زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف كانت مثقلة بملفات اقليمية مختلفة تقدمها ملف الازمة السورية الى جانب تأكيد رفض بلاده الانقلاب الفاشل ضد الرئيس رجب طيب اوردغان، دعا الجانب التركي خلالها ايران ان تتخذ موقف معين مما يجري في سوريا.
لا غريب في السياسية اذ يمكننا القول بأن الخلافات بين البلدين يمكن ان يتم تجاوزها طالما هنالك روابط اقتصادية لم تنقطع على الرغم من التجاذبات الحاصلة بشان الملف السوري، لقد كان لملف الطاقة الذي يربط ايران بأوربا مساحة من الحورات، لاسيما وانه يجعل من تركيا حلقة الوصل بين ايران واوربا ما يعني العودة وبشكل غير قابل للشك الى صراع الانابيب الذي لم يعرف بعد اذ ما سيؤثر على رسم ملامح السياسية في منطقة الشرق الاوسط.
يتبادر الى الاذهان تساؤل يدور حول امكانية ايران في اقناع تركيا على تعديل موقفها ازاء الازمة السورية، الاجابة هنا (واعتقد الكثير يتفق معها) ان الزيارة والحوارات الدبلوماسية لا تردم الفجوة الكبيرة بين النظامين التركي والايراني خصوصا بان الجامع لكل هذا الحراك هو المصالح اقتصادية وهذا ما يدعونا لعدم الافراط في التفاؤل بشان التحركات الروسية التركية الإيرانية الأخيرة، الا ان الامر الأكيد هو تحريكها المياه الراكدة في الشرق الأوسط. فاللقاء بين دولتين كبيرتين ممكن ان يبعث رسالة مفادها حصول انفراجة قريبة في القضية السورية، التي ربما تعد مفاجئة من قبل تركيا ولسبب بسيط هو ان تركيا في الفترة الماضية راهنت على سقوط النظام السوري من خلال دعمها الفصائل المعارضة للنظام الحاكم وهذا ما عمق الخلاف بين الجارة إيران والصديق الجديد روسيا.
بعد الانقلاب الفاشل الذي حصل مؤخرا في تركيا شعر اردوغان بأن واشطن والغرب باتو غير قادرين على اسقاط القيادة في سوريا ما دفعه الى الانحياز نحو المحور المسنود من روسيا والذي استطاع ان يغير المعادلات وليس المعادلة التي وضعتها اميركا للإطاحة بنظام الاسد وخصوصا بعد ان أصبح النظام المنتخب في تركيا يعاني من وعكة صحية نتيجة فيروسات سياسية تعمل الجهات الامنية على تطبيبها بشتى انواع المضادات القمعية.
زيارة ظريف جاءت بعد زيارة اردوغان الى روسيا وجاءت ايضا بعد قمة باكو وسبقت زيارة وزير الخارجية الاميركي الى انقرة ما يعني اننا امام محاولة روسية ايرانية منظمة لجذب وعلى الاقل اردوغان بالتحديد لوضع حل للقضية السورية. وهنا تتكاثر الأسئلة وعلامات الاستفهام، فأنقرة والرياض كانتا تعملان معا جنبا إلى جنب، وكانت التحضيرات تجري على قدم وساق، سواء حسب السيناريو العسكري لحل الأزمة السورية، أو وفق سيناريو سياسي يستبعد وجود الرئيس الأسد ولكن توجهات اردوغان الأخيرة وتصريحات وزير خارجيته تشير إلى تحولات ملموسة في السياسات التركية بعد الانقلاب الفاشل، تتجسد في العلاقة الحديثة الولادة مع اطراف مختلفة.
إن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى أنقره تحمل العديد من الرسائل حتى وإن لم تظهر تصريحات أو توصيات عملية يمكن تطبيقها على أرض الواقع في المديين القريب والمتوسط، ببساطة لا يمكننا أن نتجاهل ردود فعل إقليمية ودولية مضادة ستظهر في القريب العاجل لإضفاء المزيد من الاستقطابات، ولا يمكن أن نستبعد أن تظهر تصريحات سعودية ذات مغزى يشير الى قلق النظام السعودي جراء التقارب السريع.
الخلافات واضحة وملموسة والجميع يعترف بها وهي لا تزال قائمة بشأن الأزمة السورية ومصير الرئيس الأسد، وبشأن القضية الكردية، وحول تفاصيل أخرى تتعلق بالجغرافية السورية وبالتقسيم الطائفي والمذهبي والعرقي، غير أن السؤال الأهم هنا يتمحور حول مستقبل العلاقات التركية السعودية بعد تلك الإزاحات الواسعة في المواقف والرؤى، وهناك قلق من جانب حلف الناتو وربما تهديدات مبطنة لأنقرة وغضب من جانب الاتحاد الأوروبي كل هذه العوامل جعلت من تركيا ان تغير او تهدأ من سياستها في المنطقة، سيما وان الحدث التركي الداخلي وبحسب مراقبين جعل من تركيا تتجه في سياستها نحو الشرق كجزء من لغة الغضب على حلفائها الغرب الذين لم يفو بوعودهم حول امكانية ضمها الى الاتحاد الاوربي المستقر الى حد ما، او قد يكون جزء من السياسية التركية الهادفة الى تعدد المحاور الذي يضمن لها علاقات متوازنة مع دول المنطقة.
لو تمعنا النظر قليلا نجد ان ايران اصبحت تتكلم بلغة المصالح فهي تريد بالإضافة الى تحسين العلاقات الاقتصادية التي لم تنقطع اساسا، الذهاب بتجاه سورية حاملة في جعبتها الحل المناسب للازمة السورية لدرء مخاطر المجاميع الارهابية من التسلل اليها، في المقابل تركيا تريد ان يلتقي الثلاثة (ايران، روسيا، تركيا) على ارضية التفاهم بما يضمن عدم التواجه في المشهد السوري ويدفع عجلة الحوار السياسي الى الامام بشكل مقبول لدى الاحزاب المعارضة. الاقتصاد او امن الطاقة الذي تنشده الحكومة التركية المترابط مع إيران وروسيا جعلها تحاول وعلى مستوى استراتيجي ان تشعر بطمأنينة لم تشعر بها عندما كانت الى جانب المحور الغربي حلفائها التقليدين، كذلك تركيا تريد التخفيف من زخم التوتر في العلاقات الخارجية فأخذت تتعامل بشكل مختلف مع الدول الاقليمية بدأت مع الامارات العربية واسرائيل والآن استكمالا لهذا المشروع تقربها من إيران و روسيا في آن واحد.
ليس امامنا سوى ان نتابع عن بعد الاضرار التي ستلحق بالعلاقات بين أنقرة والرياض والتي ستنعكس حتما على علاقات الطرفين بأطراف أخرى إقليمية ودولية، يضاف الى ذلك يمكن ان نلاحظ تغير ملموس في السياسية الاميركية من اعطاء نفسها الفرصة في اعادة التعامل مع القضية التركية.
اضف تعليق