تقوم بعض الدول باستعراض قواتها العسكرية في مناسبات وطنية عليها اجماع من قبل افراد المجتمع. ولا تخرج تلك الاستعراضات عن مجموعة من الرسائل يتم توجيهها الى الاخرين، فهي اما احتفاء بجيشها وصنوفه، او استعراض لعدد من الأسلحة التي قامت بإنتاجها تلك الدولة، او رسالة ترهيب للدول المجاورة، او هي رسالة ترهيب للخصوم في الداخل.
ما الذي تريد توجيهه الحكومة العراقية من رسائل وهي تستعرض قواتها العسكرية؟
الهدف المعلن هو الاحتفال بالانتصارات المتحققة في قتال داعش في الفلوجة، وقبلها الرمادي وغيرها من المناطق.. وهو احتفال لا اشكال عليه، عند انتهاء جميع المعارك في الحرب الدائرة حاليا، والتي لم تنته معاركها، فلازالت الموصل وغيرها من مناطق تحت احتلال داعش.
ثم ان الطبقة السياسية الحاكمة، بشقيها الاسلاموي الشيعي والسني، لا تحتفي بهذا اليوم وتعده ثورة كما تعارفت عليه الادبيات السياسية للثورات، انها في ادبياتها الأيديولوجية تعده انقلابا سمح للشيوعيين بالظهور على مسرح الاحداث، واثروا على الكثير من القوانين والتشريعات التي صدرت بعد ذلك التاريخ، مثل قانون الإصلاح الزراعي وقانون الأحوال الشخصية.
وحتى ان المناسبة تشي بالكثير من حمولات العنف التي رسخها أصحابها من خلال التنكيل بعدد من رموز الملكية، والتي شكلت شرخا في نفسية الشخصية العراقية، وكانت تعد على الدوام مأخذا عليها في توجهاتها العنفية.
في هذه الحالة لا يمكن الحديث عن احتفاء بالثورة – الانقلاب، في مثل هذه المناسبة واستعراض القطعات العسكرية في شوارع بغداد قبل يوم واحد من تظاهرات دعا اليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وهي التظاهرات التي طالب رئيس الوزراء حيدر العبادي بتأجيلها او الغائها، وعدها رديفا وصنوا للارهاب، ولم تحصل على الترخيص الحكومي لانطلاقها.
والاحتفال بهذه المناسبة عبر الاستعراضات العسكرية لا يمكن ان يعد انقلابا باي حال من الأحوال على الادبيات الأيديولوجية الاسلاموية بشقيها الشيعي والسني، اذ لربما تحاول الاعتذار عن جميع سلوكها السياسي الذي طبع مرحلة ما بعد العام 2003 محاولة التذكير ببعض من المنجزات الاجتماعية والاقتصادية التي قادها عبد الكريم قاسم ولا زال يتذكرها قطاع كبير من أهالي مدينة الصدر، الثورة سابقا، والتي اخذت تسميتها من تلك المناسبة، وسكانها الان يشكلون الطبقة الاجتماعية الكبيرة المسحوقة.
لكن الواقع لا يشي باي شيء من هذا الانقلاب على النسق السياسي الذي درجت عليه الطبقة السياسية طيلة السنوات الماضية، اذ لو صح مثل هذا الانقلاب لوجدنا شروعا في احداث نقلة في اداءها على مستوى السياسة او الاقتصاد او الاجتماع او اس الخراب وهو الفساد.
الاستعراضات العسكرية بنزول الدبابات الى الشوارع وبقية الصنوف العسكرية، الوطنية منها او العابرة للوطن والدولة ليس لها الا تفسير واحد وهو إرهاب وتخويف المنافسين او الخصوم في الداخل، والداخل فقط، وهم في هذه الحالة التيار الصدري تحديدا. ولا يمكن باي حال ان تكون تخويفا لدول الجوار الموغلة بالتدخل في شؤون العراق، لانعدام المقارنة بين موازين القوى العسكرية بين العراق وبين تلك الدول.
هي رسالة خالصة للتيار الصدري وللمنضوين معه في فعل التظاهر الذي توقف طيلة شهر رمضان الماضي، كنوع من الهدنة التي فرضتها عطلة البرلمان التشريعية، وبقي عدد من الملفات معلقة لم تحسم وعلى رأسها ملف التعديل – التغيير الوزاري، وهو تعديل – تغيير لم يرق الى المطلوب ولو في حده الأدنى لتنفيذ شعارات المتظاهرين.
ولعل عدم الجدية نلمسها في تعيين وزير للداخلية بالوكالة خلفا للوزير المستقيل في اعقاب مجزرة الكرادة، وهما ينتميان الى نفس الكتلة التي عليها الكثير من المؤشرات فسادا واستغلالا للمناصب.
اضف تعليق