أكثر من خمس سنوات مرت والحرب في سوريا وعليها لا تزال مستعرة وساخنة حتى الغليان، تقدم وتراجع، حصار وجوع وقتل وينابيع النزوح لا تنضب داخليا وخارجيا، رائحة الحرب السورية يمكن استنشاقها في كل وسائل الاعلام طوعا او كرها، فالمشهد السوري بات طعما لمن لا يعرفون إدارة القضايا المعقدة، ووسيلة لاستقواء من عاد للعظمة من الشباك بعد ان خرج من الباب.
الحرب في سوريا وعليها تشابكت الى حد التعقيد، وما نشهده من تقدم لطرف على اخر لا يغير من المشهد كثير، فالحسم النهائي بعيد المنال، وباعتراف أطراف النزاع نفسها، فايران وحزب الله اللبناني الذي يقف بجانب الجيش السوري كان يصر منذ بداية الازمة السورية على وحدة أراضي سوريا والبلدان التي تقع ضمن ما يسمى "محور المقاومة". وكان اخر تصريحات المحور الإيراني ما جاء على لسان ممثل المرشد الأعلى الإيراني في الحرس الثوري آية الله علي سعيدي، بأن لإيران 3 خطوط حمراء في سوريا، هي وحدة سوريا، وبقاء بشار الأسد، والدفاع عن مراقد أهل البيت عليهم السلام.
الا ما قاله نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم يختلف تماما عن الخطاب العام لهذا المحور الذي يعد احد اهم اطراف الصراع في الشرق الاوسط، حيث قال الشيخ نعيم قاسم: "إن تقسيم العراق وسوريا نتيجة محتملة للاقتتال الطائفي في أنحاء المنطقة وإنه لا يوجد احتمال لانتهاء الحرب في سوريا قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية المزمع إجراؤها في نوفمبر تشرين الثاني".
وفي مقابلة مع وكالة رويترز قال انه في ضوء ما يجري على الأرض "لا أستبعد أن يكون أحد الطروحات هو إيجاد حالة تقسيمية في هذين البلدين (سوريا والعراق) لكن هل تنجح أو لا تنجح.. أعتقد أن القوى التي تريد وحدة سوريا وحدة العراق إلى الآن قادرة على أن تمنع فكرة التقسيم لكن ماذا يمكن أن يحصل في المستقبل؟ يجب أن نبقى قلقين من احتمال أن تجري بعض الدول هاتين الدولتين أو إحداهما إلى التقسيم بعناوين مختلفة. هذا القلق قائم ولكن علينا أن لا نستسلم له".
عرف عن "محور المقاومة" المتمثل بسوريا وايران وحزب الله إصراره وتمسكه الكبير بوحدة سوريا والعراق لما تمثلانه من عمق استراتيجي والحفاظ عليهما يسهم في تامين خطوط التواصل بين اضلاع هذا المحور الذي يقف بالضد من التحالف السعودي التركي القطري، وهذا التحالف ليس بأحسن الأحوال أيضا. وما قاله الشيخ قاسم يشير الى نقطتين مهمتين:
اولاً: ان حزب الله ومحور ايران قد شعر بعدم إمكانية تحقيق حسم كامل للحرب في سوريا، وهو بذلك يطرح هذا الخيار من اجل الحفاظ على ما تبقى بيده من أراضي في سوريا والعراق، وقد يكون هذا السبب منطقيا لدرجة انه محور ايران الى طرح هذه الفكرة او الرضوخ لها في ظل زيادة التواجد الأمريكي في سوريا متحالفا مع الاكراد ومن الصعوبة ان يترك الامريكيون المناطق التي سيطروا عليها من دون مقابل (اما المواجهة المباشرة مع المحور الإيراني، او الحصول على تنازلات)، وتلميح نائب الأمين العام لحزب الله لفكرة التقسيم ربما تسير في اتجاه تقديم التنازلات والقبول بالفدرالية في سوريا التي تضمن إيجاد أقاليم للأكراد والسنة. كما تعني أيضا القبول بالفيدرالية العراقية التي تعني استحداث الإقليم السني.
ثانيا: في ظل المشاورات السرية والاتفاقات التي كثرت في الآونة الأخيرة بين الامريكان والروس، فان فكرة التقسيم قد تم الاتفاق عليها، وهذا غير مستبعد تماما مع التنازلات التي قدمتها الولايات المتحدة الامريكية لروسيا وسماحها بمحاصرة الجماعات المسلحة في حلب، فهل يكون ثمن ذلك القبول بالتقسيم؟ لا نستبعد هذه الفرضية مع الرؤية الامريكية للحل في المنطقة والتي كان التقسيم احد اهم خياراتها. كما ان الإدارة الأمريكية لم تخف الحديث عن أولوياتها في سوريا وهي محاربة داعش، حسبما صرح به مؤخرا الناطق باسم البيت الابيض جوش إيرنست.
نائب الامي العام لحزب الله قال في مقابلته مع رويترز إن الحملة العسكرية التي شنتها الجيش السوري وحلفاؤه على مدى شهور في حلب التي تسيطر عليها الجماعات المعارضة لم تستهدف بشكل كبير استعادة عاصمة سوريا الاقتصادية بقدر ما سعت لفصل المعارضين المسلحين عن إدلب التي تعتبر معقلهم الرئيس في الشمال الغربي وخنق خطوط الإمداد من تركيا. وهذا الكلام يحمل لغة هادئة في ظل الهجمة التي تشن ضد المحور الإيراني، المدعوم من روسيا وما اثير عن معركة حلب بانها تستهدف المدنيين وهذا ما يتوافق مع تأكيد روسيا على ان الحملة في حلب هي إنسانية بالدرجة الأساس للتخفيف من حدة التوتر وتقليل الضغوط التي من الممكن ان تعيق تلك العملية.
الازمة السورية ورغم ما يبدو عليها من حركة الا انها لا تزال راكدة وكل طرف متحصن خلف مطالبه وأهدافه، فالمحور الإيراني يهدف الى إبقاء حلقة الوصل بين اضلاع محور المقاومة، فيما يحاول المحور السعودي التركي القطري الحصول على موطيء قدم وإبقاء جزء من الأراضي السورية تحت سيطرة القوى الموالية له، ومع وقوف روسيا وامريكا خلف كل طرف من محاور الصراع حول تقاسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط، لا تستبعد فرضية التقسيم كحل وسط، وهذا ما يفسره التسابق على كسب المزيد من المناطق قبل مجيء تلك اللحظة التي قد نشهد فيها ولادة دول جديدة.
وأخطر ما في الحل التقسيمي يتمثل بالتبعات السلبية على شعوب المنطقة والتي لا تزال تعاني من اثار اتفاقية سايكس بيكو، والمناطق المشتركة تعد عود الثقاب لحروب المنطقة المستعرة، على الطريقة الكشميرية والكردية. والتطهير العرقي او التهجير القسري هو النتيجة الحتمية للأقليات التي ستظهر في المناطق المشتركة... وامنيات الشعوب العربية (العراق وسوريا تحديدا) ان لا تكون تصريحات نعيم قاسم بداية لتقسيم المنطقة لينشغل المجتمع بإصلاح ما دمرته الحروب بدلا من الاستعداد لحروب جديدة.
اضف تعليق