في حواراته المتعلقة بالدين الطبيعي(1) يستكشف هيوم ما اذا كانت العقيدة الدينية عقلانية. وبما ان هيوم تجريبي (يرى ان جميع المعرفة تأتي من خلال التجربة)، فهو يعتقد ان العقيدة تكون عقلانية فقط عندما تستند على الدليل التجريبي.
يعرض هيوم ثلاث شخصيات في حواراته كل واحد منهم يمثل موقعا مختلفا في هذه القضية، الشخصيات منخرطة جميعها في الحوار. (ديما) يجادل لأجل موقف الارثودكسية الدينية، ويصر باننا لا يمكننا معرفة طبيعة الله من خلال العقل. هو يعتقد اننا لا نستطيع ابدا معرفة طبيعة الله لأن الله بطبيعته وراء قدرة الادراك البشري. (فيلو)، المشكك الفلسفي، يتفق مع ديما بان الله لا يمكن ادراكه ويعرض حججا اكثر اقناعا في موقفه. الشخصية الثالثة (كلينثس) يجادل ضد الشخصيتين السابقتين من موقع الايمان التجريبي بالله – اي اننا نستطيع معرفة الله من خلال الدليل الذي توفره الطبيعة.
يؤسس كلينتش عقيدته في الايمان التجريبي على التصميم. طبقا لهذه الحجة، يمكن توضيح النظام المعقد والجميل للكون فقط بوجود مصمم ذكي هو الله. الحجة يُفترض ان تعمل بطريقة المقارنة (analogy) والتي تقوم على:
1- العالم يشبه الماكنة
2- كل المكائن التي نعرفها خُلقت بالذكاء (ذكاء انساني)
3- لذلك، فان العالم يجب ايضا ان يكون خُلق بذكاء (ذكاء ديني).
لو نظرنا للطبيعة، سنجد دليلا ساحقا بان ذكاء الله يشبه ذكاء الانسان (مع انه بشكل اكثر كمالا). الحجة من التصميم يُفترض ان تكون احسن موقف يمكن فيه الادّعاء بعقلانية العقيدة الدينية. يأمل هيوم عبر اظهار فشل حجة التصميم اثبات ان العقيدة الدينية لا يمكن ان ترتكز على العقل.
(فيلو) المشكك يعارض حجة التصميم. في القسم 2 هو يحاول اظهار ان حجة التصميم ليست حالة حقيقية ولهذا هي زائفة. حجة التصميم تبدو حجة بالمقارنة، لكنها لا تعمل حتى تحت هذا التصنيف للأسباب التالية:
اولا، المقارنة بين الماكنة والكون هي مقارنة ضعيفة، ولذا فان اي استدلال مرتكز على هذه المقارنة يجب ان يكون ضعيفا ايضا.
ثانيا، الكون والماكنة ليسا ظاهرة تصلح للمقارنة لانهما ليسا وجودين مستقلين، وانما الكون هو كل والماكنة جزء منه.
ثالثا، يجادل فيلو ايضا بانه من غير الصحيح ان اي نظام نلمسه نشأ بفعل ذكاء محسوس. بعض الانظمة مثل النظام الموجود في الاجسام العضوية نشأ بواسطة التكاثر ضمن دورة حياة النبات والحيوان generation and vegetation. لا يوجد هناك سبب للاعتقاد بانه فقط لأن العالم منظّم، فمن الضروري ان يكون نتيجة لتصميم ذكي.
اخيرا، ان الحجة الاستنتاجية (حجة ترتكز على دليل من الماضي)، ومنها حجة التصميم هي بالتاكيد، تتطلب تجربة مكررة للظاهرة قيد السؤال(اي، تجربة مكررة لسبب تتبعه نتيجة).
لكن السبب الملائم هنا(الله) والنتيجة(الكون) هما كلاهما متفردان، لهما خصوصيتهما، لذا لا توجد هناك طريقة نحصل بها على مثل هذه التجربة المكررة لوجودهما او لشيء مشابه لهما.
