كما هو معروف يوصف الاقتصاد العراقي بالريعي والأحادية لاعتماده المباشر والضخم على قطاع النفط، وعائدات بيعه في الاسواق العالمية هي المصدر الرئيسي والمحرك الاساسي للاقتصاد في البلد، فقد اسهم هذا النوع من الاقتصاد تاريخياً في تدعيم التسلطية وتعطيل إمكانية المشاركة السياسية والتطور الديمقراطي في هذه البلد منذ الخمسينات فصعوداً، حيث كانت برامج الانفاق العام ترتكز بصورة عامة على تأسيس وتحديث الأجهزة والمؤسسات العسكرية والأمنية، واصبحت المهمة الاساسية لهذه الاجهزة هي تأمين استمرار النظم الحاكمة والتصدي لأي قوى أو جماعات مناوئة يمكن ان تشكل تحدياً قائماً او محتملاً للنظام القائم.
ان الاعتماد على مصدر شبه وحيد مثل النفط يكشف عن هشاشة الدولة وضعف التخطيط لان اسعار النفط عرضه للصعود والهبوط وتتأثر بالأسواق العالمية كما هو حاصل الان حيث يعاني البلد من ازمة اقتصادية نتيجة لانخفاض اسعار النفط الى مستويات متدنية وتوقعات بانخفاضه الى العشرين دولار للبرميل الواحد.
على مدى الاعوام السابقة لم تجد الحكومات المتعاقبة مصادر اخرى للدخل القومي فالقطاع الزراعي في بلد يطلق عليه ارض السواد مَثل تخلف للتنمية الزراعية اصاب هياكله الاساسية خلال العقد الماضي ولم ينظر اليه الا كقطاع ثانوي، اما قطاع الصناعة فلا يختلف كثيراً عن سابقه حيث دفنت الصناعة في البلد وهي ميتة، ماعدا بعض الصناعات الصغيرة الاستهلاكية فلم يكن هناك تحرك طموح من اجل تطوير الصناعة على امل ان تجعل منه بلداً صناعياً.
ومن هنا تظهر الحاجة الى اتباع حزم من الاصلاحات الاقتصادية بشكل يؤدي الى تخفيف الاعتماد على العائدات البترولية فالفرصة سانحة لمعالجة العجز في الموازنة لهذا العام 2015 تتمثل بدعم القطاع الزراعي في البلد وهو يمتلك المقومات اللازمة للنهوض، كل ما يتوجب على الحكومة هو دعم هذا القطاع وفرض رسوم كمركية على السلع الغذائية المستوردة وجعل منتوجات البلد قادرة على المنافسة من اجل تحقيق الاكتفاء الذاتي والامن الغذائي، وكذلك التأكيد على ضرورة دعم القطاع الصناعي عن طريق الاستغلال الامثل للموارد وتشغيل العديد من المعامل المعطلة وان لايبقى البلد يستورد كل شيء من الخارج لكي يصبح البلد منتجا وليس استهلاكيا فحسب، الامر الذي ينعكس ايجاباً على حل العديد من المشكلات الاقتصادية منها البطالة والفقر والتضخم.
من جانب القطاع السياحي فالعراق بلد متعدد المواقع الاثرية لذا لابد من دعم والارتقاء بهذا القطاع بشقيه الديني والتاريخي وجعله مركز جذب للسائحين من مختلف انحاء العالم، كما يجب التحرك من اجل النهوض بالواقع الاقتصادي على ضرورة فك الارتباط بين الاقتصاد والسياسة اي عدم جعل الاقتصاد خاضع للسياسة الامر الذي ينعكس سلباً على الاقتصاد العراقي، والذي يتمثل بالتركيز على القطاع العام والتخطيط المركزي وتحجيم دور القطاع الخاص وهو ما يؤدي كما اسلفنا الى تعاظم دور الدولة وتمكينها من احكام سيطرتها على المجتمع، لذا فمن اجل انهاء هيمنة الدولة على الاقتصاد لابد من اتباع سياسات التحرر الاقتصادي وتخصيص القطاع العام وتشجيع القطاع الخاص وزيادة الضرائب والرسوم بشكل معقول وتقليص دور الدولة في الحياة الاقتصادية بصفة عامة.
فقد يخطئ الكثير عندما يتصور ان مشكلات الاقتصاد العراقي هي وليدة الأحداث الاخيرة بل انها ترجع الى تراكمات تمتد الى عقود من الزمن والتي اصطف معها هبوط اسعار النفط حتى تكتمل الصورة السوداء عن الاقتصاد العراقي وايضاً تزداد معاناة المواطن الذي سئم من وعود دولة الرفاهية والاستقرار الاقتصادي.
في البلد لا توجد لدينا آلية اقتصادية واضحة وعدم وجود هذه الالية يعني عدم وجود خطة متكاملة لمستقبل الاقتصاد العراقي وآلية عمل هذه الخطة غائبة الان وسابقاً لذا عندما نتحدث عن الاقتصاد العراقي نتكلم عن مشكلات بنيوية كثيرة اسهمت في ايجاد هذا العجز الحاصل الان في الموازنة الاتحادية، لابد من التساؤل عن سبل تطوير الاقتصاد والانتقال به من اقتصاد مشوه الى اقتصاد متطور وحضاري.
لذلك فحالة العجز في الموازنة لا تنفصل عن مشكلات النظام الاقتصادي في البلد التي تتمثل بالاعتماد على النفط كمورد احادي لموازنة الدولة واهمال القطاعات الاخرى كالزراعة والصناعة المحلية والسياحة التي تمثل موارد مهمة حيث حول انعدامها البلد الى استهلاكي وليس منتجاً.
اما آليات حلولها فتتمثل بوضع حلول جذرية وليس ترقيعية كما هو حاصل الان عبر إجراءات التقشف والادخار الاجباري التي تمس المواطن، فهذه تمثل حلول غير واقعية لكونها عززت ملامح التمييز الطبقي بين المواطن الذي بات عرضة لسياسات التقشف والمسؤول الذي ضمن منافعه الاجتماعية وان كانت هناك مبادرات حكومية تمثلت بتخفيض رواتب الرئاسات الثلاث الى النصف الا انها اتت بصفة الادخار القابلة للاسترجاع متى ما انتهت ظاهرة العجز المالي.
ان اي محاولة للبحث عن مخرج للازمة الاقتصادية وتحسين الواقع الاقتصادي للبلد لابد وان تتضمن اعادة هيكلة القطاعات الاقتصادية الصناعية والزراعية والسياحية وتفعيلها بشكل كامل بحيث تصبح ايراداتها موازية للإيرادات النفطية وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل القومي العراقي لان تطور واخفاق الاقتصاد يصبح محكوما باستقرار اسعار النفط العالمية وتقلباتها التي تخضع في النهاية للإرادات الدولية، أما اذا اتضحت صحة الرأي القائل بأن النفط سيظل ضمانة قوية لامتلاك مستقبل مزدهر خلال فترة طويلة، فإن بناء اقتصاد لا يعتمد على النفط سيضاعف ثروات الدولة، وفي كلتا الحالتين ليست هناك خسارة.
اضف تعليق