تشتعل جبهات حلب من دون أن يفلح حتى الآن الحراك السياسي والتصريحات الصادرة من هنا وهناك في إخماد نيرانها، فوتيرة المعارك لم تهدأ منذ أكثر من ثلاثة اسابيع بين المجموعات المدعومة خليجا بقيادة جبهة النصرة والتنظيمات المسلحة الأخرى من جهة والجيش السوري وحلفاءه من جهة أخرى.
المرصد السوري لحقوق الانسان قال ان أكثر من 300 مدني مصرعهم خلال ثلاثة أسابيع من المواجهات المتواصلة حيث وثق المرصد "مقتل 163 مدنيا، بينهم 49 طفلا" في قصف للفصائل المعارضة على الأحياء الغربية التي تسيطر عليها قوات الجيش السوري وفق ما أعلن السبت، فضلا عن اثنين آخرين في قصف الفصائل لحي الشيخ مقصود ذات الغالبية الكردية. فيما قتل "168 مدنيا، بينهم 26 طفلا"، بحسب المرصد، جراء القصف الجوي الروسي والسوري فضلا عن القصف المدفعي لقوات النظام على الأحياء الشرقية الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة.
ومنذ 31 تموز/يوليو، تاريخ بدء الفصائل الموالية للدول الخليجية معارك لفك الحصار عن أحياء حلب الشرقية، قتل "333 مدنيا" جراء القصف المتبادل بين طرفي النزاع في المدينة المقسمة. واستهدفت طائرات حربية السبت (19/8ظم2016) مجددا الأحياء الشرقية، وتركز القصف عند أطرافها الجنوبية القريبة من منطقة الاشتباك . وفي أماكن أخرى في محافظة حلب، قتل خلال الفترة ذاتها 109 مدنيين جراء القصف الجوي على مناطق واقعة تحت سيطرة الفصائل المقاتلة.
وشنت فصائل مسلحة بينها جيش الفتح الارهابي، الذي يضم جبهة النصرة في 31 تموز/يوليو هجوما على جنوب غرب حلب. وتمكنت من التقدم في منطقة الراموسة والكليات العسكرية، ما مكنها في السادس من آب/أغسطس من كسر حصار الجيش السوري للأحياء الشرقية وقطع طريق إمداد رئيسي لقوات النظام إلى غرب حلب. وحقق الجيش السوري، وفق مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن، السبت "تقدما بسيطا، وهي تسعى لتثبيت نقاط تواجدها".
دعم روسي للهدنة
وزارة الدفاع الروسية أعربت عن دعمها لاقتراح المبعوث الأممي إلى سوريا ستافان دي ميستورا إعلان تهدئة أسبوعية في حلب السورية لمدة 48 ساعة. وقال اللواء إيغور كوناشينكوف الناطق باسم الوزارة الخميس 18 أغسطس/آب، إن الجانب الروسي يقترح إرسال القوافل الإنسانية ليس إلى الأحياء الشرقية التي تخضع لسيطرة المعارضة المسلحة فحسب، بل وإلى الأحياء الغربية لحلب الخاضعة لسيطرة الجيش السوري.
وكان دي ميستورا قد قال إن فريق العمل الخاص بوقف العمليات القتالية سيجتمع في جنيف الخميس 18 أغسطس/آب، لبحث إعلان هدنة إنسانية في حلب لمدة 48 ساعة.
وقال كوناشينكوف تعليقا على اقتراح دي ميستورا: "يكمن الشرط لتطبيق هذه المبادرة في إرسال القوافل الإنسانية إلى الأحياء الشرقية لحلب والتي تسيطر عليها العصابات، وإلى الأحياء الغربية الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية، عبر مسارين". وأوضح كوناشينكوف أن المسار الأول يجب أن يمر من مدينة غازي عنتاب التركية بأحد المعبرين الحدوديين المذكورين في القرار الدولي رقم 2165، ومن ثم بطريق الكاستيلو إلى الأحياء الشرقية لحلب.
