بقلم: ماريا جي ستيفان
عرض وتحليل: الدكتور خالد عليوي العرداوي/مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
ترجمة: هبة عباس
في اطار الاستعدادات الدولية للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي، ومع اقتراب ساعة الصفر لانطلاق عمليات تحرير الموصل المعقل الرئيس للتنظيم ظهرت الكثير من التحليلات حول الموضوع كان من بينها المقال المثير الذي كتبته (ماريا جي ستيفان) الزميلة السياسية في (معهد السلام الأمريكي) تحت عنوان (هزيمة داعش من خلال المقاومة الشعبية) وقام بنشره المعهد المذكور في موقعه الالكتروني في شهر تموز – يوليو الماضي فقد رأت الكاتبة في هذا المقال ما يلي: "تُظهر جماعات داعش المتطرفة سمات النظام المتمرد والشمولي، ويقر كبار جنرالات الولايات المتحدة بعدم كفاية القوة العسكرية للقضاء عليها، اذ يمكن اضعافها من خلال اتباع استراتيجية متعددة الجوانب تجمع بين الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية وغيرها، ويمكن ان تكون الاعمال المدنية المنظمة التي تهدف الى تقويض وتعطيل المصادر الرئيسة لقوة الجماعة المتطرفة جزءاً مهما من هذه الاستراتيجية.
ويمكن تعريف المقاومة المدنية بانها استراتيجية النظام السياسي التي تضم الافراد والجماعات التي تنظم نفسها وتستخدم تقنيات مختلفة كرفض التعاون مع السلطات الحاكمة وينتج عنه عدم تعاون مع قواعد او ممارسات معينة او الرفض الجماعي لنظام الحكم بأكمله، على الرغم من اختلاف اشكال واهداف عدم التعاون في حالة داعش، يمكن ان يسهم العصيان الجماعي في احتواء عدوانية داعش ويساعد في حل جذوره من خلال اضعاف شرعيته وقاعدة دعم عملياته".
وتضيف الكاتبة " قبل البدء بالنظر الى دور المقاومة المدنية، يجب تقييم دوافع وقدرات هذه المجموعة، لان الهدف السياسي المركزي للتنظيم هو اعادة انشاء الخلافة الاسلامية التي لم يسبق لها مثيل منذ تفكك الامبراطورية العثمانية، ولتحقيق هذه الرؤية السياسية يجب ان تتضمن استراتيجيته الغزو العسكري للسيطرة على الأراضي بدءا من العراق وسوريا وتحقيق الحكم الفعّال في هذه الاقاليم باعتباره وسيلة لإضفاء الشرعية للسلطة الدينية.
التحدي العملي والنظري الذي يواجه علماء المقاومة المدنية هو كيفية استخدام جماعات العمل اللاعنفي –داخل وخارج اراضي داعش- لتعطيل انماط التعاون التي يعتمدها التنظيم وحرمانه من الموارد البشرية والمادية التي يحتاجها لبسط سيطرته، وكيفية دعم العمل اللاعنفي المحلي المتفرق في المناطق التي يسيطر عليها في العراق وسوريا؟ اذ يمكن تحقيق ذلك من خلال اتباع مصادر السلطة الستة التي حددها الكاتب جين شارب مؤسس مؤسسة ألبرت أينشتاين بالنسبة لداعش ويقترح طرق لتقويضه من خلال المقاومة المدنية.
يمكن ان تقود السلطة او الشرعية الناس الى اطاعة الأوامر وتقبل القرارات، وان ايديولوجية داعش هي ايديولوجية متماسكة ورؤيته لبدائل الواقع السياسي والديني هي رؤيا مقنعة للكثير من العرب والمسلمين الذين سئموا الوضع الراهن. ببساطة فإن من غير المرجح ان يؤدي اعلان داعش كتنظيم غير مسلم الى تحقيق تقدم كبير، فبدلاً من العلماء الاسلاميين يمكن ان يبين السنة والشيعة الذين هم على دراية جيدة بالنص القرآني تجاوزات التفسيرات الدينية لـداعش، فضلا على ذلك فإن تزايد عدد المجندين واسرهم –التي تعيش حياة عديمة الامل في ظل حكم داعش- يمكن ان يكون بمثابة اصوات رافضة لرواية داعش المبررة اخلاقياً.
وسائل التواصل الاجتماعي والسخرية
تحت هذا العنوان ترى الكاتبة العمل أن العمل على اظهار الاصوات والقصص الرافضة لحكم داعش من خلال "دعم وتنسيق حملة اعلامية موحدة مساراً مثمراً لعمل الحكومات الغربية، لذلك يجب ان تكون المقاومة الرقمية التي تمكن وتدعم الاصوات العربية والمسلمة ذات المصداقية جزءاً من اي استراتيجية لمكافحة داعش.
