افتتحت فعاليات الدورة الحادية عشر لقمة مجموعة العشرين يوم الاحد في مدينة هانغتشو الصينية التي تشتهر بمناظرها الجميلة، وتقول وسائل اعلام غربية ان ذلك يمنح قادة الصين فرصة لإظهار بروز بلادهم كقوة كبرى على الساحة العالمية، إذ حرصت الحكومة على تزيين المدينة المشهورة ببحيرتها التي تنتشر فيها الجزر، وأغلقت آلاف المصانع لتضمن خلو السماء من الدخان واكتسابها اللون الأزرق، وشددت الإجراءات الأمنية. حيث يلتقي أبرز قادة العالم في أجواء من المشاكل الاقتصادية وتباطؤ النمو العالمي.
منذ تحول أنظار العالم إلى الصين لمساعدته في الخروج من الأزمة المالية في 2008، شعرت بكين أنها تستحق أن تلعب دورا أهم يناسب مكانتها كثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، وقمة مجموعة العشرين هي أكبر قمة وأرفعها مستوى تستضيفها الصين في تاريخها، ويعتزم الرئيس الصيني شي جينبينغ أن يظهر للعالم ولمنافسيه السياسيين داخل البلاد، أن الصين دولة قوية وقادرة ومستعدة للعب دورها في قيادة الاقتصاد العالمي.
مدير مركز الاستراتيجيات الدولية في العاصمة بكين جو فانغ يؤكد أن الصين تدرك جيدا ماذا تريد من القمة، وكيف تديرها بما يخدم تعزيز مكانتها كقوة عالمية، معتبرا في تصريحه لقناة "الجزيرة" أن استضافتها لقمة مجموعة العشرين دلالة على قيادتها الاقتصادية للعالم، وتثبيت لمكانتها الجديدة، وقلل فانغ من أهمية الحديث عن إثارة ملفات وقضايا حساسة بالنسبة للصين في القمة، مثل ملف بحر جنوب الصين، والخلافات الصينية اليابانية بشأن المياه الإقليمية، مؤكدا أن مثل هذه القضايا لا مكان لها على جدول الأعمال.
مراقبون يرون أن الصين لن تكتفي بدور الناظر في القمة باعتبارها الدولة المضيفة، بل ستقوم بخلط الأوراق، وستعمل من خلال اجتماعات ثنائية سيعقدها الرئيس شي جين بينغ، مع قادة الدول الكبرى، على تأكيد وتسويق موقفها إزاء حماية سيادتها الإقليمية وحقوقها ومصالحها البحرية، ورغم عقد الكثير من اللقاءات الثنائية حتى كتابة هذه السطور الا ان نتائج تلك المحادثات لن تظهر سريعا بفعل الأجواء المشحونة عالميا ومحاولة جميع الأطراف اللعب على بالأوراق السرية.
مطار هانغتشو في شرق الصين شهد يوم السبت حادثة بروتوكولية تمثلت في اضطرار الرئيس الأمريكي باراك اوباما إلى استخدام سلم الطوارئ في مؤخرة الطائرة بعد هبوطها، وذلك لعدم توفير السلطات الصينية السلم الاعتيادي الخاص بالنزول، كما غابت السجادة الحمراء عن استقبال باراك أوباما في أرضية المطار، إضافة إلى وقوع مشادة كلامية بين مستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايس ومسؤول أمن صيني. ورغم ان أوباما قلل من هذه الحادثة واكد على تفوق الولايات المتحدة على الصين في مجال حقوق الانسان، لكن بعض المحللين يرون ذلك تحرشا صينيا مقصودا للنيل من الكبرياء الامريكية وعدم وجود البساط الاحمر إشارة لقدرة الصين على سحب البساط العالمي من تحت اقدام الأمريكيين وتربع بكين في المستقبل على عرش القيادة العالمية.
قد يكون هذا تحليلا بعيدا عن الواقع لكن عندما نجد الولايات المتحدة تخضع للرغبة الصينية بعدم مناقشة قضايا حساسة مثل ازمة بحر الصين الجنوبي والجزر الاصطناعية التي انشأتها الصين، عند ذلك يمكن فهم السلوك الصيني تجاه الرئيس الأمريكي تحديدا.
القمة التي يفترض ان تبحث القضايا الاقتصادية العالمية، طغى عليها الجانب السياسي أكثر من غيره كما حدث في الدورات السابقة، لكن الصين هذه الحقيقة جيدا وبالتالي فان هدفها يبدو مرسوما بدقة، فهي تريد استعراض وتدعيم قوتها الناعمة عبر تأكيد دورها المتنامي في الشؤون الدولية. وتسعى الصين ايضا خلال القمة إلى استعراض اهمية منظماتها الجديدة، ومن أهمها "المصرف الآسيوي لاستثمارات البنى التحتية"، و "مصرف الصين للتنمية"، ورغم أن العزلة التي تحاول بعض الدول الدفاع عنها لجهة اقتصاداتها تبقى التحدي الأكبر امام بكين، التي من اول أهدافها الترويج للانفتاح الاقتصادي، وهي أكثر الدول المستفيدة منه.
عصر الهيمنة الامريكية يتضاءل يوما بعد اخر، وهذه الحقيقة يكشفها التوسع الروسي العسكري في الشرق الأوسط وانحياز بعض حلفاء واشنطن الى جانب موسكو (تركيا مثالاً)، وعلى المستوى الاقتصادي تؤكد اغلب الدراسات على حتمية الصعود الصيني والتراجع الأمريكي لتكون قمة مجموعة العشرين المنعقدة في الصين احدى محطات انتقال القوة الاقتصادية العالمية من واشنطن الى بكين بغض النظر عن المدة التي يستغرقها هذا الانتقال الاقتصادي والاحداث المرافقة له.
اضف تعليق