في مدة تقارب الثلاث ساعات فقط رفعت الحصانة عن رئيس البرلمان العراقي سيلم الجبوري ومن ثم توجه للمحكمة وبعدها قرر القضاء تبرئة من التهم الموجهة إليه من قبل وزير الدفاع خالد العبيدي بشأن ملفات فساد في المؤسسة العسكرية. وبحسب المتحدث باسم السلطة القضائية عبد الستار بيرقدار فقد "تبين أن الأدلة المتحصلة بحق المتهم سليم عبد الله الجبوري غير كافية لذا قررت السلطة القضائية الافراج عنه وغلق الدعوى بحقه استنادا لأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية لسنة 1971".
العشرات من التساؤلات التي أوردها المتابعون للشأن العراقي طالبوا بضرورة بيان موقف الجبوري من التهم والقضايا التي وجهت له والوثائق التي ذكر فيها أسمه، فالشارع العراقي استهجن هذا القرار القضائي تحت هاشتاك "القضاء العراقي مسيس"، إذ اتهم نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي القضاء العراقي بانه يخضع للمزايدات السياسية، فيما أشار بعضهم الى تصريحات لمستشار قانوني لرئيس الجمهورية قبل أيام والذي قال بان جلب المتهمين من المعتقلات الى قاعة المحكمة قد يستغرق سنة كاملة.
في الجانب القانوني قال الخبير طارق حرب "أن الإفراج عن سليم الجبوري وغلق الدعوة عنه لا يعني انه بريء من التهم الموجهة إليه فالبراءة تعني لا توجد ادلة من الأساس". وأضاف أن "قرار الإفراج صدر بعد الافتقار للأدلة غير كافية لإدانته". اما أستاذ العلوم السياسية الدكتور ياسين البكري فقال في منشور له عبر الفيس بوك "ان القضية ليست في عدم كفاية الادلة او كفايتها، القضية هناك اتهامات بالفساد على مستوى عالي من الخطورة تستوجب تحقيقاً مطولاً وعالي الكفاية للوصول الى الأدلة، وبما ان الاتهامات عالية الخطورة فقد تم تسوية القضية وبأسرع وقت بحجة عدم كفاية الأدلة".
الأصوات المعارضة للسيد سيلم الجبوري عادت مجددا مطالبة بانتخاب رئيس جديد للبرلمان، إذ قال النائب عن التحالف الوطني كاظم الصيادي، أن مجلس النواب مُلزمٌ باختيار رئيسٍ جديد للبرلمان بعد رفع الحصانة عن سليم الجبوري، فيما لفت إلى أن التصويت المزمع أجراؤه يوم الإثنين المقبل سيسمح للجبوري بممارسة مهامه كـعضوٍ عادي. وأشار الصيادي لوجود خطواتٍ قانونية تطلب العمل بها قبل إعادة الجبوري لمنصب رئيس البرلمان من بينها إعادة التصويت عليه كـعضوٍ داخل البرلمان في الخطوة الأولى لأستعادة عضويته، فيما تتمثل الخطوة الثانية بالسماح للجبوري بالعودة للمنصب في حال فُتح باب الترشيح لأختيار رئيسٍ جديد.
المشهد العراقي اليوم تسوده الفوضى بكل معنى الكلمة، وبسبب ما قام به وزير الدفاع وما يسميه البعض بالمنهج الذي اسسه العبيدي؛ يتخوف بعض النواب من تلفيق الفاسدين لتهم لا أساس لها تطال كل من يحاول محاسبتهم او كشف اوراقهم للراي العام العراقي، سيما مع عدم وجود سلطة قضائية فعالة تستطيع إدارة الأمور في مثل هذه الأوضاع التي تسود فيها لغة الاتهامات وترتفع القوى الثانوية مقابل قوة الدولة. وقضية استجواب العبيدي وارتداداتها هي النموذج الاوضح للمشهد العراقي منذ عام 2003 وحتى الان، وما حصل هو انعكاس لترسبات سوء الإدارة والمحاصصة الحزبية والاتفاقات التي تجري تحت الطاولة وفوقها، لإبقاء التركيبة السياسية على حالها إرضاء لهاء الطرف او تخوفا من صعود أطراف أخرى لم تكن يوما من الأيام رقما في دهاليز المنطقة الخضراء.
الطريقة التي طلب بها الجبوري رفع الحصانة عنه توحي بوجود اتفاقا سابقا لاحتواء القضية برمتها، فلم يعرف عن البرلمانيين وساسة العراق ان قدم أحدهم طلبا بهذا الشكل، وهذا ما يقودنا لعدم الاستغراب من القرار الخاطف الذي أصدرته السلطة القضائية بحق السيد الجبوري. وفي ظل هذه الوضع تثار التساؤلات عن ملفات أخرى تتعلق بجلسة استجواب العبيدي وأخرى خارج هذه الجلسة وعن مدى الجدية لكشفها؟، وهل تستحق كل هذا الصراخ من قبل الشعب لنصرة طرف على اخر تحت مسمى الدفاع عن حقوق المواطنين. وإذ ما وصلت الأمور الى لجوء الوزير لعشيرته والنائب البرلماني يفعل ذلك ايضا، يجدر بنا ان نتساءل هل نحن نسير نحو بناء نظام ديمقراطي ام نتراجع لترميم النظم العشائرية؟.
وبفضل التوافقات السياسية الداخلية المبنية على توازنات إقليمية ودولية فاز السيد سليم الجبوري بحصانة اوتماتيكية قد تكون استنساخا لمحولة الكهرباء التي يستخدمها العراقيون في المولدات الاهلية لتضمن عودة الكهرباء إليهم في حال انقطاعها إذا ما تم زيادة الحمل عليها، ونخشى ان يحصل قادة العملية السياسية جميعهم على حصانة اوتماتيكية تمنع سقوطهم او تراجعهم امام المد الإصلاحي وانكشاف اوراقهم امام الشعب.
اضف تعليق