كل سبب ونتيجة تتكرر امام عين الانسان تصبح من الامور المعتادة ومعروف النتائج، فاذا صعد السحاب في السماء توقع الناس هطول المطر، وارتبطت الحراراة بتعامد الشمس على الارض في فصل الصيف، وارتبط الشتاء بالبرد القارس... الخ، يا له مثال بائس هذا الذي اخترته لبداية هذا المقال، الا انه ليس أكثر بؤسا من الطبقة السياسية الحاكمة في العراق والتي باتت لا تحرك ساكنا او حتى متحركا.
ارتبط التغيير بحصول شيء مختلف عن الذي سبقه، سواء كان ذلك تغييرا جوهريا (جذريا) او إصلاحات بسيطة، الا انه يفترض ان تكون نتيجته حصول بعض الاختلاف عن الأساليب السابقة، والا كانت عملية التغيير او الإصلاح عديمة الفائدة.
بعد أشهر من الشد والجذب، (مهاترات، تصريحات، اقتحامات، تظاهرات، استعراضات، عمليات عسكرية، صراعات سياسية، محاكمات على طريقة الوجبات السريعة)، تمخضت العملية السياسية العراقية فأنجبت خمس وزراء جدد من أصل ستة قدمهم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إذ وافق البرلمان على كل من عبد الرزاق آل عيسى لوزارة التعليم العالي، وحسن الجنابي لوزارة الموارد المائية، وكاظم فنجان لوزارة النقل، وآن نافع أوسي لوزارة الإعمار والإسكان، وجبار لعيبي لوزارة النفط، فيما تم رفض مرشح وزارة التجارة.
الوزراء الجدد الذين وافق عليهم البرلمان العراقي هم من الكفاءات العلمية حسب السير الذاتية التي نشرت في وسائل الاعلام، فوزير التعليم عبد الرزاق آل عيسى كما تشير الأرقام بان سيرته حافلة بالإنجازات الإدارية والعلمية أبرزها كانت خلال تراسه لجامعة الكوفة، اذ تقدمت الجامعة في تصنيف الجامعات العراقية لعدة مراتب واعتبرت طفرة نوعية، وبعد تعينه لوزارة التعليم أكد العيسى، أنه لن يكون جزءاً من "اجندة انتخابية" تحتكر المؤسسات وتجيرها لمصلحة أهداف ضيقة، فيما أعرب عن ثقته بخطوات الإصلاح.
سحابة أخرى هي التي امطرت فعلا ومن المؤمل ان تؤدي الى ري بذور اصلاح حقيقي يسهم في تنمية البلد ويساعده في النهوض من كبوته، انها كتلة الاحرار التي تقدم نموذجا مميزا في الدعوة الى الإصلاح من خلال تنازلها عن وزاراتها للوزراء الذين وافق عليهم مجلس النواب اليوم، وهو ما يدعو للتفاؤل وترك النظرة التشاؤمية للوضع العراقي، وإذا ما نجحت مبادرة التيار الصدري وتوسعت فربما يكون المستقبل أفضل، وفي حينها تعود غيوم العملية السياسية وتصريحات المسؤولية لتمطر على الشعب العراقي التغيير والإصلاح الحقيقي.
لسنا هنا ممن يسوق لجهة سياسية على أخرى وكل ما نكتبه هو رصد وتحليل السلوك السياسي، وما قام به التيار الصدري وكتلة الاحرار يعد نموذجا في التخلي عن الذات وتغليب المصلحة العامة على المصالح الحزبية، بغض النظر عن كل التوجهات التي يتبناه التيار الصدري او غاياته من ذلك التنازل، فقد اصبح هو الاستثناء تقريبا عن الكتل السياسية الأخرى التي تشبثت بحصصها في الوزارات والدوائر الحكومية، لكن مشكلة التيار الصدري هو فقدانه للمؤسسات الإعلامية التي تروج لمشروعه بالإضافة الى عدم الثبات في المواقف، والتي اضعفت من موقفه رغم مبادراته التي انطلقت من رحم الشارع العراقي.
بعض الأحزاب لديها قناعة راسخة بأهمية التشبث بمكاسبها حتى وان أدى ذلك الى الخراب والدمار، وذلك نابع من الشعور بالتفوق على الاخرين وعمق تجربتها السياسية التي تمتد لعشرات السنين، لكنها تنسى او تتناسى ان لا فائدة من الخبرة الطويلة إذا لم يتم توظيفها لخدمة البلد، وحتى وان رافق سلوكها المتعجرف بعض النجاحات وهي نجاحات مؤقتة ستزول حال بروز مشروع سياسي وطني يلبي طموحات الشعب العراقي.
ما قدمه التيار الصدري والتشكيلة الوزارية التي لا تزال مميزة على الورق قد لا تكون كافية لكنها خطوة جيدة في الاصلاح، على الاقل هذا ما تقوله ارقام السير الذاتية للوزراء وتنازلات التيار الصدري في الجانب الاخر، لكن الشارع العراقي له راي مختلف عن هذه الاصلاحات، فالشارع لا يثق باي شيء تقوم به الحكومة والبرلمان، وقد أدرجت هذه الإصلاحات الوزارية الأخيرة في خانة "السُحُبْ غير الماطرة"، فسُحُبْ العملية السياسية العراقية مختلفة عن السحب الطبيعية التي تتجمع لتسقط زخات المطر وتسقي الأرض لتنبت وتطعم الحيوان والانسان، سحب الإصلاحات هذه نعتقد انها لن تحرك عيون الشعب العراقي لينظر اليها ويتمحص فيما اذا كانت ماطرة ام لا، انه يجزم وبدون أي معلومة انها غير ماطرة ولا فائدة منها ما دامت تخفي ضوء الحقيقة.
اضف تعليق