أما المسار الثاني، فترى وزارة الدفاع الروسية أنه يجب أن ينطلق من ريف حلب الشرقي مرورا بطريق يحيط المدينة من الشرق وشمال الشرق وصولا إلى مخيم حندرات، ومن ثم بطريق الكاستيلو إلى أحياء حلب الغربية. وأكد أن الجانب الروسي مستعد للمساهمة في تنسيق المسائل المتعلقة بضمان أمن القوافل الإنسانية إلى حلب مع الحكومة السورية، لكنه ينتظر من الولايات المتحدة بذل جهود مماثلة خلال اتصالاتها مع "المعارضة المعتدلة" لضمان أمن القوافل لدى مرورها بالأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضين.
وتابع أن وزارة الدفاع الروسية مستعدة للاستجابة لطلب الأمم المتحدة و"بذل جهود إضافية من أجل زيادة فعالية آليات الرقابة وضمان الأمن لمرور القوافل الإنسانية المتجهة إلى شرق حلب". وأوضح أن مثل هذه الآلية ستزيل قلق السلطات السورية إزاء طابع الشحنات المتجهة إلى الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة، مؤكدا أن ممثلين عن المركز الروسي المعني بمصالحة الأطراف المتنازعة، سيقدمون المساعدات الضرورية للعسكريين السوريين لتفتيش الشحنات لدى مرورها بالنقاط الأمنية على تخوم مدينة حلب.
تحذيرات دولية
وتخشى الأمم المتحدة من تفاقم الأوضاع الإنسانية في حلب إذ أعلنت لجنة التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان بسوريا التابعة للأمم المتحدة، الثلاثاء 16 أغسطس/آب، أن المدنيين في حلب يعانون حاليا من أوضاع إنسانية حرجة. وأعربت اللجنة في بيان أصدرته في جنيف عن بالغ قلقها إزاء سلامة المدنيين، وبينهم 100 ألف طفل، المقيمين في الأحياء الشرقية من حلب، حيث بلغ العنف خلال الأسابيع الماضية "مستوى غير مسبوق"، على خلفية اشتداد المعارك من أجل السيطرة على المناطق الخاضعة حاليا لفصائل مسلحة وخطوط إمداداتها الرئيسة، بما في ذلك طريق الكاستيلو.
وشددت اللجنة على أن الأوضاع الإنسانية الحرجة، التي يعاني منها سكان حلب، تتطلب إيلاء اهتمام خاص واتخاذ إجراءات عاجلة، مشيرة إلى أن الأحياء السكنية للمدينة تتعرض يوميا لقصف من قبل القوات الحكومية وحلفائها، بينما يسقط العديد من المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوري جراء قصف عشوائي تنفذه المجموعات المسلحة، بما في ذلك "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" و"جبهة النصرة" التي شنت هجوما مضادا على القوات الحكومية.
وأشار البيان إلى ضرورة أن تتوافق الممرات الإنسانية، التي أقيمت في حلب، مع المبادئ الإنسانية، مؤكدا أنه يجب تزويد المواطنين الذين يختارون عدم مغادرة مدينتهم بالمساعدات الإنسانية، دون أي عوائق. وأضافت اللجنة أنه، بصرف النظر عن وجود ممرات إنسانية، تتحمل أطراف القتال المسؤولية الجنائية، ما يتطلب منها عدم استهداف المدنيين أو المواقع المدنية، محذرة من أن مواصلة الصراع المسلح في حلب، وحتى لو جرى مع الالتزام بـ"قوانين الحرب"، لن تسفر إلا عن المزيد من معانات المدنيين. وطالبت اللجنة أطراف الأزمة باحترام القانون الدولي، داعية جميع الدول، التي لديها تأثير على جهات الصراع، إلى ممارسة الضغوط عليها بغية العودة إلى طاولة الحوار السياسي.
