الموقف الأمريكي من الازمة السورية اثار جدلا منذ الأيام الأولى لاندلاع شرارة الحرب في البلاد، فبداية من أزمة الكيمياوي ومرورا بالتقاعس عن مساعدة المعارضة وليس انتهاء بالتعاون مع روسيا او التعاون بين الجماعات الإرهابية معاً، فواشنطن متهمة من قبل جميع أطراف الحرب في سوريا، سواء من كانوا مع الحكومة والجيش او مع المعارضة والجماعات المسلحة.
اختلف الرافضون للموقف الأمريكي في تقيمهم لكن المحصلة النهائية كانت الغضب والرفض لطريقة إدارة واشنطن لموقفها من هذه الازمة المتشابكة حد التعقيد الذي يصبح فيه مناقشة حلول لها مثل البحث عن ابره في مياه المحيط.
روسيا وحلفاءها يقولون ان الولايات المتحدة غير جادة في محاربة الإرهاب وكل ما تفعله هو إطالة امد الحرب لاستنزاف سوريا وحلفاءها وبانتظار الحلول التي قد تأتي مع تقادم الزمن والارهاق الذي قد يصيب المتحاربين، ويأتي هذا رغم ان واشنطن حشدت ما يقارب 67 دولة تحت مسمى التحالف الدولي لمحاربة داعش في العراق وسوريا.
تدعم هذه النظرية ما تقوم به واشنطن من دعم واضح لفصائل مسلحة تمارس أبشع صور القتل ورغم ذلك تصنف على انها معارضة معتدلة وفق المنطق الأمريكي، (والمثال هنا حركة نور الدين الزنكي التي قتلت قبل شهرين تقريبا الطفل عبد الله عيسى)، كما ان تنصلها من تعهداتها بفصل المعارضة المعتدل عن الإرهابية اعطى دفعة أخرى لتأكيد الاتهامات الموجهة للولايات المتحدة بعدم جدية بمحاربة الإرهاب، (على الأقل هذا ما يكرره يوميا محور حلفاء سوريا).
طائرات التحالف الدولي شنت غارات على مواقع للجيش السوري بمحيط مطار دير الزور، ما أسفر عن مقتل اثنين وستين من عناصر الجيش وإصابة العشرات، كانت كفيلة بأطلاق موجة غير مسبوقة لاتهام واشنطن بدعم الجماعات الإرهابية لا سيما وان تلك الغارة ساعدت لساعات قليلة جماعة داعش الإرهابية في السيطرة على بعض مواقع الجيش السوري قرب مطار دير الزور وفي جبل الثردة. وكانت تصريحات المسؤولين السوريين والإيرانيين والروس تتراقص مغنية "انشودة الدعم الأمريكي للإرهاب". لكن أكثر تلك التصريحات اثارة جاء على لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخروفا والتي اتهمت الولايات المتحدة صراحة بدعم داعش، لترد عليها المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة سامانتا باور داعية زاخروفا للخجل من تلك التصريحات. ولم تنتهي سلسلة المناوشات الكلامية عند رد الناطقة الرسمية باسم الخارجية الروسية ودعوتها للمندوبة الأمريكية لزيارة سوريا لترى بعينها كيف يعيش الناس في ظروف الحرب ولتعرف معنى الخجل.
على الجانب الاخر وبشكل مغاير تقول دول الخليج وحلفائها الداعمين للمعارضة المسلحة والجماعات السلفية، بان موقف الولايات المتحدة الامريكية لم يكن عند مستوى الطموح بل انه موقف متخاذل ومتامر على ما يسمونه "الثورة"، وتستدل الدول الخليجية على الصعيدين الرسمي والشعبي بتقاعس أمريكا عن ضرب الحكومة السورية على إثر ازمة استخدام الغازات السامة التي استهدفت الغوطة الشرقية عام 2013، كما ان سماح الولايات المتحدة لروسيا بالتدخل بهذا الشكل كان مخططا ومدروسا وهدفه النهائي القضاء على المعارضة المسلحة بعد تغير موقف واشنطن بعد الهجمات الإرهابية التي ضربت اوربا في العام الماضي والحالي.
المفاوضات الروسية الامريكية المتواصلة منذ أشهر كانت مادة دسمة لدعم وجهات النظر التي تتهم الولايات المتحدة الامريكية بخذلان المعارضة السورية وحلفاءها، وكان اتفاق وقف إطلاق النار بمثابة الرصاصة التي اصابت عمق العلاقة بين المضطربة بين المعارضة وواشنطن.
بعض الاتهامات الموجهة الى الولايات المتحدة منطقية ويتحدث عنها الواقع أكثر من شاشات التلفاز لكن بعضها كان تعبر عن حالة الكسل المعتاد لدى الأنظمة العربية والتي غالبا ما تلقي بالفشل على المتآمرين الخارجيين، كما انها كان تعبر عن عدم فهم وادراك اهداف الدول الكبرى في منطقة الشرق الأوسط.
الولايات المتحدة الامريكية لديها مصالح واهداف استراتيجية وهي تمارس دورها كدولة عظمى بل كإمبراطورية كونية (بغض النظر إذا كانت مشروعة او غير مشروعة)، وهي لا تنتظر الاذن من أحد ليقول لها ان هذا الفعل حسن وذلك سيء، مستخدمة كل الوسائل المتاحة تحت شعار المصالح القومية الكبرى التي لم تخضع لتعريف محدد واستغل هذا الغموض بزيادة نسب التدخل في شؤون الدول الأخرى. وبالتالي فهي تمارس دورها كشرطي العالم اجمع ومستعدة لتبرير أي فعل تقوم بها حتى وان أدى ذلك الى تدمير دول كاملة كما حدث في الصومال وأفغانستان والعراق وليبيا.
اضف تعليق