لحظات الوداع تنتظرنا هناك في صحراء أحزاننا, تذْكرنا بغياب اقمارنا، وتنبت اشواك قاسية ليزود الوجع، وتسود ظلمة الالم في هذه الصحراء الخائبة، يبكي الصغير، الكبير البنت والاخت الزوجة، الحبيبة، ثقيلة هي احزانهم، ذكرياتهم تُخزن في برواز مدينة ملتهبة من النار، بخلفية سوداء من الحرق، توحي بتلك النار التي اضرموها في اجسادهم كما أوقدوا النار على ابراهيم، لكن هذه المرة لم تكن بردا وسلاما، فقد كانت حطام وعويل، صراخ ودموع، فقد نجى ابراهيم من تلك النار وكان جسده يرتعش من البرد وتصطك اسنانه، ونارهم كانت غاضبة جبارة، تحمر اجسادهم لتقدمها قربان عيد لوطن، لو نطقت تلك النار ماذا تقول؟؟ وماذا سيكون جوابها لمرأة حبلى؟ يحترق جنينها وتحرق هي ايضا؟.
ماذا تقول لعروس تنتظر فستانها الابيض؟ وماذا عن أمرأه اكلت حرارة النار اولادها الثلاث؟ وعن طفل بيده لعبة العيد، ماذا سيكون ردها؟؟ هل تحرق النار بنار؟ ام ماذا؟ حتى إذا أمطرت السماء حُزناً، لن تمحى وجعي وستبقى النار نار، تَشعر بأن الجدران المدينة تهتز، تنتحب و تملؤك وجعاً! و تبقى تَشعر بأنهم حولها باقون ما بقيت أنت، ما بقي البرواز ملكاً في الذكريات! يوماً بعد آخر، يَرحلون، ينتشل القدر أرواحهم فيَــرحلون!.
نشعر بأن الدخان يمتلئ ويمتلئُ بهم، ولن يكون هُناك مكانٌ لتطأ قدماك، بل سيكون هُناك جسد ارتحلت روحه، من اثر الحروق يجر أنفاسهم ببطءٍ ملغوم، و ينتهي بهم المطاف، عند هذا المجمع الملتهب، لا ترى منهم شيء، لا شيء سوى اجساد متناثرة، وقطع صغيرة على الاسطح، المبكي ، أنك تعرفهم بروحك تقترب منهم، تشم رائحة العيد من دخانهم، تود لو أنك تطفأ نيرانهم بمياه العيون.
لكنها اطفت شمعة شبابهم، صدى صوتهم ما يزال يصلني، يحتويني، اربعة اشهر مضت على رحيلكم، تلهث، أنفاسي الحارقة تقضي على اشواك هذه الصحراء، تركوا المكان يصدح بالبكاء والدمع الغزيز، صورة النار تلقى على جسد كنت قد عانقته، لجبين كنت قد قبلته، لقـــلب كنت قد احتويته يوما، ويحضرني الياس والشيء الكثير من الألم، فقد دخلت الأشواك في قدمي، لم تكن بارزة حتى اتوخاها، ولكني مضيت وفي حين قادني خيالي ان اتنفس بعمق حتى اشتم رائحة شهداء الكرادة التي اختفت صورهم بينا . فوجدتني كأني اقف في مكان الحادث، ولكن اكتشفت عبثا انني مازالت في غرفتي، لكن حزني عليهم هو الذي اوهمني باني ذهبت ليهم، لاحتضن ثناياهم، واوصل ما قطع منهم، لا اكثر في حين لاح لي في الافق البعيد،، زهور واقفة تنتظر مني اكمال هذا البوح، وأهدتني باقة هذه الحروف، برائحة الدخان، رغم بعد الرائحة والحواجز التي حالت بيني وبينهم، اغصان ورد، واوراق ياسمين، يختلف الوانهم على حسب اعمارهم، وبين باقات الزهور، ورائحة الدخان في اوراقها، هنالك بقايا عيد غريب ضاع فيه الفرح ، واشعلت شموع الكرادة شبابها، بمدى نورها وعبريها وما تتركه من ذكريات، وللشموع عطر داخلي يحتاج للهواء لينتشر، ولن يكون يوما اي هواء بل كهواء بغداد، ليعطي للشموع بسمة بنورها رغم دموعها الحارقة، ليرحل العيد من حيث اتى.
اضف تعليق