تعد الفكاهة والسخرية التي كان لها دوراً هاماً في الثقافة العربية من بين اقوى وسائل تقويض شرعية داعش. ففي مدينة الرقة السورية اصبحت السخرية عنصراً اساسياً في مكافحة داعش، ورداً على حملة داعش الارهابية استخدمت شبكات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي في جميع انحاء الشرق الأوسط الكوميديا للسخرية من وجهة نظر الجماعة المتطرفة، ويمكن ان يكون هذا الاسلوب أكثر فاعلية في المناطق غير الخاضعة لسيطرة داعش، اذ يحظر التعبير عن الفن والثقافة في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم المتطرف فضلا على معاناة عدم وجود خدمة الانترنيت وانقطاع التيار الكهرباء.
مصدر قوة التنظيم الآخر هو تعاون ومساعدة بعض الاشخاص له، اذ لا يمكنه السيطرة على مساحات واسعة من سوريا والعراق الا من خلال الدعم السري والعلني المقدم من بعض الاشخاص، حيث يعتمد التنظيم على مهارات رجال الدين والمهندسين وجباة الضرائب واشخاص اخرين لفرض سيطرته ونفوذه. لكن اعضاء هذه الجماعة ليسوا جميعهم موالين لـداعش، فمن أكبر نقاط ضعف التنظيم هو عدم قدرته على ايجاد اشخاص موثوق بهم، وان عدم تحقيق الحكم الرشيد وعدم توفير الخدمات والبطالة من المشاكل التي تواجه التنظيم في المناطق الخاضعة لسيطرته.
في الوقت الذي تكون فيه الاحتجاجات محفوفة بالمخاطر بوجود داعش، هنالك اساليب يمكن ان تحبط او تبطيء سير عملياته من خلال دراسة ضعف اداء ادارته وتبادل الوثائق المهمة مع النشطاء والداعمين الخارجيين وتدمير البنية التحتية. وفي الحالات التي يكون فيها نطاق مصادر السلطة خارج السياق المحلي المباشر وجد العلماء ان المقاومة المدنية الفعّالة تتطلب توسيع ساحة المعركة، ومثال على ذلك تقويض العلاقة بين متطرفي داعش والمجندين المحتملين".
وعند الحديث عن شريحة دعم داعش تعتقد الكاتبة انه "فضلا على ضاغطي الزناد والجهاديين المدربين، يعتمد داعش على دعم الحكومات والبنوك وشركات تكنولوجيا المعلومات المحلية وغيرها، وسيتمكن التنظيم من انشاء دولة فعّالة إذا وفرت هذه الجماعات المعرفة والدراية اللازمة للقيام بعملها. وستشكل هذه المجاميع نقاط ضعف لحكم داعش ووظائفه الادارية اذا فشل بعض اعضاءها في اداء مهامهم كما هو متوقع او بدء تمردهم.
مصدر السلطة الرابع الذي حدده شارب هو السيطرة على الموارد الطبيعية والموارد الأخرى مثل المال والأرض واجهزة الكومبيوتر والاتصالات والنقل، يعتمد تنظيم داعش الذي يسيطر على مساحات واسعة من الاراضي على التمويل الذاتي من عملياته والذي يبلغ حوالي ٢ مليار دولار، ووفقا لتقرير مؤسسة راند فإن داعش يعتمد على الابتزاز وفرض الضرائب التي تبلغ حوالي مليون دولار يوميا من اجل تمويل انشطته. وتعد الإجراءات الوقائية للمجتمعات في المناطق المتاخمة للمناطق التي يسيطر عليها داعش في العراق وسوريا او المناطق القريبة منها طريقة اخرى لردع انشطة داعش وحرمانه من امدادات الموارد المادية. ويؤكد هذا الكشف او التقصي أن مساندة أي جهة قومية ذات توجهات محلية من أجل تأسيس انقسامات طائفية يمثل تحديا لاحد الجوانب الرئيسة لإستراتيجية داعش وسيدعم هذه المجتمعات في حال حدوث هجوم من قبل داعش في المستقبل، فعلى سبيل المثال في العراق ساعدت الدبلوماسية المكوكية النشطة التي قام بها مجموعة من النشطاء من شبكة الميسرين العراقيين في منع دوامة العنف الطائفي في اعقاب مجزرة سبايكر التي نفذها داعش بحق ١٧٠٠ طالب شيعي في كلية سبايكر قرب مدينة تكريت عام ٢٠١٤.