في القسم الرابع، ياخذ فيلو خطا اخرا من الجدال.هو يرى ان الادّعاء بان الله مصمم ذكي لم ينجح في توضيح لماذا العالم منظم. ادراك الكيفية التي اسس الله بها العالم في نظام ليست اسهل من ادراك الكيفية التي يكون بها العالم المادي هو مصدر النظام. في كلتا الحالتين، علينا ان نسال كيف ولماذا يحدث هذا. لذلك، لا مكسب من اظهار الله كمصمم ذكي.
في القسم الخامس، يجادل (فيلو) بانه حتى لو اننا نستنتج اي شيء من حجة التصميم، فهو ليس ما نرغب استنتاجه. في ضوء الدليل الذي لدينا من الطبيعة نحن لا نمتلك ارضية نستنتج منها ان الله لانهائي وتام وواحد، او انه يفتقر لجسم مادي. وهكذا حتى لو ان الحجة من التصميم كانت صالحة، فان الدليل الذي نحصل عليه من طبيعة الكون لا يزودنا بمعرفة عن طبيعة الله.
في القسم السادس مرورا بـ القسم الثالث، يحاول فيلو تبيان ان هناك عدة مقارنات ممكنة غير الماكنة، وهي بنفس المقدار مدعومة بالدليل الذي نجده في الطبيعة. مثلا، يمكن مقارنة الكون بجسم الحيوان والله بروحه. لذلك سيكون من الاعتباط اختيار مقارنة الكون بالماكنة.
في القسمين العاشر والحادي عشر يعرض (فيلو) حجته الحاسمة والشهيرة ضد الايمان التجريبي.
حتى هذه النقطة، تركّز النقاش حول سمات الاله الطبيعي – لانهائيته وابديته وكماله. اما الآن يختبر فيلو فكرة السمات الاخلاقية لله (مثل خيريته) ويسأل ما اذا كانت هذه تُستنتج من خلال التحقيق في الطبيعة. كل من ديمو وفيلو يرسمان صورة معتمة عن الكون. في تعارض تام مع الانسجام التام في الماكنة التي يفترض كلينثس ان الكون يتسم به، هما يخبراننا ان عالمنا هو مكان تعيس، مليء بالشر. وكما يقول فيلو، اذا كان الكون ماكنة، فان هدفه الوحيد هو مجرد البقاء لكل كائن حي، وليس ان يكون كل كائن حي سعيدا. في ضوء حجم الشر الموجود في العالم، نحن لا نستطيع النظر الى العالم واستنتاج ان هناك خير لا متناهي وحكيم وقوي. لو حاولنا استنتاج الصفات الاخلاقية لله من الدليل الموجود في الطبيعة، فان الاستنتاج المشابه الوحيد الذي يمكن بلوغه هو ان الله محايد اخلاقيا.
في هذه النقطة، يبدو ان فيلو اظهر ان حجة التصميم هي غير صالحة. ولكن في الفصل الاخير يأخذ فيلو اتجاها معاكسا ويقبل حجة التصميم. من الواضح تماما هو يصرح ان العالم المنظم يقف خلفه ذكاء وان هذا الذكاء يحمل شبها مع ذهن الانسان. النقطة الحقيقية في عدم الاتفاق، هو يستمر، هي كم قوة هذا التشابه. ما يفصل الملحد عن المؤمن هو فقط السؤال عن درجة التشابه بين الانسان والله. فيلو يستمر بمهاجمة الدين المنظم باعتباره مؤذ اخلاقيا وفلسفيا، ويجادل بان الدين الحقيقي (وهو الايمان الفلسفي ) وحده يجب القبول به.
اخيرا، هو ينتهي بتبنّي موقف ايماني، يقول فيلو لكلينثس ان الشك الفلسفي هو فقط الطريق الملائم للمسيحية الحقيقية، انه يجبرنا للّجوء الى التجلي عبر اضعاف ايماننا بالعقل. فقط عبر التجلي نستطيع عبادة الله بالطريقة الصحيحة. ولكن من المثير للتساؤل ان يكون هذا الادّعاء الاخير تعبيرا عن افكار هيوم، كونه كان ذو سمعة مشككة وناقد للمسيحية المنظمة.
اضف تعليق