أمريكا في العراق... مساعدة عسكرية أم أجندة خفية؟
شبكة النبأ: لم تتضمن الاتفاقية الامنية – الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة فقرة تنصّ على إنشاء قواعد عسكرية دائمية على غرار ما موجود في الكويت وتركيا وبلاد اخرى ذات علاقات متميزة مع اميركا. وهذا ربما مردّه الى الظروف المعقدة المحيطة بتلك الاتفاقية التي نظمت العلاقات بين البلدين على الصعيد الامني والعسكري، فكان العراق حينها يحاول الوقوف على قدميه بعد سنوات من الاحتلال العسكري وعدم تجربة الامساك بالملف الامني كاملة، اضافة الى تقاطع المصالح الاقليمية مع الدولية، مما كان يعقد الوضع اكثر لو جازف العراق بالموافقة على رغبة واشنطن العتيدة باقامة قواعد عسكرية دائمية.
المراقبون والمحللون يتابعون عن كثب الكيفية التي من خلالها مساعدة العراق في حربه ضد "داعش"، وهي العبارة التي طالما يرددها الاميركيون اكثر من غيرهم، وهم ما يزالون يعدون العدّة ويحشدون ويعبئون لحملة سياسية وعسكرية عالمية لهذا الغرض، حتى بلغ عدد الدول المشاركة في التحالف الجديد (50) دولة حول العالم بقيادة واشنطن.
ومنذ بداية سيناريو "داعش" في حزيران الماضي في الموصل، شهدنا كيف أن أول فصول السيناريو انتهى بحصول اقليم كردستان على فيض من صفقات التسليح الاميركية والفرنسية والتشيكية وغيرها، كما حصل على الدعم السياسي الكثيف الذي أوقف الزحف الداعشي عند حدّه على تخوم المناطق الخاضعة لقوات البيشمركة، وتحديداً المدن الكردية الرئيسية: اربيل ودهوك والسليمانية، الامر الذي عزز الاعتقاد لدى المراقبين بأن يكون الاقليم الارض الصالحة التي تقام عليها القاعدة العسكرية المحتملة. وفي نيويورك وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة، لم يستبعد رئيس الجمهورية فؤاد معصوم إقامة قواعد عسكرية اميركية في العراق دون تحديد الموقع والمكان.
وعلى ما يبدو فان الحديث عن إنشاء القاعدة العسكرية التي ربما تضم قاعدة جوية وثكنات للتدريب والتأهيل، سابق لأوانه في الوقت الحاضر، إلا انها تعد على "نار هادئة"، فيتم التقديم لها بحديث عن العمليات العسكرية البرية في الحرب على "داعش"، وعندما يرفض المسؤولون العراقيون هذه الفكرة جملةً وتفصيلاً، كما يتوقع البيت الابيض، فلابد من بديل لتعضيد الجهد العسكري الاميركي مع المتحالفين لتحقيق النصر في الميدان.
ففي الوقت الذي ما تزال الحرب المرتقبة لم تندلع بعد، والاميركيون وحلفائهم ما يزالوا في طور الاعداد سياسياً، والتجهيز عسكرياً ولوجستياً، فان عناصر "داعش" لا يتوقع ان يكون عددهم بالآلاف، يعززون سيطرتهم على مدينة الموصل وتكريت، وهما مركزي لمحافظتي نينوى وصلاح الدين، الى جانب قضاء الفلوجة في الانبار ومناطق واسعة من العراق، ويرى المراقبون حالة مريبة في الميدان، حيث العجز العسكري في القوات العراقية على الارض، فمن السهولة تتم محاصرة قاعدة عسكرية او مقر فوج او اعدادا كبيرة من الجنود والضباط، كما حصل في قاعدة "السجر" بناحية الصقلاوية شمال الفلوجة، وهذا بحد ذاته يثبت للجميع الثغرات الخطيرة في هيكلية الجيش العراقي، وهذا الاثبات والدليل بحد ذاته ما يبحث عنه الاميركيون تحديداً لتمرير الخطة الموضوعة سلفاً لإنشاء القاعدة العسكرية في العراق، التي يرى المراقبون ان لها اهمية استراتيجية قصوى في المنطقة.
واكثر من هذا، يرى محللون أن الغموض الذي يلفّ الاخطاء القاتلة والرهيبة للقادة العسكريين باعطاء اوامر خاطئة تسببت بمقتل المئات من الجنود، او سهلت مهمة الزحف على "داعش"، وآخرها ما حصل في قاعدة "السجر" بناحية الصقلاوية وقبلها في قاعدة "سبايكر"، كلها تندرج في إطار الابقاء على الهشاشة في هيكلية الجيش العراقي ليكون فاقداً لمقومات الصمود والتصدي لعناصر ارهابية بالغت وسائل اعلام مختلفة في تهويلها والترويج لقدراتها القتالية بشكل غير مباشر.
وعلى الصعيد السياسي في بغداد، فقد جاءت المساومات والترضيات بين الكتل السياسية الطامحة للحصول على المزيد من المناصب، لتخدم المسار العام المرسوم لدور اميركي – دولي في العراق، فقد وجد المراقبون علاقة يصلون بها بين وقف القصف الجوي للفلوجة وبعض المناطق ذات الاغلبية السنية، وبين التراجعات العسكرية العراقية، وبين التحضيرات العسكرية الاميركية والدولية للبدء بعمليات نوعية لقتال داعش، حيث يرى هؤلاء المراقبون أن من الصعب مشاركة الجيش العراقي او حتى التنسيق بينه وبين قوات عسكرية من (50) دولية بما فيها دول غربية من الطراز الاول، مثل اميركا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وكندا وغيرها، بمعنى ان العراق ربما يشهد الحرب الدولية ضد "داعش" من دون الجيش العراقي، بما يمهد الطريق أمام إنشاء قاعدة عسكرية تكون بمنزلة المدرسة والنموذج للأداء العسكري الصحيح.
اضف تعليق