كما يستشهد شارب بالمصادر غير الملموسة للسلطة كالعوامل النفسية والثقافية والإيديولوجية التي تشجع على اطاعة من هم في السلطة والتعاون معهم، ويمكن ان تشمل العادات والتقاليد والمعتقدات الدينية والشعور بالانتماء. يستغل التنظيم المتطرف الأصول غير الملموسة كالرغبة في الانتماء لجذب الاتباع والمقاتلين، وتظهر هنا زيادة اعداد الشباب المغتربين الراغبين بالانتماء الى التنظيم، واستجابة عدد من النساء اللواتي يعانين من الضغوط الاجتماعية لنداء داعش للمشاركة في اعادة بناء دولة الخلافة".
نمط الحياة الكريمة
وتذهب الكاتبة الى القول: "جزء من الحل هو استخدام شهادات المنشقين من تنظيم داعش لتقويض ادعاءاته كوسيلة لتوفير حياة كريمة للمسلمين، اذ يتطلب حل وتفكيك جذور ارهاب داعش تزويد الناس بالادوات والروايات اللازمة لتحدي الظلم الذي ينتج عنه التطرف العنيف. كما يحتاج الشباب الضعفاء الى اظهار وابتكار وسائل بديلة لتحقيق العدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية، وجزء من الحل على المدى الطويل هو الاستعانة بالتاريخ الاسلامي الغني بالصراعات العربية غير العنيفة التي قادها المسلمين العرب كمرجع ثقافي، وتهويل هذه الصراعات ودور قادتها باستخدام وسائل الاعلام الأكثر شعبية والادوات التعليمية. والمصدر الاخير من مصادر السلطة التي وضعها شارب هي تنفيذ العقوبات بحق المتخاذلين وغير المتعاونين والمتمثلة بالسجن او الاعدام. ان الهدف من اي عمل لاعنفي هو جعل داعش يستخدم العقاب البدني الذي ستكون له نتائج عكسية من الناحية السياسية. فداعش يحكم قبضته على السلطة من خلال زج نفسه في جميع جوانب الحياة الاجتماعية وتدمير اي نوع من العمل السياسي المستقل، وبهذه الطريقة يُظهر التنظيم خصائص النظام الشمولي والحركة الاجتماعية الدينية".
التهديد الكبير للحكم الشمولي
وتنتهي الكاتبة من مقالها الى القول: "تعد تأملات الفيلسوفة الالمانية حنا ارندت عن الشمولية ونقاط ضعفها مفيدة من حيث استجابة المقاومة المدنية لداعش التهديد الاكبر الذي يواجه الحكم الشمولي والهدف الرئيس من الارهاب هو عفوية الانسان او قوة الشخص وقدرته على القيام بشيء جديد من مصادره الخاصة الامر الذي لايمكن تفسيره على اساس ردود الفعل على البيئة والأحداث. وتعترف ارندت ان قوة الانسان وثورات العمل السياسي العفوية تشكل تهديداً للنظام الشمولي، ويعد هذا النوع من العمل السياسي صعب للغاية في حالة الديكتاتورية الشمولية، وقد شهدنا عدد من الثورات العفوية التي اسهمت في تحقيق انتصارات في المناطق التي يسيطر عليها داعش في العراق وسوريا.
يمكن ان تدعم الحكومات الغربية والمنظمات الدولية غير الحكومية صمود المجتمع واشكال عدم التعاون الخفية مع داعش من خلال مساعدة العراقيين والسوريين على انشاء هياكل ومؤسسات موازية، فمن الناحية العملية يستلزم هذا توفير مواد تعليمية وامدادات طبية الى الرجال والنساء السوريين والعراقيين المحتمل قيادتهم للمدارس السرية والعيادات الطبية، كما يتطلب دعم وسائل الاعلام والاتصالات ودعم الاصوات المحلية والاقليمية ذات الثقل الثقافي للطعن في طغيان داعش. فضلاً على ذلك، فان محاولة تفكيك داعش من دون معالجة اخفاقات الحكم والفساد المستشري الذي ساهم في صعود التنظيم ستكون غير مجدية، وان الحرب الاهلية السورية تعد اكبر كارثة انسانية في عصرنا، اذ اسهم النزوح والدمار واليأس الناجم عن الحرب في صعود داعش فيها.
