتخضع قضية الموصل لخارطة العداء والمصالح، لقد تحولت بالنسبة لنا الى حرب وجودية، وحرب تختصر معاني المصالحة والاصلاح والتغيير بدماء شباب العراق، وهذا هو سبب الهيستيريا الاخيرة التي بدا عليها الدواعش وهم يتخبطون هنا وهناك لاسيما ماحصل في كركوك من اعتداء على الناس ومحاولة فتح جبهة اخرى في المعركة انتهت بطردهم ومواجهتهم.
على العراقيين جميعا، عربا وكوردا وقوميات اخرى ومذاهب وديانات اليوم ان يركزوا على موضوع يجمعهم ويحقق مصالحهم جميعا، تحرير الموصل وتطهيرها من الرجس، فلا موصل الحرة تعني اليوم عراقا طبيعيا، نختلف او نتفق داخله ليس هذا بالأمر المهم والشاذ، عراق بلا موصل حرة، يعني جسد بلا كبد، تنخره السموم وتلقي به وبمصير شعبه الى الاحتراب والتداعي.
من جانب اخر، نلاحظ الفرز الصريح بين لغات وسائل الاعلام العربية والاجنبية بشأن تقييم معارك الموصل، المنطق العربي للأسف ظل في حدود التحسس الطائفي والتهويل من مخاطر وهمية، وسقط في معظم خطابه وسياسة أخباره ومضامينه في مستنقع الانحياز للإرهابيين الدواعش بحجج شتى وكان أمن اهل الموصل من أمن هؤلاء القتلة المجرمين !!
الموصل المدينة العريقة التي عاشت مع كبريات الامبراطوريات، والحضارات الخالدة، هل يمكن ان ينحدر مصيرها ليكون بيد عتاة من شذاذ الافاق القادمين من مستنقع الرذيلة والتفسير المقلوب لنصوص الدين، والقتل والسرقة والنهب والاغتصاب باسمه، انه أمر عجيب فعلا. وعليه فان معركة الموصل كما أشرنا ليست معركة في حدود مدينة بل هي معركة ضد الشر كله يخوضها العراقيون في أعلى صفحات التضحية والكرامة والعز والكبرياء.
اضف تعليق