لم تعتاد السعودية على ممارسة سياسة فعالة للتعامل مع ملفات الشرق الأوسط المتشابكة، ولم تعطي لحد الان أي مثال واضح لأسلوب دبلوماسي تظهر عليه علامات التخطيط والدراسة، لا سيما مع الانتصارات التي يحققها عدوها اللدود "ايران" على مختلف الصعد العسكرية والسياسية، فاغلب القرارات السعودية هي ارتجالية وتعتمد على ردة الفعل ومحاولة اثبات الذات الإقليمية بغض النظر عن النتائج حتى وان كانت كارثية كما يحصل للمملكة في اليمن.
السفير السعودي لدى العراق ثامر السبهان اتهم، الأحد 21 أغسطس/آب، من أسماهم بـ"أذرع إيران" في العراق بالوقوف وراء مخطط لاغتياله خلال تواجده في العراق. وأشار السبهان إلى التقرير الصحفي الذي نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، نقلا عن مصادر عراقية قولها إن "الميليشيات التي خططت لاغتيال السبهان على ارتباط مباشر بإيران، وأبرزها كتائب خراسان، ومجموعة تعمل مع أوس الخفاجي، الأمين العام لقوات أبو الفضل العباس، التي تعد مكونا رئيسا من الحشد الشعبي".
ونقلت "الشرق الأوسط" في تقريرها عن مسؤول أمني عراقي قوله إن الخطة كانت "تتلخص باعتراض موكب السفير السعودي على طريق مطار بغداد الدولي بسيارات دفع رباعي تحمل لوحات مزيفة تعود لوزارة الداخلية، وتنفيذ محاولة الاغتيال بواسطة قذائف آر بي جي 7 المضادة للدروع، ومن ثم الفرار إلى منطقة الرضوانية السنية كي يتم تمويه الأجهزة الأمنية حول الجهة المنفذة وإسنادها إلى تنظيم داعش".
الحكومة العراقية سارعت الى نفي هذه الادعاءات عبر بيان لوزارة الخارجية وقالت ان "ما تناقلته بعض وسائل الإعلام من أخبار تتعلق بوجود مخطط لاغتيال السفير السعودي لدى بغداد غير صحيحة وتهدف للإساءة إلى العلاقات الأخوية التي تجمع العراق بالمملكة".
في الجانب الشعبي لاقت هذه الادعاءات من قبل السفير السعودي رفضا واستنكارا شعبيا كبيرا كان واضحا عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام العراقية التي خصصت برامج تتعلق بتصريحات السبهان عادة ذلك بانه تدخل في الشأن العراقي ومرددة العبارة الشهيرة التي تطالب بـ"طرد السفير فورا من العراق" لما يمثله من تهديد للأمن الوطني العراقي. ويظن بعض العراقيين ان ما يقوم به السبهان نابع من توسع نفوذ السعودية في العراق وتوغلها في الشأن المحلي.
لكن بعض المراقبين لهم رأي مختلف، فالسعودية ومعها ايران أيضا بحسب المراقبين تعتقدان ان منطقة الشرق الأوسط هي حلبة صراع كبرى مع اشتداد العدا بين الطرفين وبالتالي فاي منهما لا يفرط بكل جهد يمكن ان ياثر على خصمة وحلفاءه في هذه المنطقة المتأزمة، وما قام به السفير السعودي في بغداد جاء بعد الانتكاسات المتوالية للسعودية وحلفاءها في اليمن التي انهارت محادثاتها في الكويت، ومع تركيا التي باتت اقرب للتحالف الروسي الإيراني وفي سوريا حيث تلفظ الجماعات المسلحة الموالية للسعودية أنفاسها الأخيرة.
كل هذه الاحداث دعت السعودية الى فتح جبهة يتم تصويرها على انها اختراق لعمق التحالفات الإيرانية، وبالتالي كان العراق هو الحلقة الوحيدة البعيدة عن حركة التحالفات الشرق أوسطية في الآونة الأخيرة، وكأنه كان خاصرة إيرانية رخوة يمكن ضربها دبلوماسيا واعلاميا تفقد الثقة لدى الجماهير الرافضة للتواجد السعودي في العراق وتعيد المخاوف من اشتداد الصراع الإيراني السعودي على هذا البلد.
حيث استشعر بعض العراقيين انهم باتوا في صف الطرف الإيراني الذي يسطر الانتصارات في مختلف الجبهات، ما يعطي انطباعا بأنهم اختاروا الطريق الصحيح.
مكاسب أخرى يريد السفير السعودي الحصول عليها من تسريب هذه الاخبار، تتمثل بالحصول على ضمانات امنية وحصانة قد لا تتوفر حتى لسفراء الدول الصديقة للعراق، اذ تشير التسريبات التي نشرت في بعض وسائل الاعلام العراقية بان السبهان يريد تخويلا بالحصول على طائرة هليكوبتر خاصة به تضمن تامين تنقلاته في العراق، وهو ما ترفضه الحكومة العراقية وان قبلت به فلا نعتقد ان الأحزاب الرافضة للعلاقات مع السعودية ستوافق على هذا الامر.
وفي أجواء مشحونة بين إيران والسعودية والتي تأخذ من الدول الأخرى ساحة للصراع بينهما تدفع الشعوب المجاورة لهاتين الدولتين ثمن هذا الصراع الذي وكما يبدو انه مفتوح النهايات، وإذا ما استمرت الحكومات المجاورة بالانحياز لصالح أحد الطرفين من موقف الضعف؛ فلا يمكن الوثوق بهذه الأوضاع، اذ يمكن ان تنفجر في أي لحظة.
التيارات المتشددة تتوالد باستمرار مكونة فصائل مسلحة وأحزاب متطرفة، وسخونة الأجواء في تصاعد مستمر بين الدول الإقليمية، في حين تعيش شعوب الشرق الأوسط في ظلمات الحروب ومتاهات الفقر والنزوح والقتل والتشريد، وأوضاع كهذه لا يوقفها تصعيد سياسي او عسكري، فالسبيل الوحيد للحل هو الجلوس على طاولة الحوار لإنقاذ ما تبقى من الامل لدى الطبقات المسحوقة والتي تدفع فاتورة صراعات النفوذ والتوسع الإقليمي والدولي.
اضف تعليق