ويتضمن الحل السياسي للحرب الاهلية السورية عقد اتفاق اقليمي يضم ايران والسعودية، وزيادة الاستثمار مع الافراد والمنظمات السورية القادرة على التوسط عبر خطوط النزاع قد تكون هذه الطريقة الوحيدة للقضاء على داعش على المدى الطويل، كما سيسهم تعزيز الحكم النموذجي في العراق وليبيا وتونس وغيرها من البلدان التي ولدت متطرفي داعش في تجفيف جذور التطرف العنيف. وعلى المدى الطويل والقصير فإن دور المدنيين المنظمين لتحدي التطرف وايديولوجيته الشمولية وتقويض قوته ليس دوراً تافها ولا يستهان به، وان مواجهة الافكار والروايات المتطرفة من خلال زيادة قدرة الاصوات الاقليمية والمحلية على تبني قضية دينية واجتماعية وثقافية مقنعة ضد داعش هو دور اساسي لمن يبحث عن حل لهذا الصراع المدمر، وبالمقابل يجب ان تكون مكافحة هذه الروايات مدعومة بالعمل الجماعي المنظم ودعم الانشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستقلة، ولا يقتصر هذا على مكافحة داعش بل مكافحة الحكومات الظالمة والفاشلة".
نظرة تحليلية
ان التعمق في تحليل هذا المقال المهم في هزيمة داعش والتنظيمات المتطرفة يكشف أمورا عدة منها:
- جهل او تجاهل بعض الكتاب الغربيين ومنهم كاتبة المقال الى حقيقة ان داعش لا يمثل تطلعات العرب والمسلمين في علاج واقعهم الراهن، وان الكثير من خفايا ظهور داعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة مرتبطة بسوء ادارة العلاقات الاقليمية والدولية في منطقة الشرق الاوسط، فشعوب هذه المنطقة تتطلع شأنها شأن غيرها من الشعوب الى عيش حياة حرة كريمة تنعم فيها بالرفاهية، تحول دونها انظمة فاسدة ومستبدة ترفض الاستجابة لتطلعات شعوبها، وللأسف تجد انصارا لها من اطراف دولية مستعدة الى تدمير كل شيء من اجل مصالحها، فداعش كما هو وليد الجهل والتخلف، فهو وليد الاستبداد والظلم، وغياب المعايير الاخلاقية الدولية.
- تتعمد بعض القراءات تجاهل قوة الفعل الاجتماعي الداخلي في العراق على الاقل في منع جر العراق الى اتون الحرب الاهلية، كالدور المحوري والاستراتيجي الذي لعبته المرجعية الدينية في النجف، ليس في منع تطور مأساة جريمة سبايكر الى ما لا يحمد عقباه وانما في مواطن اخرى كثيرة، وسلب المرجعية وغيرها من القوى الوطنية واعطاء الاهمية لما تسميه الكاتبة شبكات الميسرين العراقيين غير المعروفة فيه كثير من التجني والمغالطة غير المقبولة.
- لقد احسنت الكاتبة في اشارتها الى محاربة داعش وهزيمته لا تقتصر على الجهد العسكري وانما هو بحاجة الى محاربة شبكات الفساد الاداري والمالي، والضعف الحكومي، وايجاد حكم شامل نموذجي يستوعب الجميع، وهذه الالتفاتة بحاجة الى انتباه جميع القوى الراغبة في هزيمة الارهاب داخل وخارج العراق.
- كما كانت الكاتبة موفقة بدعوتها الى الحكومات والشعوب في المنطقة الى اصلاح العلاقات بينها من اجل تجفيف جذور الارهاب، ومطالبتها الجميع بالتوجه الى انتاج رؤية ثقافية دينية نابذة للإرهاب، وتعتمد منهج اللاعنف، والعمل على منحها الشرعية من خلال تجارب التاريخ الاسلامي المناسبة. انها دعوة ما احوج حكوماتنا وشعوبنا اليها لا سيما في هذه اللحظة التاريخية الحرجة.
- ان النظر الى هزيمة داعش بطريقة الجهد الشعبي المقاوم، والتوظيف الاعلامي العامل على تهديم البنيان الايديولوجي للتنظيم المتطرف، هو اتجاه صحيح، وبحاجة الى الاخذ بالحسبان، لكن مع ذلك تبقى هكذا حركات متطرفة هدامة بحاجة الى قوة عسكرية مناسبة لديها الكفاءة والقدرة على دحرها في أي وقت، واي مكان، فهكذا تنظيمات تؤمن بلغة العنف بحاجة الى رادع قوي يحسن استعمال ادوات العنف ضدها.
اخيرا، لابد من الاشارة الى حاجة صناع القرار في العراق وغيره الى الاستماع الى وجهات نظر الخبراء في بلادهم، كما هم بحاجة الى سماع وجهات نظر الخبراء الدوليين من اجل تنظيم ادارة دولهم، ومواجهة التحديات الصعبة التي تعترضهم، واتخاذ القرارات المناسبة. وتحقيق هذا يتطلب ان تقوم الحكومات بإعداد نشاطات تجمع الخبراء المحليين مع نظرائهم الدوليين بحضور صناع القرار للخروج منها بتوصيات تناسب متطلبات ضمان المصالح العليا للدول.
اضف تعليق