لم تكن النخب السياسية في أوربا والعالم والمصارف الكبرى ومافيات الفساد ترغب في نجاح الإستفتاء الذي أجراه الإنكليز وقرروا من خلاله الخروج من سلطة الإتحاد الأوربي التي جعلت من بريطانيا جزءا من منظومة تتآكل رويدا وتأتي بالدول الضعيفة والجائعة لتأكل من مائدة يجد ويجتهد من أجلها البعض، ولايفعل الآخرون شيئا سوى أن يجلسوا حولها ويلتذوا بما شاءوا من الطعام والشراب كما هو الحال مع اليونان الدولة التي تمر بكوارث إقتصادية، وتتلقى حزما من الدعم المالي الأوربي لكنها تواصل النكوص وتتعرض يوميا الى المزيد من الإنتكاسات في إقتصادها، بينما تحاول الدول الفقيرة في شرق القارة الإستفادة من مقدرات إقتصادية لدى ألمانيا وفرنسا وهولندا ولوكسمبورغ بعد أن تفلتت من عقال الإتحاد السوفيتي السابق الذي كان يطبق على أنفاس شعوب أوربا الشرقية، ولايمنحها الأمل في المستقبل سوى من خلال الشعارات الزائفة التي إنهارت مع تفكك الإتحاد، ثم سقوط جدار برلين.
الإنكليز الذي يعتزون بوجودهم كأمة مستقلة كانت تحتل العالم فيما مضى، إبتهجوا بعودة الشمس المشرقة ثانية، وهربوا بجلودهم من إتحاد أوربا التي تكبلهم بقيود وإلتزامات إقتصادية كبيرة لحساب دول أخرى، وتفرض عليهم شروطا قاسية في مجال الهجرة والتنقل بين الدول الأعضاء والتسهيلات المالية والإلتزامات التي تشترط دفع رواتب فئة من الموظفين المنتفعين في مقرات الإتحاد في بروكسل وغيرها، بينما تعاني الأغلبية من ظروف إقتصادية صعبة للغاية، حيث كان على لندن أن تدفع عشرات الملايين من الجنيهات أسبوعيا، ولاتجني الكثير، ثم هي تستعد لتلقي شروط مذلة لإستقبال ملايين اللاجئين الفارين من القتال والفوضى والجوع في مناطق الشرق الأوسط، ولم تقتنع بالإجراءات الأخيرة التي إتفق عليها الأوربيون للحد من الهجرة من خلال الإتفاق مع تركيا التي تعودت عدم الإلتزام وهي ترى أنها الخاسر الأكبر في المعادلة مع رفض مستمر لقبول عضويتها في الإتحاد الأوربي وهو مادفع الرئيس أوردوغان ليدعو الى إستفتاء شعبي حول جدوى التفاوض مع الأوربيين حول هذا الموضوع.
العدوى تنتقل الى بقية البلدان التي يتمكن اليمين المتطرف من تحقيق مكاسب مهمة فيها كل يوم، ففي فرنسا كانت هناك دعوة للإستفتاء حول الخروج من الإتحاد دعت لها ماري لوبين زعيمة الجبهة اليمينية، وكذلك في هولندا والسويد والدنمارك التي قد تتعرض الى الإنهيار في حال تدفق المزيد من اللاجئين إليها وتغيرت بنيتها الإقتصادية والإجتماعية والثقافية بفعل الوافدين الجدد الذين يحملون آلامهم قبل الآمال هاربين من جحيم لاطاقة لهم على تحمله.
هل تنجو أوربا من الخراب القادم من الشرق.
اضف تعليق