في غضون ذلك، أعربت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان لها عن قلقها من التدهور المتسارع للأوضاع الأمنية والإنسانية في سوريا بأكملها، لا سيما في مدينة حلب. وحملت باريس الرئيس السوري بشار الأسد مسؤولية تصعيد الأوضاع في البلاد، موضحة أنه يسهم في ذلك عن طريق "رفضه بتعنت" الالتزام باتفاق وقف الأعمال العدائية وإطلاق المفاوضات السياسية.
مأساة الحرب في وجه طفل!
وفي خضم سيل الاخبار الواردة من حلب صدمت صورة الطفل عمران بوجهه الصغير الملطخ بالدماء والغبار، الملايين حول العالم في وقت لا يزال أيضا آلاف الأطفال الآخرين عالقون في دوامة الحرب في سوريا، تروعهم الغارات أو ينتظرهم الموت جوعا في المدن المحاصرة من قبل طرفي الحرب. وتصدرت صورة الطفل الحلبي البالغ من العمر أربع سنوات الصفحات الأولى في الصحف العالمية ومقدمات نشرات الأخبار وتناقلها الملايين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم.
وظهر عمران بعد دقائق من نجاته من غارة استهدفت منزله في حي القاطرجي الواقع تحت سيطرة الفصائل المعارضة، في شريط فيديو بثه مركز حلب الإعلامي القريب من المعارضة يجلس على مقعد داخل سيارة إسعاف يرتدي سروالا قصيرا والغبار يغطي جسده.
ويبدو الطفل مذهولا ولا ينطق بكلمة يمسح بيده الدماء التي سالت من وجهه ثم يعاينها بهدوء قبل أن يمسحها بالمقعد من دون أن يبدي أي ردة فعل. فقد بدى عمران دقنيش وعليه كافة علامات الذعر بعد إنقاذه من تحت الأنقاض وهذا الطفل لم يتجاوز عمره الخمس سنوات و قام المنقذون بانتشاله من تحت الأنقاض ثم انتشلوا شقيقه (خمس سنوات) ثم شقيقتيه (ثمانية سنوات) و11 سنة ثم انتشلوا الأب والأم والآن وجميعهم أحياء ، وقد تعرضت الاسرة لانهيار حائط الغرفة عليهم جميعا، وقد رفض والده التقاط بعض الصور له خوفا على اسرته.
في هذه الاثناء قالت المتحدثة الإعلامية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جولييت توما في تصريح لفرانس برس أن صورة عمران هي "تذكير بهول الحرب وتأثيرها الوحشي على الأطفال"، وتضيف "يجب أن تهز هذه الصورة ضمائر العالم".
اما الولايات المتحدة فقد اعتبرت هذا المشهد بانه يجسد "الوجه الحقيقي للحرب" التي تعصف بسوريا منذ منتصف آذار/مارس 2011. ووصف متحدث باسم وزارة الخارجية الطفل عمران بأنه يمثل "الوجه الحقيقي" للأزمة السورية. وقال جون كيربي بهذا الخصوص "هذا الطفل الصغير لم يعيش ولو يوم واحد في بلاده بدون حرب وقتل ودمار وفقر.
من جهتها نفت روسيا اليوم الجمعة (19آب/ أغسطس 2016) أن تكون إحدى غاراتها تسببت بإصابة الطفل السوري عمران البالغ من العمر 4 سنوات ونشرت وزارة الدفاع نفيا رسميا أكدت فيه عدم تنفيذ غارة جوية مساء الأربعاء على شرق حلب عندما التقطت صورة الطفل مغطى بالدماء. وقال ايغور كوناشنكوف المتحدث باسم الوزارة في بيان "إن الطائرات الروسية التي تنفذ عمليات في سوريا لا تحدد بتاتا أهدافا داخل مناطق لا تشهد قتالا".
