وإن كانت العملية العسكرية لمقاتلي حزب الله سريعة ونوعيّة، والتي استهدفت رتلاً عسكرياً للجيش الاسرائيلي في مزارع شبعا اللبنانية هذا اليوم، والتي أسفرت عن قتل أربعة مجندين إسرائيليين وإصابة آخرين، إلاّ أنها للوهلة الأولى لا تُعتبر كافية ولا مُشبعة، رداً على عملية القنيطرة التي نفذتها إسرائيل داخل الأراضي السورية خلال الأسبوع الماضي، والتي استهدفت مجموعة من مقاتلي التنظيم وقيادات في الحرس الجمهوري الإيراني.
مُراهنة إسرائيل لم تشفع لها، من أن حزب الله لن يقوم بالرد السريع على الأقل، لخشيته من جلب ما يُؤثّر على نشاطاته العسكرية إلى جانب النظام السوري، وللحفاظ على الدولة ككل من السقوط، بسبب قيامه بتنفيذ عمليته، برغم استنفارها وكافة أجهزتها القتالية والمخابراتية على طول حدودها الشمالية وأنحاء البلاد، بل وزادت الخشية لديها بشأن اعتبار الحزب، من أن الحدود السورية واللبنانية واحدة، بما يعني (رفع للثمن) كجبهة حرب مؤهّلة، يتوجب على إسرائيل أن تدفع تمناً أعلى، إذا ما واصلت قصف الأراضي السورية، والتي غالباً ما تهدف محطات أو قوافل متجهة إلى قواعد الحزب المنتشرة على الأراضي اللبنانية، الأمر الذي يجعلها تأخذ بالحسبان الكثير من المخاطر، قبل الإقدام على تنفيذ أيّة هجومات من الآن فصاعداً.
إسرائيل اشتغلت على ثلاث جبهات في شأن أن لا يرُد الحزب على عملية القنيطرة، وهذه توضحت في المقام الأول، على وضع أعاظم صور التهديد والوعيد أمامه وأمام الدولة اللبنانية بشكلٍ رئيس، بأنه محظورٌ عليهما الإتيان بأيّة ردود عسكرية، كي لا تكون سبباً في تهدم الأراضي اللبنانية، على أن تظل مطلقة اليدين ومسموح لها الذهاب شرقاً وغرباً وعلى كل جانب، والأمر الثاني، هو قيامها بالاستنجاد لدى الدول التي تربطها علاقات بإيران وبخاصة روسيا، للتدخل بأية طريقة لأجل تجاوز الأزمة، وثالثاً، هو محاولة استرضاء إيران من خلال الولايات المتحدة وإن من وراء حجاب، بأن العملية الإسرائيلية لم تكن تستهدف أفراد الحرس الجمهوري، على اعتبار أن أخطاءً قد حصلت. لكن على ما يبدو، فإن إيران لم تبدِ شيئاً من الحفل، بكل الاشتغالات الإسرائيلية، وأوضحت مرةً بعد أخرى، أنها بصدد الرد انتقاماً لضحاياها وبأقسى العقاب، وكذا هو حال التنظيم، الذي لم يتعوّد المماطلة والتسويف في استخلاص الردود، وخاصة عندما يكون المُصاب جلل، ولا يُحتمل الصبر عنه أو السكوت عليه.
رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" وبرغم إعلانه بأن الجيش بادر بالرد من خلال قصف مناطق لبنانية، وعن البدء بتحريك قطع عسكرية بحرية بالقرب من الشواطئ اللبنانية، وبإعداد بنك أهداف لبنانية لضربها تبعاً للتطورات الميدانية، وبالتذكير بما حصل لقطاع غزة بعد العدوان الإسرائيلي الجرف الصامد، إلاّ أن ما بدا عليه هو استعماله الهدوء، حتى في ضوء وصول قذائف إلى إسرائيل، بسبب ارتباطه بتقديرات هي سيئة على كل حال، إذ ليس من السهل عليه ملاحقة الحزب في هذه الأثناء وربما في أثناء أخرى، خشية إشعال جبهة حرب، وإسرائيل على عتبة الانتخابات، ورصيده الانتخابي غير مرضٍ، كما أن إشعال الحرب لا يمكن بدون غطاءٍ أمريكي وبسبب أن أمامه ما يُقارب 100 ألف صاروخ مختلف سيكون بإمكانها هدم إسرائيل، كما أنه لا يُريد إعطاء حزب الله فرصة تشغيل شبكة أنفاقه على طول الحدود المحاذية، والتي يعتقد بأنها جاهزة للاستخدام، قبل أن يقوم بتعطيلها، سيما وأن أجهزة جيشه، لم تشرع في البحث عنها بصورة عملية إلاّ منذ اليوم فقط.
لن تخلو الجعبة الإسرائيلية من سرد الحجج والمبررات التي تغني عن الرد، ومنها أن عملية الحزب باعتبارها نهائية، ولا ترقى إلى ضرورة التصعيد، وبأنها جاءت للتنفيس عن مقاتليه وتثبيتاً لمصداقيته وحسب، وبسبب أنها لا زالت تكافح باتجاه إيران من أجل وقف الأمور عند هذا الحد، بدلاً من انتظار ردّها الذي وعدت به هي الأخرى، كما أن في وجهة نظرها، أن سعيها إلى تنحية أخطار الحرب، هو أفضل من السعي بجلبها، سيما وأنها منذ الآن بدأت تحصد المزيد من الأضرار، التي توضحت بوقف الحياة في الشمال، برغم إعادة فتح المطارات والمؤسسات الحيوية. وعلى العكس من الرغبة الإسرائيلية، وفي رأيي على الأقل، فإن حزب الله كما يبدو، لن يعتبر عمليته هذه نهاية المطاف، بل باعتبارها تمهيداً لعمليات قتالية أخرى، والتي ربما تهدف إلى استدراج إسرائيل إلى حرب برية سورية لبنانية كحدود واحدة، سيما وأنه قام بإصدار البيان رقم واحد، والذي يعني بأن أرقاماً اخرى ستتم تلاوتها لاحقاً، وسواء بنيّة تنفيذ عمليات أخرى داخل المنطقة وخارجها، أو ترتيباً على رد إسرائيلي محتمل.
اضف تعليق