وأوضح كوناشنكوف أن حي قاطرجي لم يكن ضمن أهداف الطائرات الروسية لأنه قريب من ممرين إنسانيين فتحتهما موسكو للسماح للسكان بالفرار. ووصف الأنباء التي نشرتها وسائل الإعلام الغربية عن عمران بأنها "استغلال منافق" للوضع المأساوي في شرق حلب يندرج في إطار "الدعاية المناهضة لروسيا".
ويذكر أن تقريرا أصدرته منظمة يونيسف تزامنا مع دخول النزاع في سوريا عامه السادس في آذار/مارس، أفاد أن حوالي 3,7 مليون طفل سوري، أي واحد من بين ثلاثة أطفال سوريين، ولدوا منذ بدء النزاع "لم يعرفوا إلا العنف والخوف والنزوح". وأوردت أن "الملايين من الأطفال كبروا بسرعة هائلة وقبل أوانهم بسبب سنوات الحرب".
مبادرة مصرية
في هذه الاثناء قدم الرئيس عبد الفتاح السيسي رؤية تتمحور في 5 محددات لحل الأزمة السورية مشيرا إلى أن مصر ستسهم بقوة في الوصول إلى تسويات في سوريا واليمن وليبيا من منطلق الحرص على الأمن القومي. وقال السيسي خلال حوار صحفي أجراه مع رؤساء تحرير الصحف الحكومية المصرية "الأهرام" و"الأخبار" و"الجمهورية"، الأحد 21 أغسطس/آب،: "الموقف المصري تجاه الأزمة السورية يتأسس على 5 محددات رئيسة هي: احترام إرادة الشعب السوري، وإيجاد حلّ سلمي للأزمة، والحفاظ على وحدة الأرض السورية، ونزع أسلحة الميليشيات والجماعات المتطرفة، وإعادة إعمار سوريا وتفعيل مؤسسات الدولة".
وفى رسالة واضحة، أكد السيسي عمق الروابط بين مصر وأشقائها العرب في الخليج، وقال إن مصر تسهم بقوة في الوصول إلى تسويات في سوريا واليمن وليبيا من منطلق الحرص على الأمن القومي المصري والعربي. وأثنى السيسي على مسار العلاقات مع الأشقاء في دول الخليج، وقال إن اختزال العلاقات في قيام تلك الدول بتقديم منح للدولة المصرية أمر "غير صحيح".
وأكد الرئيس المصري على أن وجود 4 مبادئ رئيسة تحكم علاقة مصر بالعالم الخارجي وهي: الشراكة وليس التبعية والثوابت التي لا تتغير والأسلوب المنفتح والمتوازن على الجميع في إطار من العلاقات الاستراتيجية الثابتة التي نحافظ عليها وتبادل المصالح والرأي والاحترام المتبادل.
وحول الموقف المصري من النزاعات في دول الجوار، قال السيسي إن مصر في سياساتها تقوم على مبادئ أساسية هي: عدم التدخل في شؤون الآخرين، ودعم إرادة الشعوب، والحلول السلمية. وأكد السيسي أنه لا توجد لمصر قوات برية في أي بلد في المنطقة وأن القوات البحرية المصرية تقوم بتأمين حرية الملاحة في الممر الملاحي فى باب المندب وتأمين وصول السفن إلى قناة السويس، فضلا عن عناصر من القوات الجوية تعمل بالتعاون مع السعودية.
وبالنسبة لتحذيره في وقت سابق من انتقال عناصر الإرهاب إلى ليبيا لتصبح منطلقا لجماعات التطرف في اتجاه مصر وشمال البحر المتوسط، قال السيسي إنه كلما زادت الضغوط على الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق بسبب النجاح في المواجهة فإنها تنتقل إلى ليبيا، مضيفا أن مصر رصدت تلك التحركات من جانب جماعات الإرهاب منذ عدة شهور.
وأشار السيسي إلى أن مصر تدعم وبقوة الدولة والجيش الوطني الليبي وتسهم في تدريب عناصره، مؤكدا أن الليبيين على قناعة أن جيش مصر ذو عقيدة وطنية وليس جيشا قبليا أو طائفيا.
اضف تعليق